أوباما يفضح حقيقة السّياسة الأميركيّة

لا شيء يفضح السياسة الأميركية ويعرّيها أمام الرأي العام سوى التحضيرات لانتخابات الدورة الرئاسية الثانية. فالرئيس الأميركي، لا سيما الفاشل في السياسة الأميركية الداخلية، يسعى إلى خطب ود المنظمات الصهيونية الأميركية وأتباعها لإعادة انتخابه لدورة ثانية، وهو من أجل ذلك يقدم كل ما يدعم العدوان الصهيوني على شعبنا وأمتنا.

هذا ما أكده مجددا الرئيس باراك اوباما في خطابيه في وزارة الخارجية الأميركية وأمام مؤتمر ايباك، كبرى منظمات اللوبي الصهيوني في أميركا. فالرئيس أوباما حاول في خطابه من وزارة الخارجية إظهار أنه أبو الثورات والانتفاضات العربية، مقدما كلاما إنشائيا حول القضية الفلسطينية إذ لم يأت على ذكر أي من القرارات الدولية ذات الصلة كالقرار 242 والقرار 194 وغيرهما، ثم ذهب إلى ايباك ليؤكد حرص إدارته على مصالح الكيان الصهيوني الغاصب وعلى قبوله الدولة اليهودية وتنصله من وعوده بقيام دولة فلسطينية على حدود العام 1967. وهذا إن دل على شيء إنما يدل على فشل أوباما نفسه وفشل الذين راهنوا عليه لا سيما بعد خطابه في القاهرة، متوقعين أنه سوف يكون مناقضا للرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش وإدارة المحافظين الجدد…

في خطابه الأول تحدث السيد اوباما عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، فكان السؤال لماذا دعم ولآخر لحظة حليفيه بن علي ومبارك؟ ثم لماذا لا تنطبق مقولة تقرير المصير على الشعب الفلسطيني الذي خرج في ذكرى النكبة مطالبا بالعودة إلى أرضه المغتصبة منذ العام 1948؟ وهل حق المصير يُقبل في مكان ويُرفض في مكان آخر؟

واوباما جعل من نفسه "أبو الثورات العربية" التي من أسباب قيامها تبعية الرؤساء المخلوعين العمياء إلى الإدارة الأميركية، فكيف يكون اوباما مع الثورات العربية ضد أصنامه في المنطقة؟. وإذا تحجج أنه استمر في تقديم المعونة الأميركية لمصر والبالغة مليار دولار فقد جاء إقدام المملكة العربية السعودية على دعم مصر بأربعة مليارات دولار ليبين أن الدعم الأميركي سواء توقف أو استمر فلا تأثير فعليا له، مع الإشارة إلى أن المجلس العسكري المصري قبِل المعونة لكنه رفض التوقيع على الشروط الأميركية كما كان يحصل أيام النظام البائد.

وقد قلل اوباما من العداء العربي الشعبي للصهاينة والأميركيين، واعتبر ذلك اختراعات وهمية، فهل اغتصاب فلسطين واحتلال العراق وفرض نماذج اقتصادية واجتماعية على الأنظمة العربية مجرد أوهام أمام المواطن العربي؟ أم أن السيد اوباما يعتبر الانسان العربي بدون مشاعر وأحاسيس وبدون قدرة على استيعاب الأمور وفهمها على حقيقتها؟ فهل يحتاج المواطن العربي إلى كبير ذكاء ليدرك أن الاحتلال الأميركي للعراق أفضى إلى ما يزيد على مليون قتيل وثلاثة ملايين جريح وخمسة ملايين مهجر ومليون يتيم ومعوق؟ هل يحتاج المواطن العربي لتنظير إعلامي ليدرك أن الاحتلال الأميركي أنهى دولة العراق الموحدة وجزأها وهجّر مسيحييها وأقام الحواجز بين عربها وأكرادها؟ هل يعتقد السيد اوباما أن المواطن العربي لم يلمس مقدار عجزه إن لم نقل أكثر من ذلك حين عجز عن ضرب نتنياهو بعرض الحائط عروضه السخية بتجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر فقط؟ أم حين عجز عن تنفيذ وعده الانتخابي بإقفال معتقل غوانتانامو وهو وعد بسيط إذا ما قورن بوعوده بإقامة دولة فلسطينية وحل مسألة الصراع العربي الصهيوني؟ إن ملامح الفشل الأوبامي أكثر من أن تحصى وكل مواطن عربي يدركها تمام الادراك.

