خطاب أوباما.. محاولة لتغيير صورة واشنطن القاتمة

منذ اللحظات الأولى التي سبقت خطاب الرئيس الأمريكيّ باراك أوباما الذي ألقاه يوم الخميس 19/5/2011؛ لاحظ العالم أنّ التركيز على غلاف الكتاب طغى على محتواهُ،

بمعنى أن الإبهار الإعلاميّ والتنويه عن قرب انطلاق الرئيس في خطابه، والإعلان عن تحرّك موكبه من البيت الأبيض، والتأخر مدّة عشرين دقيقة تقريباً عن الموعد المقرّر لبدء الخطاب، كلّ ذلك جعل المراقبين على قناعة مسبقة أنّ الخطاب لن يأتي بجديد، وإلاّ ما كان ليحاط بتلك الهالة من الإثارة والتشويق، وحتّى عندما دخل الرئيس القاعة التي كانت معدّة لإلقاء الخطاب في وزارة الخارجيّة الأمريكية لفتت طريقة الترحيب به من وزيرة الخارجية (هيلاري كلينتون) أنظار الحاضرين والمشاهدين على حدّ سواء، ولم يكن العناق بينهما إلاّ دليلاً على أنّ العاطفة الجيّاشة هي التي ستقود كلّ كلمة من كلمات الخطاب من البداية إلى النهاية.‏

ولم يخيّب أوباما ظنون المراقبين فارتجل خطاباً كرّر فيه وعوده القديمة بإيجاد حلّ عادل للصراع العربيّ- الإسرائيليّ، ومنّى الفلسطينيين من جديد بإقامة دولة خاصّة بهم، وإن لم ينسَ التأكيد على يهوديّة الدولة المزعومة التي أقامها الكيان الصهيونيّ في فلسطين المحتلّة.‏

كذلك أعاد الرئيس الأميركيّ تذكير العالم بأنّ دولته مازالت تصرّ على لعب دور قاضي العالم، وأنّ اهتمام القاضي هذه الأيّام منصبّ على المنطقة العربيّة التي تشهد غلياناً غير طبيعيّ بسبب حشر الإدارة الأميركية أنفها في كلّ صغيرة وكبيرة من شؤون هذه المنطقة.‏

استهلّ أوباما الخطاب بقوله: (أود أن أشكر هيلاري كلينتون، والتي سافرت كثيراً هذه الأشهر الستة الأخيرة).‏

نعم لقد سافرت السيّدة (كلينتون) كثيراً لكنّها كانت تعود بخفّي (حـُنين)، ما خلا رغبة متجدّدة في الصعود إلى الطائرة لتملأ حقيبتها بوعود لا يجد وعد واحد منها طريقه للهبوط من سماء الوعد إلى أرض التنفيذ الفعليّ، وليبقى الصدق الأميركيّ على المحكّ وقد أشار هذا المحكّ مراراً وتكراراً إلى أنّ هذا الصدق كان وسيبقى موضع شكّ من قبل الدنيا كلّها.‏

ثمّ انتقل الرئيس الأميركيّ إلى أفغانستان فقال: (في أفغانستان، لقد كسرنا زخم حركة طالبان، هذا وسنبدأ في شهر تمّوز إعادة قواتنا إلى الوطن).‏

ما يعرفه العالم هو العكس تماماً، لأنّ حركة (طالبان) أجبرت الإدارة الأميركية على تغيير استراتيجيتها القتاليّة وتبديل قادتها العسكريين في أفغانستان مرّات ومرّات، ومازال الصدر الأميركيّ يرسل الشهيق والزفير تعبيراً عن حيرته في إيجاد نهج ملائم للتعامل مع الملفّ الأفغانيّ الذي سبّب للإدارة الأميركية صداعاً مزمناً.‏

ثمّ انتقل أوباما إلى الميدان الذي يحلو له فيه أن يصول ويجول ميدان التغنّي بالديمقراطيّة الأميركية التي تدين القمع وتتغنّى بالحرية فقال: (لكن الأحداث التي جرت في الأشهر الستة الماضية تبين لنا أن إستراتيجيات القمع لن تعمل بعد الآن، التلفزيون الفضائيّ وشبكة الإنترنت توفر نافذة على العالم الأوسع، عالم من التقدم المذهل، الهواتف المحمولة والشبكات الاجتماعية تسمح للشباب بالتواصل وتنظيم لم يسبق له مثيل، لقد برز جيل جديد).‏

وهذا الجيل الجديد في العالم العربيّ هو الذي عبّر عن رفضه للوجود الإسرائيليّ في فلسطين المحتلّة كقوّة احتلال غاشمة مأتمّاً بالآباء والأجداد، وتحدّى الإرهاب الإسرائيليّ في ذكرى النكبة وزحف معلناً إصراره على تحرير الأرض واستعادة الحقّ السليب المغتصَب.‏

ولتوضيح الطريقة الأميركية في وضع حدّ (للقمع) قال أوباما: (اتبعت الولايات المتحدة مجموعة من المصالح الجوهرية في المنطقة : مكافحة الإرهاب ووقف انتشار الأسلحة النووية، وتأمين التدفق الحرّ للتجارة،وسنستمر في القيام بهذه الأشياء، مع الاعتقاد الراسخ بأن مصالح أميركا ليست معادية لآمال الشعوب، بل هي ضرورية لهم).‏

لقد تبيّن بما لا يدع أدنى مجال للشكّ أنّ مصالح (واشنطن) تتناقض تناقضاً صارخاً مع مصالح شعوب الأرض كافّة، وإلاّ فكيف سنفسّر كره هذه الشعوب للسياسة الأميركيّة وتنامي حجم هذا الكره عاماً بعد عام؟!‏

ثمّ عاد الرئيس (الحرّ) ليزيل سوء الفهم الذي اقتحم المخيّلة الإسرائيلية عند حديثه عن الدولة الفلسطينيّة، علماً أننا لا نفهم كيفية قيامها في ظلّ وجود دولة اعترف أوباما بيهوديّتها،عاد فأوضح أنّ الوصفة الأميركية تقوم على أساس العودة إلى حدود 1967 لكن مع تبديل الأراضي وهذا المقترح قابل للتعديل وفق المشيئة الإسرائيلية، ولن نستغرب بعد هذا التوضيح إقدام الإدارة الأمريكية على اقتطاع أجزاء متناهية في الصغر من الأرض التي شهدت قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية؛ وإلزام الفلسطينيين التسليم بأنّ هذه المساحة الممسوخة من الأرض هي حدود دولتهم الجديدة التي لا تكاد تُرى بالعين المجرّدة.‏

خطاب أوباما كان محاولة لتغيير الصورة القاتمة لواشنطن، تلك الصورة التي رسخت في أذهان دول العالم بسبب الدعم الذي لا يقف عند حدّ معيّن لكيان معتدٍ غاصب، ولن تزول هذه الصورة مادام هذا الكيان الإرهابيّ مصرّاً على احتلال الأرض وتحدّي إرادة المجتمع الدوليّ.‏

السابق
فلسطين بلادنا رغم أنف الكونغرس الأميركي
التالي
نصرالله: صواريخنا حاضرة في معادلة المنطقة