مقطوع عن الواقع

قالت سارة نتنياهو ذات مرة في حلقة عائلية إن بيبي لو نافس في انتخابات الولايات المتحدة لانتُخب للرئاسة بسهولة. في خلال نزهة في المواقع التاريخية في واشنطن تلا نتنياهو اعلان استقلال امريكا. وفي خطبته أمام مجلسي النواب استعمل كل حيل سياسي امريكي محنك ذلق اللسان استعمالا مؤثرا. إن سعة الهتاف تدل على أن السنين الطويلة التي قضاها في الولايات المتحدة لم تضع هدرا.
برهن رئيس الحكومة على انه لا يشبهه أي اسرائيلي في القدرة على التوقيع على أوتار الشعور الوطني الامريكي، ومشاعر الذنب منذ ايام المحرقة وأكثر من كل ذلك مصالح اعضاء مجلس النواب في الحفاظ على علاقات قريبة بالمنظمات اليهودية. ينبغي لنا ألا نخطيء فقوة التصفيق لم يكن لها ولن يكون علاقة بمصالح اسرائيل الحقيقية.
إن "المخطط"، اذا كان هذا التعريف الملائم لجماع الشروط غير الواقعية التي عرضها نتنياهو أمس في مجلس النواب الامريكي، يرسم خطا مستقيما الى دفن المسيرة السياسية مع الفلسطينيين، والى ازمة دولية والى اعلان الامم المتحدة عن دولة فلسطينية. هذه الشروط تشهد في اسوأ الحالات على جهل نتنياهو بكل ما يتعلق بالاقتراحات التي وضعت على مائدة الفلسطينيين قبل أكثر من عشر سنين. وفي حالة اسوأ منها "التنازلات البعيدة المدى"، التي فُصلت أصولها في الخطبة، تشهد بأن العلاقات بالمستوطنين وشركائه من اليمين المتطرف، إن لم نقل عقيدته نفسها، أهم كثيرا في نظر نتنياهو من مصالح اسرائيل الاستراتيجية ووجودها باعتبارها دولة يهودية وديمقراطية.
لا يذكر "مخطط" نتنياهو ولو رمزا المخطط الذي عرضه الرئيس بيل كلينتون على اسرائيل والفلسطينيين في كانون الاول سنة 2000. إن ضم 250 ألف مستوطن الى دولة اسرائيل ودولة فلسطينية قابلة للبقاء هما الشيء وعكسه. لا يستطيع حتى ساحر مثل نتنياهو أن يجد اراضي فارغة داخل اسرائيل تكون تعويضا عن "الكتل الاستيطانية" التي يريد أن يُبقيها مع اسرائيل.
أعلن نتنياهو أمس بأن القدس لن تُقسم، وكأن صيغ نقل الأحياء الفلسطينية في شرقي المدينة الى فلسطين والترتيبات الخاصة في البلدة القديمة عامة وفي جبل الهيكل خاصة لم تكن سوى مثل. والـ "لا" المطلقة المتعلقة بحل مشكلة اللاجئين في فلسطين تجاهلت تماما صيغة الجامعة العربية في 2002 التي تعرض حلا عادلا متفقا عليه مع اسرائيل للمشكلة على أساس القرار 194.
تكمن دُرة تاج لاءات نتنياهو في التصريح الدراماتي بأن ستة رؤساء حكومات اسرائيليين فيهم هو نفسه فشلوا في محاولتهم التوصل الى تسوية مع الفلسطينيين لرفض هؤلاء الاعتراف بأن اسرائيل دولة يهودية. ويعلم نتنياهو جيدا انه لا يوجد زعيم عربي ولا سيما فلسطيني راغب في الحياة يُخرج من فمه هذه الجملة. فنتنياهو نفسه يستعمل دعوى أن عباس لا يمثل سوى جزء واحد من أبناء شعبه ولهذا لا قيمة لاتفاق معه.
إن خطابة الايام الاخيرة كانت مقطوعة تماما عن الواقع، ولهذا فهناك احتمال ضعيف اذا وجد أصلا لأن تفضي الى تغييره. المفتاح موجود الآن عميقا جدا في جيب الرئيس اوباما. أعلن البطل الامريكي نتنياهو أمس بمواجهة مع الرئيس الامريكي. وسيضطر اوباما الى أن يقرر قريبا هل يرد بحرب ويقدم لنتنياهو حساب رفضه للقبول بالمبدأ الذي لا قيمة لأية خطبة من غيره وهو انشاء دولة فلسطينية على أساس حدود 1967 مع تبادل اراض متفق عليه عادل وواقعي.

السابق
اعطى الحد الاقصى
التالي
من الرافض ومن المهادن