البناء: هل سقطت دولة المؤسسات؟

هل ما حصل مع وزير الاتصالات انقلاب على الدولة او عصيان لأوامر السلطات المختصة في الاتصالات والداخلية؟
هل ما حصل من تمرد عن سابق تصور وتصميم على قرار وزير الاتصالات شربل نحاس المقصود به دفع البلاد نحو ازمة سياسية خطيرة لا يمكن لأحد التكهن بنتائجها؟
هل ما حصل في وزارة الاتصالات من قرصنة ضد ارادة وزيري الاتصالات والداخلية يفيد مؤسسات الدولة؟ بينما في حقيقة الامر ينهي ما تبقى من مؤسسات لم يتمكن فريق رئيس الحكومة المنصرف سعد الحريري من الانقضاض عليها خلال السنوات الماضية؟

لماذا يراد إقامة «دويلة» داخل الدولة تحتوي على شبكة اتصالات خلوية ثالثة تعمل بصورة غير شرعية وبعيدا عن سلطة الدولة بينما مهمة عبد المنعم يوسف في قرار مجلس الوزراء عام 2007 كانت تركيب الاجهزة وليس تشغيلها بطريقة غير شرعية من دون علم الوزارة.
اسئلة كثيرة وعلامات استفهام ارتسمت امس بعد تعمد عناصر من فرع المعلومات بقرار من مدير عام قوى الامن الداخلي الذي تستر بكتاب من موظف في وزارة الاتصالات اسمه عبد المنعم يوسف بمنع وزير الاتصالات شربل نحاس من دخول الطابق الثاني من المبنى التابع لوزارة الاتصالات في العدلية ـ اي مركز التخابر الدولي ـ بحجة ان يوسف طلب في كتابه عدم دخول اي كان الى داخل الغرف في الطابق الثاني حيث جرى تركيب اجهزة بطريقة غير شرعية ومن دون علم الوزير او موافقته.

تمرد على بارود
والاغرب في الذي حصل ان فرع المعلومات بتوجيه من مدير عام قوى الامن الداخلي تمرد على قرار وزير الداخلية زياد بارود الذي طلب إخلاء عناصر المعلومات من مبنى الاتصالات في العدلية قولا، ما دفع الوزير بارود الى تحرير نفسه من وزارة الداخلية لانه لا يرغب في ان يكون شاهد زور.
والغرابة ايضا، انه رغم انسحاب الوزير نحاس من مبنى الاتصالات في العدلية، وذهابه الى مقر الوزارة حيث عقد مؤتمرا صحافيا لكشف حقيقة وضع اليد بالقوة على وزارة الاتصالات، لجأ مدير عام قوى الامن الداخلي اشرف ريفي الى إطلاق التهديدات ضد وزير الاتصالات من خلال تذكيره الوزير نحاس بأنه «قاتل شاكر العبسي وفتح الإسلام ولم يرتجف»!
لكن السؤال ايضا هو هل ان اللواء ريفي وقبله عبد المنعم يوسف يتصرفان من دون تغطية سياسية من رئيس الحكومة المنصرف سعد الحريري؟ الا ان المصادر المطلعة اكدت ان مثل هذا السلوك الذي وصل الى حدود التمرد لا يمكن ان يحصل الا بإيعاز من الحريري وبتغطية منه.

وسألت المصادر ايضا عن الاسباب التي دفعت يوسف الى رفع كتاب للواء ريفي لمنع تفكيك المعدات الموجودة في المبنى. وقالت ما هي المهمة التي اعطيت لعبد المنعم يوسف للتستر على ما يحصل في الطابق الثاني من مبنى الاتصالات، ولمصلحة من تستخدم «الداتا» التي جرى التلطي وراءها لمنع وزير الاتصالات والفريق الذي رافقه من الدخول الى مكان وجود المنشآت لتفكيكها، وتاليا لماذا التلطي وراء ملاحقة خاطفي الإستونيين للقيام بمثل هذا السلوك الانقلابي.
والاخطر في كل ما حصل امس، ما كشفته اوساط امنية من انه يجري تسريب معلومات من المركز المذكور الى المخابرات الاميركية و»الإسرائيلية».
معلومات خطيرة تؤكدها أوساط أمنيّة

