دروس مستفادة من ميدان التحرير

تذكرت عند زيارتي للقاهرة مرة أخرى أن هناك طرفين في هذه المنطقة لم يتأثرا بالربيع العربي: الإسرائيليون والفلسطينيون. وهو أمر سيئ للغاية، نظرا لأنه حينما يتعلق الأمر بالحكومات المتحجرة التي تفتقر إلى الخيال وطول النفس، نجد الإسرائيليين والفلسطينيين يقفون جنبا إلى جنب مع مصر وتونس ما قبل الثورة. أعني هل هناك أي شيء أغرب من ذهاب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الكونغرس الأميركي لطلب تأييده وذهاب زعيم الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة، بدلا من أن يتقابلا معا؟

ربما يمكن أن يتعلم كلاهما بالفعل شيئا من ميدان التحرير. فيمكنني مخاطبة الفلسطينيين قائلا: أنتم تعتقدون أن الإسرائيليين يقسون عليكم لأنهم يرون أنكم واقعون تحت سيطرتهم. وإذا لجأتم إلى العنف، فسيشيرون إليكم بالإرهابيين. وإذا لم تلجأوا إلى العنف، فسيقوض الإسرائيليون السلام والهدوء ويقومون ببناء المزيد من المستوطنات. فمعضلتكم هي كيفية دفع إسرائيل بطريقة لا تلحق بكم الدمار أو تتطلب منكم الاستسلام التام. عليكم البدء بالقانون الحديدي الذي يحكم عملية السلام بين العرب والإسرائيليين، أيا كان الطرف الذي يحاول استمالة الأغلبية الإسرائيلية الصامتة بما يحقق مصلحته.

لقد استمال أنور السادات الأغلبية الإسرائيلية إلى جانبه حينما توجه إلى إسرائيل، وتمكن من الحصول على كل ما كان يصبو إليه. وفعل ياسر عرفات الشيء نفسه في ما يتعلق باتفاقية أوسلو للسلام. والسؤال هو: كيف يستطيع الفلسطينيون فعل ذلك من جديد في يومنا هذا؟.. بإمكاني أن أخبرك كيف يستطيعون تجنب ذلك. فتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يعترف بدولة فلسطين كدولة مستقلة لن يؤدي سوى لاحتشاد الإسرائيليين حول رئيس الوزراء بيبي نتنياهو، الأمر الذي من شأنه أن يعطيه مبررا آخر لعدم إجراء محادثات سلام مع الفلسطينيين.

هل لي الآن أن أقترح بديلا يحاكي ما حدث في ميدان التحرير؟ إنه الإعلان عن أن كل يوم جمعة من الآن فصاعدا سيكون «يوم سلام»، وقيام آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية بتنظيم مسيرة سلمية إلى القدس، حاملين شيئين: غصن زيتون في يد ولافتة مكتوبة باللغتين العبرية والعربية في اليد الأخرى. ويجب أن تكون العبارة التالية مكتوبة على اللافتة «دولتان لشعبين. نحن، الشعب الفلسطيني، نقدم للشعب اليهودي حل دولتين قائما على حدود 1967 بتسويات يتفق عليها الطرفان تشمل القدس، حيث سيسيطر العرب على المناطق المجاورة لهم، وسيسيطر اليهود على المناطق المجاورة لهم بالمثل.

وإذا نظم آلاف الفلسطينيين مسيرة سلمية إلى القدس كل يوم جمعة حاملين رسالة سلام واضحة، فسيصبح ذلك حدثا إخباريا عالميا. وستبعث كل شبكة إخبارية بمراسليها إلى هناك. ثق بي، ستحفز تلك المسيرة على مناقشة حقيقية لقضية السلام داخل إسرائيل، لا سيما إذا ما دعا الفلسطينيون وفودا من الشباب من مختلف أنحاء العالم العربي للمشاركة في المسيرات، حاملين مبادرة السلام السعودية باللغتين العبرية والعربية. ويجب دعوة يهود وعرب إسرائيل للانضمام إلى المسيرات بالمثل. وبإمكان المشاركين في المسيرات معا أن يرسموا خرائط سلام بالصورة التي يختارونها، وأن يقوموا بتحميلها على موقع «يوتيوب» كوسيلة لمخاطبة قادتهم مثلما خاطب الشباب المصري الرئيس السابق حسني مبارك بقولهم «لن ندعك تضيع يوما آخر من أيام حياتنا في أفكار عتيقة ومناورات بالية».