لقد ادعى السيد اوباما أنه مع الاصلاحات السياسية والاجتماعية للشعوب، فهل نسي أن الاصلاحات التي سهرت عليها الإدارات الأميركية سابقا من خلال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هي التي أججت الثورات العربية، فهل يطالب اوباما بإصلاحات تكرر التجربة ذاتها؟ هل يقبل الشعب المصري مجددا بسياسة الاقتصاد الراسمالي الوحشي الذي يحوّل الدول والمجتمعات إلى مجمعات استهلاكية ويقضي على أي فرص تنموية وإنمائية؟ هل لعاقل أن يعيد تجربة الاقتصاد الريعي بدل الاقتصاد الانتاجي الذي يقوم على تعزيز الصناعة والزراعة وترشيق الإدارة ومحاربة الفساد؟ وإذا فشل السيد اوباما في إخراج أميركا من أزمتها الاقتصادية، المتجددة ليس في أميركا فحسب بل أيضا في أوروبا، فهل لاقتراحاته الاقتصادية أي فرص بالنجاح في الدول العربية؟

الغريب أن الرئيس اوباما تحدث طويلا عن الحريات السياسية للشعب العربي تجاه أنظمته، لكنه لم يربط بين الحرية الاجتماعية والحرية السياسية، وبين حرية المواطن وحرية الوطن، ففي حديثه عن الحريات السياسية كان حريصا على توجيه الدعم الكامل للكيان الاسرائيلي الغاصب فهل تستقيم حريات سياسية في ظل الاحتلال والاغتصاب؟ وهل لمواطن عربي يرفض ظلم نظامه أن يرضى بظلم الاحتلال والاغتصاب؟.

في أي حال فإن خطاب السيد اوباما أمام الايباك أتى على كل ما جاء في خطابه في وزارة الخارجية، مع أن الفارق الزمني بينهما يومان فقط، ففي خطابه "الايباكي" تحديد صريح وواضح لأسس السياسة الأميركية، القائمة على الدعم المطلق للكيان الغاصب والعمل على توفير كل مقومات القوة الغاشمة لهذا الكيان، لذلك حرص على سوق الاتهامات للمقاومة في لبنان سعيا لمزيد من التمزق الداخلي اللبناني ولمنع قيام حكومة وطنية فيه، وتمهيدا على مايبدو لقرار اتهامي تسعى المحكمة الدولية إلى إصداره على قياس رغبات واشنطن وتل ابيب. وإذا كان تحرير لبنان بقوة المقاومة أولا، ثم بانتصار المقاومة في حرب تموز ثانيا، قد أفضيا إلى حقائق جديدة مفادها أن القوة العسكرية الصهيونية باتت عاجزة عن قهر الإرادة العربية، وهذا ما تجلى في عدم تمكن العدو الصهيوني من تحقيق أهدافه السياسية في عدوانه على غزة وفي خروج الفلسطينيين من الداخل والخارج في يوم النكبة مطالبين بالعودة إلى وطنهم وأرضهم وبيوتهم، فإن الدعم المقصود أميركيا على لسان اوباما يعني عمليا السعي إلى تفتيت المنطقة على أسس دينية وعرقية وطائفية ومذهبية ليكون للدولة اليهودية التي اعلن اوباما التزامه بها حظ من النجاح. وهذا ما تسعى إليه الإدارة الأميركية فعليا من خلال الدخول على خط الانتفاضات العربية لحرفها عن مسارها وتحويلها إلى مسارات تشبه المسار الليبي الذي أدى عمليا إلى تقسيم ليبيا إلى قسمين بعد تقسيم السودان بذريعة الاستفتاء وحق تقرير المصير الذي لا يصح على ما يبدو إلا على الحركات الانفصالية العربية.

لقد راهن بعضهم على تغيير ما، بين نهجيْ بوش واوباما فتبين أن التغيير هو في أسلوب القتل لا في هدف القتل بحد ذاته، وما لم تأخذ الشعوب حقها بأيديها، وهو ما تبشر به ثورة مصر تحديدا، فإن الإدارة الأميركية، أية إدارة أميركية، لن تخرج من عباءة الصهاينة ولن تكون أية إدارة صديقة للعرب أو ساهرة على مصالحهم، سيما وأن السيد اوباما أعلن وبالفم الملآن أن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لا يمسان بالمصالح الأميركية فحسب إنما في الدور الأميركي العالمي وفي وجود أميركا نفسها.

أخيرا إن خطابيْ اوباما لم يتركا مجالا حتى لأصدقاء أميركا وكتّاب المارينز أن يدافعا عن السياسة الأميركية، فهل من يراهن مجددا على الحصان الأميركي؟ الجواب للأسف نعم فهناك نعامات كثيرة في الأمة فضلا عن أتباع وأزلام وأصحاب مصالح، لكن الشعوب يصعب اختزالها بأي من هؤلاء وقد أثبتت الانتفاضات والثورات أن الشعوب أكبر من جلاديها وأقوى من مقيّديها وأبقى بطبيعة الحال من مزوري إرادتها.

السابق
هاشم: ميقاتي استفاد من الأكثرية الجديدة لتحقيق أمله في العودة إلى رئاسة الحكومة
التالي
طيران إسرائيلي يخترق أجواء بيروت وصور