25 أيار: بعد 11 عاماً على تحرير الجنوب من الإحتلال الإسرائيلي ماذا تغيّر؟

 يُصادف اليوم الأربعاء الذكرى الحادية عشرة لعيد المقاومة والتحرير من نير الاحتلال الإسرائيلي، الذي تم في العام 2000 بعد احتلال دام 22 عاماً..
ويحتفل اللبنانيون بهذه المناسبة بكل فخر واعتزاز، حيث سجّلوا فيها على مدى الاحتلال الإسرائيلي أروع صنوف المقاومة والنضال، مما أجبروا العدو أو ما يُسمى وما كان ينطلق عليه «الجيش الذي لا يقهر»، وحملوه أذيال الخيبة والاكراه على الاندحار الى داخل الأراضي الفلسطينية..
ومما يُذكر في هذه المناسبة الصور التي تم فيها الاندحار مخلّفاً وراءه الكثير من العتاد الصالح الذي غنمته المقاومة، بالإضافة الى الملفات الأخرى من أدوات الحرب المدمرة، وهي الظاهرة التي تُسجل لأول مرة في تاريخ العدو الإسرائيلي مندحراً يجر أذيال القهر والهزيمة..
وتحل هذه المناسبة المجيدة في أكثر الظروف تعقيداً وإرباكاً في تاريخ لبنان، بالرغم من الظروف الأخرى التي مرت عليه وصادفته منذ أيام الاحتلال الفرنسي وتحقيق الجلاء والاستقلال، فلبنان يشهد هذه الأيام ظروفاً سياسية قاسية من الانشقاق بين فئاته السياسية لا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى منسرباتها المستقبلية، ومدى تأثيرها على الأوضاع بصورة عامة، أقلها ما يظهر في المدى المنظور من التحديات والمواقف المتنافرة..
وتأتي هذه المناسبة أيضاً في أدق الظروف العربية حراجة، حيث تشهد العديد من الدول العربية، انتفاضات لم تشهد مثلها من قبل، فتثور الشعوب فيها على أوضاعها وأحوالها وأنظمتها، مطالبة بالتغيير وباتباع الوسائل الديمقراطية في الأحكام السياسية، وبتحسين ظروف المعيشة والقضاء على البطالة، وتأمين العيش الحر الكريم، مما يضع لبنان تحت وطأة التأثر والتأثير، أقلها أن لبنان يجد نفسه وحيداً يتخبط في مشاكله بعيداً عما كان يجري من قبل، وكان اعتاد عليه من مساعدات ومعاونة عربية تُساهم وتساعد على حلحلة العقد والمشاكل التي تصيبه ويُعاني منها..

عدم تأليف حكومة
ولعل أخطر ما يصيب لبنان هذه الأيام، وفي ظل هذه المناسبة بالذات أن تطبق على خناقة أزمة عدم تأليف حكومة، في ظل هذا الانقسام الحاد الذي تشهده البلاد، بالرغم من مرور حوالى أربعة أشهر على عقدة الأزمة الحكومية التي تزداد مع الأيام تعقيداً وتأزماً ولا يبدو في الأُفق المنظور منه أي بارقة أمل تبشّر، بل تقود الى أي حل من أجواء الاستقرار، مع أن الآمال كانت محور استقطاب في تأليف حكومة بشكل سريع بعد الظروف التي رافقت استقالة حكومة تصريف الأعمال برئاسة الرئيس سعد الحريري، والمتغيّرات السياسية التي اعتبرت انقلابية، وأدّت الى استقالتها، وذلك على اعتبار أن ذلك أوحى بأن الأمور سوف تسلك طرق التأليف والتوليف، لكن حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر، بالرغم من الحيثيات الظاهرة بين أفرقاء اللون الواحد، حيث أوجدت، بل فرضت الظروف والتغيّرات مدى الحسابات الخاطئة التي تفرض في الشكل العام وقائع متغيّرة لا تبدو فيها صورة الحكومة مظهرة أو سوف تظهر في مدى لا يعرف إلا الله سبحانه وتعالى أفاقه.
ومع الذكرى الحادية عشرة للتحرير يُطرح مجدداً دور عملاء الاحتلال الإسرائيلي، الذين زوّدوه ببنك معلومات استخدم العديد منها في تنفيذ أهدافه العدوانية، وما زال يمتلك الكثير منها حول الجيش اللبناني والقوى الأمنية والمقاومة والفصائل الفلسطينية والقيادات اللبنانية، بعدما أثبتت اعترافات الشبكات العميلة كمّ زوّدوا العدو بالمعلومات، وكشفت إعترافاتهم النقاب عن تنفيذهم للعديد من عمليات الاغتيال والتفجيرات، التي كانت لا توجّه فيها أصابع الإتهام الى العدو، بل أثارت إشكالات وحتى إشتباكات بين القوى اللبنانية أو الفلسطينية، لأن الجاني كان يعرف ماذا يهدف من تنفيذ أهدافٍ محددة..
ولعل العدد الكبير من العملاء الذين تم اكتشافهم بين من أوقف وأُحيلت ملفاته الى المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت برئاسة العميد الركن نزار خليل، أو ما زال فاراً، صدرت بحق بعضهم أحكام إعدام لتزويدهم العدو بمعلومات، وبلغت 7 أحكام إعدام لموقوفين، وأكثر من ذلك لفارين، فيما لا يزال يُحاكم أكثر من 150 متّهماً بالتعامل، وهنا يُطرح تساؤل بعدما تبيّن أن عدداً من هؤلاء العملاء الذين جرى توقيفهم بعد عدوان تموز 2006، كانوا ممن حُكموا سابقاً بتهمة التعامل مع الاحتلال أو الانتساب الى ميليشيا العميل انطوان لحد، قبل فترة تحرير الجنوب، حيث يعتبر بعض المراقبين أن صدور أحكام مخفّضة في تلك الفترة، كانت دافعاً لعودة من باع وطنه وخانه للتعامل مجدداً مع العدو الإسرائيلي.