أعلم أن الفكرة تبدو مجنونة. سيقرأ بيبي اللافتات ويضحك قائلا «لن يفعل الفلسطينيون ذلك مطلقا. لن يتسنى لهم مطلقا إقناع حماس بتبني سياسة اللاعنف. إنها ليست طبيعة الفلسطينيين».
هذا بالضبط ما قاله الرئيس السابق مبارك عن الشعب المصري «إنهم عاجزون عن أن يكونوا خلاف ما هم عليه: طيعين ومستعدين للتعلق بأي أمل ضعيف أقدمه لهم»، لكن المصريين باغتوه. فماذا عنكم أيها الفلسطينيون، وتحديدا حماس.. هل تخبئون أي مفاجأة؟ هل بيبي محق بشأنكم أم لا؟

أما عن بيبي، فالدرس المستفاد من ميدان التحرير واضح جليا له: سيدي، أنت في الطريق نحو أن تصبح «حسني مبارك» عملية السلام. إن وقت اتخاذ القرارات الصعبة في حياتك هو الوقت الذي تملك فيه كل الصلاحيات. وعلى مدار 30 عاما، كان مبارك يملك كل الصلاحيات التي تمكنه من الانتقال بمصر تدريجيا إلى المرحلة الديمقراطية – ولم يوظفها مطلقا. وعندما ثار الشعب المصري ضد مبارك، حاول أن يفعل كل هذا خلال ستة أيام. لكن كان الوقت متأخرا جدا. فلم يصدقه أحد، ومن ثم، انتهت فترة حكمه نهاية مشينة.

لا تزال إسرائيل تمتلك نفوذا قويا. فهي متفوقة عسكريا واقتصاديا عن الفلسطينيين بدرجة هائلة، كما أن الولايات المتحدة منحازة لصفها. فإذا وضع نتنياهو بالفعل على الطاولة خريطة سلام موثوقا بها تقوم على حل دولتين محدد – وليس مجرد الوعود المبهمة القديمة بتقديم «تسويات شاقة» – سيستطيع أن يدفع الأميركيين والأوروبيين لقبول أي شيء ترغبه إسرائيل، بما في ذلك الحصول على أحدث أنواع الأسلحة والانضمام إلى عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بل وربما لعضوية الاتحاد الأوروبي. ربما يكون هذا مكسبا أمنيا غير متوقع بالنسبة لإسرائيل. فهل يخبئ بيبي نتنياهو أي مفاجأة في جعبته، أو هل يفهمه الفلسطينيون على الوجه الصحيح: كمخادع يخبئ أجندة دينية قومية تحت عباءة الأمن؟

ربما تكون الحقيقة هي أن القادة الإسرائيليين والفلسطينيين غير قادرين على مفاجأة أي أحد مرة أخرى، وفي تلك الحالة سيبقى الوضع على ما هو عليه: فستستولي إسرائيل على الضفة الغربية بأكملها تدريجيا، وبهذا، ستحكم أقلية يهودية أغلبية عربية. وسيشير أعداء إسرائيل إليها بمسمى «دولة الفصل العنصري اليهودية». وستجد أميركا، الصديقة الحقيقية الوحيدة لإسرائيل، أن عليها الدفاع عن إسرائيل التي لا تقبل سياساتها والتي لا تحترم قادتها – وستبدو الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل التي ظهرت على السطح في واشنطن الأسبوع الماضي غريبة بالمقارنة.

السابق
الراي: لبنان المحتل من “الفراغ” احتفل بذكرى التحرير الـ 11
التالي
رفع الخيم البحرية فوق رمال الشاطئ الجنوبي