وعلمت «البناء» من اوساط امنية مطلعة، ان الوزير نحاس لم يكن في وارد القيام بهذه الخطوة تجاه مركز التخابر الدولي في مبنى «سنترال بدارو» خلف المديرية العامة للأمن العام، لولا ورود معلومات موثوقة اليه عن وجود عمليات تخابر غير قانونية ذات ابعاد سياسية وامنية «خطيرة» تجري في هذا المركز وبإشراف مباشر من المسؤول عنه ومشاركة موظفين رسميين وآخرين امنيين ولحساب اطراف خارجيين وداخليين. بالإضافة الى تسريب مستندات الى السلطات الفيدرالية التابعة للولايات المتحدة الاميركية، والتي علم انها متفرعة عن مكتب مركزي لهذه السلطات موجود في قبرص في مدينة ليماسول ويديره الضابط الاميركي في الـ F.B.I.S غاري بليتز Gary Bleetz. والذي كان في السابق رئيسا لوحدة استخبارية في السفارة الاميركية في لبنان.

وقالت الأوساط ان السلطات الامنية اللبنانية تشتبه منذ فترة طويلة في الدور الذي يؤديه هذا المكتب للموساد «الإسرائيلي» على الصعيد المعلوماتي، حيث ان في هذا المكتب قسما للعمليات «الإسرائيلية» الاميركية المشتركة مرتبط بمراجع خاصة في كل من السفارتين الاميركية و»الإسرائيلية» في لارنكا. وتحصر مهام هذا القسم بالشأن الأمني. كونه رسميا معني بالأمن القومي لواشنطن وتل ابيب، وتضيف الاوساط الامنية ان وزارة الاتصالات كانت قد نبهت منذ ايام الوزير جبران باسيل من مغبة وصول مستندات او حصول عمليات استخبارية في مركز التخابر الدولي لحساب المكتب المذكور في قبرص، وكان الجواب دائما بأن التعاون مع هذا المكتب تحدده بروتوكولات التعاون بين قوى الأمن الداخلي والسلطات الفيدرالية الاميركية. وتؤكد المصادر انه لو تمكن الوزير نحاس من مداهمة هذا المركز لكانت البلاد اليوم تحت وقع افظع الفضائح في مجال الاتصالات والاختراق الامني الخطير للاستخبارات الاميركية و«الإسرائيلية» للأمن القومي اللبناني.
وهذا ما يبرر لجوء المعنيين وهذه الفضيحة الى الاسلوب الميليشياوي الذي مارسه فرع المعلومات لمنع نحاس من دخول المركز. لأن المسألة بالنسبة الى أصحابها مسألة حياة او موت. وعن امكانية ملاحقة هذه القضية بعد ما حدث، قالت الاوساط الامنية انه للأسف جرى تفريغ المركز من المعدات والأجهزة التي كانت تستعمل فيه بطريقة مخالفة للقانون، ولم يعد يجدي دخول المركز من جديد، لكنه جزم بأن فتح تحقيق جدي من قبل جهة امنية مستقلة من شأنه ان يكشف كل المؤامرات التي تحاك في مؤسسات وزارة الاتصالات ومؤسسة «أوجيرو» التي يجب ان تلغى من الوجود.

ماذا حصل في الاتصالات؟
وفي وقائع التمرد الذي نفذه فرع المعلومات، انه ولدى وصول الوزير نحاس الى مبنى الاتصالات في العدلية لجأ ضابط القوة المولجة حماية المبنى الى منع الوزير نحاس والفريق الفني الذي كان برفقته من دخول الوزارة، بحجة ان لديه اوامر من اللواء ريفي بمنع اي كان من الدخول الى مبنى الاتصالات.
ولاحقا رفض فرع المعلومات تنفيذ قرار الوزير بارود بإخلاء مبنى الاتصالات فورا.
ووصف الوزير نحاس في تصريح له في مبنى الاتصالات ولاحقا في المؤتمر الصحافي الذي عقده في مبنى الوزارة في رياض الصلح ما حصل بأنه انقلاب على الدولة قامت به شعبة المعلومات، واتهم نحاس اللواء ريفي بأنه اخذ إجراءات ليضع يده على فرع المعلومات مباشرة.

واعلن نحاس انه وجه طلبا عاجلا الى قيادة الجيش لتتحمل مسؤولياتها وتواجه هذه الحالة الانقلابية الشاذة وتخلي المبنى من العناصر المتمردة فورا.
وأشار الى انه «تلافيا لحصول توتر يؤدي الى سقوط جرحى بين قوى الأمن الداخلي من فرع المعلومات وجهاز أمن السفارات، ارتأى انه من المناسب الانسحاب».
واتهم نحاس المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بعدم الامتثال للقوانين والاوامر الصادرة عن وزارة الداخلية، متحدثا عن تمرد عسكري على سلطة الدولة من قبلهم.
وردا على سؤال، اشار الى انه «لا يحق لموظف برتبة مدير عام التصريح دون إذن وزيره.