ذكرى النكبة
كما تأتي أو تحل هذه المناسبة بعد عشرة أيام على حلول الذكرى الثامنة والستين لنكبة فلسطين في الخامس عشر من أيار الجاري، حيث عمت الاحتفالات الفلسطينية، طبعاً بصورة الاحتجاج على الاحتلال الإسرائيلي سواء في داخل الأرض المحتلة في فلسطين أو في الشتات. وكان الطبيعي أن تجري أكثر صور هذه الاحتجاجات والمناوءة لدى فلسطينيي لبنان الذين نظّموا بهذه المناسبة مسيرة الى منطقة مارون الراس الشاهدة على إلحاق الهزيمة بالمحتل الإسرائيلي في عدوان تموز 2006. ثم الوصول الى الشريط الشائك على الحدود اللبنانية – الفلسطينية، هذا وقد تعمّدت قوات الاحتلال الإسرائيلي إطلاق الرصاص الحيّ على هذه التظاهرات، مما أدّى الى سقوط 6 شهداء وأكثر من 120 جريحاً من الفلسطينيين.
وكانت ظاهرة الاحتجاجات ملفتة، حيث تم التركيز فيها على حق عودة الفلسطينيين من الشتات الى أرض فلسطين، وذلك تأكيداً على حق العودة تنفيذاً للقرار الدولي 194، الصادر عن هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 11 كانون الأول 1948، وعلى نية الفلسطينيين ورغبتهم في العودة بعيداً، بل رداً على ما يُشاع عن التوطين في لبنان.
وإذ كان الفلسطينيون في هذه المناسبة، بصرف النُظر عن غيرها من المناسبات قد أكدوا أن فلسطين للفلسطينيين مهما مضى من وقت، ومهما مضى من متغيّرات، وأن لبنان للبنانيين، فإن اللبنانيين يأملون خاصة في هذه المناسبة، التي تجمع وتوحّد ولا يختلف عليها اثنان في لبنان، حيث الاستقلال هو المحك والمرتجى والمبتغى، بل يتطلعون الى أن تكون هذه القاعدة هي الأساس في تعامل السياسيين اللبنانيين بين بعضهم البعض، بهذه الروحية مما يفرض على الجميع أن يتكاتفوا ويتوحّدوا في سبيل لبنان الواحد واستنهاض الواقع سواء السياسي أو الاجتماعي، وخاصة الاقتصادي، الذي يتراجع يوماً بعد آخر، ويهدد بمستقبل لا هدوء فيه لا للاستقرار ولا للانتعاش، وهو ما يتخوّف اللبنانيون منه، ويأملون بعكسه، فهل يدرك السياسيون مجالات الآمال التي يريدها اللبنانيون ويطمحون إليها، خاصة في ظل هذه المناسبات المجيدة والغالية؟!

بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي
في خضم ذكرى النكبة والتحرير، فقد فوجئت الأوساط الفلسطينية والعربية، بل والعالمية بالخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما حول الشرق الأوسط وتناول فيه الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية، وأعلن فيه عن دعم قيام دولة فلسطينية ذات حدود العام 1967، وعلى تماس مع مصر ومع الأردن إزاء اعتراف الفلسطينيين بدولة يهودية، لكن المشكلة أن رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رد بصورة مباشرة على الرئيس الأميركي بأنه لن ينسحب الى حدود الى العام 1967، مما ترك انطباعاً معاكساً لرغبة الرئيس الأميركي، حيث اعتبرت الأوساط الفلسطينية والعربية أن الرئيس أوباما في الخطاب الثاني الذي أعلن فيه تصحيح ما تناوله في الخطاب الأول، تراجعاً منه بالنسبة لموقفه تجاه القضية تحت وطأة التأثيرات الانتخابية الأميركية، وحاجة الرئيس أوباما، الذي قرر الترشح للرئاسة مرة ثانية لدعم وتأييد الأصوات اليهودية في الولايات المتحدة.
وتساءلت هذه الأوساط عما يُـمكن أن يبقى من اقتراحات الرئيس الأميركي حول ما أعلنه إزاء التراجعات، التي بدأت مع بداية الخطاب من الآن وإلى الانتخابات الأميركية؟
ويتوقّع أن يكون الرد على الموقف الأميركي الذي أثبت انحيازه لصالح المحتلّ الإسرائيلي تنفيذ توق بشري في 5 حزيران المقبل، الذكرى الرابعة والأربعين لنكسة حزيران 1967، وذلك بإقامة تحرّك في منطقة مارون الراس وعلى الشريط الحدودي، وفي الجولان والضفة الغربية وغزة ومصر الذي بوشر بتوجيه دعوات لها عبر الـ «فايسبوك» وقد يتكرر فيها المشهد الذي جرى في مارون الراس في جنوب لبنان وفي مجدل شمس في الجولان السوري إن لم يكن أكثر من ذلك لاجتياز الشريط الشائك.
 

السابق
يارين.. صمودٌ قلبه على فلسطين
التالي
فرنجية: الى جانب المقاومة عن قناعة