الراي: لبنان المحتل من “الفراغ” احتفل بذكرى التحرير الـ 11

… عيد بأيّ حال عدتَ؟ هكذا بدا المشهد في لبنان الذي أحيا امس من «خلف قضبان» مأزقه السياسي الذكرى الـ 11 لتحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي التي أطلق معها «حزب الله» بلسان أمينه العام السيد حسن نصر الله مرحلة جديدة ظهّرت تموْضعه على «رقعة شطرنج» الأحداث المتسارعة في المنطقة والتي لم يعد من إمكان للتعاطي معها الا على طريقة «ابيض او أسود».

فلبنان الذي «يرفع الرأس» منذ العام 2000 بإنجازه «التاريخي» بدحر الاحتلال الاسرائيلي «من دون اي مقابل»، بدا في العيد الحادي عشر لـ «المقاومة والتحرير» كأنه «يدفن رأسه في الرمال»، متخذاً «وضعية الانتظار» في الداخل «المجمّد» ريثما تتضح ملامح الخيط الابيض من الأسود في الأحداث المتدحرجة في سورية، وواضعاً نفسه «تلقائياً» من خلال «التشابُك الموضوعي» بين بعض الأحزاب فيه والمحيط الاقليمي على خط الاشتباك في المنطقة الذي برز في اليومين الاخيرين تقاطُع لافت فيه بين الصراع العربي – الاسرائيلي ورياح الثورة في دولٍ عربية تصارع «عربة» التغيير التي خرجت «أحصنتها» من الحظيرة ومن «أدبيات الحظر» وأخواته.

أمس حلّ عيد التحرير وسط المفارقات الآتية:
* ان «حزب الله» احتفل بالذكرى التي يفاخر بها في البقاع (بلدة النبي شيت)، فيما تظهر مؤشرات الى انه «أسير» العاصفة التي تدهم المنطقة و«مكبّل» في خطواته الداخلية ولا سيما بإزاء ملف تشكيل الحكومة نتيجة عدم القدرة على استشراف «اتجاه الرياح» بإزاء الوضع في سورية الذي ينتقل من صعب الى أصعب وسط ملامح تغيير في «المزاج» الاميركي باتجاه إدارة محركات ديبلوماسية «الأحذ والردّ» في محاولة لتأمين توافق على تمرير قرار في مجلس الامن ضد نظام الرئيس بشار الاسد يؤمن الانتقال من العقوبات «بالمفرّق» الى العقوبات «بالجملة» وما يمكن ان يطرحه هذا الامر من ارباك للبنان العضو في مجلس الامن.

* ان الذكرى أطلّت برأسها بالتزامن مع دخول ولاية الرئيس ميشال سليمان سنتها الرابعة على وقع اشارات بان «النصف الثاني» من رئاسته سيكون محكوماً بما يشبه «النقار» المستمرّ وبمعارك «على المنخار» في السياسة و«أيّ شيء» يفرضها زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون الذي يرى البعض انه يتعاطى مع سليمان على انه «رئيس بالوكالة».

* ان المناسبة تزامنت مع دخول أزمة تشكيل الحكومة شهرها الخامس، ومن دون ان تلوح في الافق امكانية للخروج من «عنق الزجاجة»، ولا سيما بعد «انكسار الجرّة» بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وعون الذي نعى المشاورات الجارية للتشكيل معتبراً ان الاول بات «خارج إطار التأليف»، واصفاً ما يقوم به ميقاتي بـ «المعارك الوهمية».

وفيما لفت ردّ مصادر ميقاتي على عون «الذي أخطأ الهدف لان الرئيس المكلف لن يكون أبداً هاوي معارك وهميّة ولا حروباً بلا جدوى»، تعاظمت المخاوف من ان يكون لبنان امام «صيف الفراغ» الذي «بشّر» به حلفاء لسورية كالوزير السابق وئام وهاب الذي لم يتوقّع حكومة «قبل اكتوبر»، معلناً «انا مع حكومة وحدة وطنية، لأنه في ظل هذا الزلزال في المنطقة يجب ان تكون هناك شبكة أمان لبنانية».

وفي حين قرأت دوائر سياسية كلام وهاب عن حكومة الوحدة ووجوب تلقُّف كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري عن ذكرى التحرير على انه رفع لوتيرة الضغط على ميقاتي بـ «ان البديل جاهز»، فان اوساطاً سياسية لاحظت في تأكيد رئيس البرلمان نبيه بري رفضه «الاستسلام امام المشهد الحاصل» محاولة لتفادي إظهار قوى 8 آذار وكأنّها ترفع «الراية البيضاء» بعد اربعة اشهر ونيّف على «قلبها الطاولة» وإسقاطها حكومة الحريري.
وفي غمرة هذا المشهد، تستوقف الدوائر المراقبة محطتان تنذران بتظهير الانقسام الداخلي العمودي وهما:

* ذكرى نكسة 1967 التي تبدو الجولة الثانية من ذكرى النكبة التي شكّلت محطة لـ «رسائل» معبّرة وُجهت من الجولان وجنوب لبنان، وذلك وسط دعوات عبر الفايسبوك لمسيرات في 5 يونيو تشمل الدول التي لها حدود مع اسرائيل، وسط مخاوف من ان يتكرر جنوباً مشهد «مجزرة مارون الراس» التي تحوّلت محط استفسارات دولية للبنان وجيشه لجهة ملابسات السماح بوصول المتظاهرين الى السياج الحدودي.

* التفاعلات اللبنانية للأحداث في سورية في ظل اتساع رقعة الانقسام حولها على قاعدة «مع وضدّ» بما ينذر بتمتْرس لبناني على «خط النار» السوري. وكان لافتاً امس استنكار الامانة العامة لـ 14 آذار «محاولة بعض الجهات والأشخاص في لبنان لعب دور «الشبيحة» و «البلطجيّة» في التصديّ للحرّيات العامّة والفرديّة، ولحرّية التعبير والمعتقد» وذلك على خلفية «إحباط» لقاء التضامن مع الشعب السوري قبل اسبوع ومحاولة منعه من الانعقاد اول من امس عبر التضييق على فنادق عدة رفضت استقباله ليلتئم أخيراً في «مستودع» في محلة سن الفيل ويوجّه منظموه (ناشطو المجتمع المدني بحضور بعض رموز 14 آذار بصفة شخصية) رسالة «من احرار لبنان الى احرار سورية» فيها «لست وحدكم في هذا العالم. نحن الى جانبكم، ونؤمن كما تؤمنون بأن موعدكم مع الحرية بات قريبا»، داعين السلطات السورية «الى وقف فوري للمجازِر ضد شعبها».

السابق
جنبلاط و”المستقبل”
التالي
دروس مستفادة من ميدان التحرير