بارود «يحرّر نفسه»
واما الوزير بارود فأعلن بعد ان رفضت شعبة المعلومات تنفيذ قراره الانسحاب من مبنى الاتصالات «تحرير نفسه» من وزارة الداخلية لانه لا يرغب في ان يكون شاهد زور» ملاحظا ان «القانون اصبح وجهة نظر وشدد على انه لن يقبل ان يكون وزيرا سلطته على بعض المديريات مجرد نص قانوني».
واما مدير عام قوى الامن الداخلي فأشار الى ان تصدي فرع المعلومات لمحاولة تفكيك منشآت الشركة الخلوية الثالثة اتى بناء على كتاب رسمي من المدير العام لهيئة «أوجيرو» عبد المنعم يوسف، يطلب فيه حماية المنشآت التي اوكلت هيئة «اوجيرو» بإدارتها بناء على قرار من مجلس الوزراء صادر في العام 2007.
ولفت ريفي الى ان تفكيك هذه المنشآت يتطلب قرارا من مجلس الوزراء تماما كإنشائها.
ووجه ريفي تهديدا الى الوزير نحاس، متوعدا إياه وقال: «اذا كان الوزير نحاس يعتقد انه بهذه الطريقة يستطيع ان يؤثر فينا ويربكنا، نذكره اننا قاتلنا شاكر العبسي وفتح الإسلام ولم نرتجف». 

سعد الله الخوري: أوصاف جرمية
وفي اتصال مع «البناء» قال الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة الدكتور يوسف سعد الله الخوري، أن منع جهاز أمني لوزير من زيارة إحدى المؤسسات التابعة لوصايته هو فعل تجاوز لحد السلطة، فالوزير يراقب الأعمال القانونية التي ينص عليها قانون المعاملات، و«أوجيرو» هي مؤسسة عامة مستقلة تخضع أعمالها القانونية لوزارة الوصاية، لذلك من البديهي أن يجول وزير الوصاية على المؤسسات الخاضعة لوصاية وزارته، ومنعه من ذلك مخالف للقانون لأنه يتجاوز حد السلطة، ولهذه المخالفة نتائجها على المستوى العقابي أو التأديبي او القضائي، فتجاوز حد السلطة هو فعل تنطبق عليه الأوصاف الجرمية.

موقف لـ«التغيير والإصلاح» اليوم
ومن المقرر أن يعقد تكتل التغيير والإصلاح اجتماعاً استثنائياً اليوم لتدارس الأوضاع في ضوء ما حصل مع الوزير نحاس.
ووصف عضو التكتل النائب نبيل نقولا «ما حصل بأنه قرصنة ويجب توقيف المسؤولين عنها فوراً، وقال «إن إشهار السلاح في وجه وزير هو عملية انقلابية يعاقب عليها كل من اشترك فيها».
وعلم أن اتصالات مكثفة حصلت مساء أمس لتطويق الموقف وتداعياته، إلا أن الأمور بقيت تتفاعل خصوصاً أن عناصر شعبة المعلومات لم ينسحبوا من مبنى الاتصالات بل ارتفع عددهم هناك الى أكثر من 400 عنصر لمنع تنفيذ قرار وزير الداخلية، وسأل مرجع كبير «لماذا لا تقوم شعبة المعلومات بما هو مطلوب منها من مهمات إلا تلك التي يطلبها مسؤولون محسوبون على «تيار المستقبل؟».

نصر الله يحدد ثوابت المرحلة الجديدة
إلا أن التمرد الذي قام به فرع المعلومات أمس، لم يحجب المواقف الهامة والاستثنائية التي كان قد أعلنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الاحتفال المركزي الذي كان قد أقامه الحزب مساء يوم الأربعاء بعيد المقاومة والتحرير في بلدة النبي شيت في البقاع.
وأكد السيد نصر الله دعمه الكامل لسورية قيادة وشعباً، ولفت إلى أن إسقاط النظام في سورية هو هدف في خدمة أميركا و«إسرائيل»، وأكد في المقابل استمرار التمسك بنهج المقاومة المسلحة والحفاظ على سلاحها في مواجهة الاعتداءات والأطماع «الإسرائيلية»، داعياً الى سحب مبادرة السلام العربية عن طاولة المفاوضات.
وأكد السيد نصر الله وجوب التعاون من أجل أن تخرج سورية من أزمتها «قوية منيعة لأن في هذا مصلحة سورية ولبنانية وعربية ومصلحة للأمة».
ولفت إلى أن «كل المعطيات والمعلومات حتى الآن ما زالت تؤكد أن الأغلبية من الشعب السوري ما زالت تؤيد هذا النظام وتؤيد الرئيس بشار الأسد».
وتطرق نصر الله في كلمته، إلى خطابي أوباما ونتنياهو، وقال في هذا السياق «عندما نسمع مواقف وخطابات أوباما أمام «أيباك» ونتنياهو أمام الكونغرس نزداد قناعة بصحة خياراتنا وسلامة وصوابية طريقنا منذ البداية»، لافتاً إلى أنه عندما «يمدحك الشيطان يجب أن تخاف، ولما يهاجمك يعني أن ذلك شيئا ممتاز».

الأميركي يعطّل تشكيل الحكومة
وحول ملف تشكيل الحكومة، لفت السيد نصر الله الى أن الاميركي يعطّل عملية التشكيل، مذكراً بزيارة فيلتمان الى الرئيسين سليمان وميقاتي عندما ظهرت بوادر الحلول.
وشدد السيد نصر الله على وجوب تشكيل الحكومة في أسرع وقت، ووجود الحكومة هو الأساس لحل ومواجهة المشاكل في البلد، وقال «سنواصل بذل جهودنا (لتشكيل الحكومة) عبر «الخليلين» ولن نتوقف، وأشار في المقابل الى أننا لسنا بوارد الضغط على أحد وسنصل الى النتيجة المطلوبة والحوار هو الذي يوصل الى نتيجة».
وإذ اعتبر أن «الرهان على حكومة تكنوقراط ساقط لأنه رهان أميركي ورهان تيار «المستقبل».

غيتس يطلق مزاعم جديدة؟
في هذا السياق ادعى وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس أن حزب الله قد يكون يمتلك اسلحة كيماوية وبيولوجية رغم عدم وجود أدلة على ذلك، موضحاً في حديث الى محطة «CNN» الأميركية أن الحزب لديه صواريخ تستطيع ان تصل الى كل المدن «الاسرائيلية»، لكنه أضاف: «لا نعرف، أعتقد أننا نمتلك أي أدلة على ذلك»، ولكن يمكن التعامل معه كمشكلة إرهاب أو كتهديد لسفن البحرية الاميركية بسبب امتلاكه صواريخ كروز مضادة للسفن.
وأشكنازي..؟
بدوره أعلن رئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» السابق غابي اشكنازي إن على «إسرائيل» مواصلة الاستعداد للخيار العسكري ضد إيران، وأن حزب الله هو أكبر تحد تواجهه «إسرائيل».
وأعلن اشكنازي أن حزب الله، هو التحدي الأكبر الذي يواجهه الجيش «الاسرائيلي» «وعلى الرغم من الانتقادات على حرب لبنان الثانية إلا أن الردع «الاسرائيلي» ارتفع في أعقابها».
أضاف أنه «إذا أراد حزب الله، فإن بإمكانه إطلاق كمية كبيرة جداً من الصواريخ إلى أية نقطة في «اسرائيل»، إلا أنه رأى أن «حزب الله ليس قادراً على احتلال الجليل و»حماس» ليست قادرة على احتلال النقب، ولذلك علينا أن نبلور تكتيكاً لا يسمح لهم بإطلاق الصواريخ ويقصّر فترة الحرب قدر الإمكان».
الوضع الحكومي مجمد

أما على الصعيد الحكومي فإن الأمور تبدو مجمدة بانتظار بروز مؤشرات على إمكان حصول حلحلة في العقد التي أدت الى «فرملة» الاتصالات الاسبوع الماضي، ولذلك تستبعد مصادر سياسية مطلعة حصول أي تطور ايجابي في وقت قريب، وقالت إن عودة تحرك «الخليلين» مرهونة بظهور معطيات ايجابية من شأنها أن تفتح الباب أمام حصول حلحلة في الوضع الحكومي، وإن كانت المصادر قد أشارت إلى «دور إيجابي» يقوم به النائب سليمان فرنجية باتجاه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والعماد ميشال عون.

السابق
حوري: تصرّف نحاس قرصنة وعمل ميليشيوي
التالي
الراي: انفجرت بين نحاس وريفي … فـ “انسحب” بارود