مخاوف وإتهامات: «تمدد شيعي» بين البقاع والجنوب!

مشاريع سكنية عديدة تنتشر على طريق الدلافة – برغز، وصولا إلى القطراني والأحمدية، في قضاء حاصبيا المجاور لقضاء مرجعبون ذي الأكثرية الشيعية. وأصداء عديدة ترتفع مخوّفة ومتخوّفة من “احتلال شيعي” لمناطق مسيحية، ومن “مساعٍ لربط البقاع الغربي بالجنوب”، ومن “سيطرة عسكرية لحزب الله على هذه المنطقة”.

بين ما يشاع وبين الواقع الكثير من علامات التساؤل، وكأنّ الأبعاد الكامنة وراء أي مسعى تجاري أو إستثماري، يجب أن تحمل هموم السياسة وحيلها.
الناظر إليها يرى أراض جرداء خالية من البشر. إذ أنّ طبيعة المعالم الخلابة شوهتها الكسارات “المدعومة” سياسيا، فأكلتها، لشدة سطوتها على هذه الجبال المترافقة مع طريق تصل جنوب البقاع الغربي بجنوب لبنان.
كانت هذه الكسارات محط استثمار تجاري معلن لرجل الأعمال اليشعي المعروف، علي تاج الدين، الجنوبي الذي اشتهر في الفترة الأخيرة، خصوصا بعد شرائه الكثير من أراضي هذه المنطقة، بتقديرات تترواح حول المليوني ألف متر مربع، في بلدات القطراني والسريرة بقضاء جزين، وفي برغز والأحمدية بقضاء حاصبيا، حيث شرع في تنفيذ العديد من المشاريع السكنية، الممتدة على الطريق العام الذي أنجزت تأهيله الهيئة الإيرانية لإعمار لبنان.

يتراوح عدد الشقق السكنية، في ثلاث مشاريع رئيسية منجزة هناك ما بين المئة إلى مئتين، ليصل العدد الإجمالي إلى ما يقارب الخمسمئة عائلة شيعية، أتوا من مختلف قرى الجنوب والبقاع الغربي, شدتهم الأسعار المقبولة والمواصفات الجيدة للشقق.
في بداية المشروع، قبل ثلاث سنوات، كانت الشقة تباع بما يقارب الخمسة عشر الف دولار، لمساحة تقارب المئة متر مربع. حاليا إرتفعت الأسعار فوصل ثمن الشقة إلى ما يقارب الخمسين ألف دولار، لكن ما زالت الأسعار هذه تجذب الكثيرين ممن وجدوا مكانهم في هذه الجرداء المنتشرة.

وهم إذ يؤكدون أن ظروف الحياة صعبة، إلا أنّ الأسعار العقارية هناك تحتمل أمام الأسعار الجنونية للأراضي والشقق في المناطق الأخرى من لبنان.
علي سليمان، من بدنايل، ترك بلدته ليشتري شقتين وعددا من المحلات التجارية على الخط العام في هذا المشروع، وافتتح مطعما وسوبرماركت، وأموره المالية تسير على ما يرام، مع بعض التحديات التي تواجه تعليم أولاده، إذ لا توجد مدرسة تعطي دروسا باللغة الإنجليزية, والجامعة الأقرب إلى المنطقة في صيدا، ولا مواصلات عامة بين المناطق. إضافة إلى عدم وجود مرافق صحية أو مستشفيات قريبة، ما عدا مستوصف نقال يمر كل نهار أحد في هذه البلدات.

وبرغز بلدة مسيحية بامتياز، سكن فيها مؤخرا ما يزيد عن مئة أسرة شيعية. يعيش المسيحيون والشيعة معا من دون تواصل فعال، والأيام تمر من دون مشاكل، كما يقول الأهالي، لكن “كل طائفة منعزلة عن الأخرى”، يقول أحد الوجهاء.
ويبدي رجل كبير السن من آل الحلو الإنزعاج من هذه المشاريع “الشيعية” قائلا: “بدّن يحتلّونا الشيعة”، علما أن عدد الأسر المسيحية المقيمة في البلدة لا يزيد عن ثلاثة، وتلك المقيمة في بيروت لا تزيد عن عشرين.
وفي وقت يتولى القائمقام أمور البلدة بسبب عدم وجود بلدية خاصة بها، فإن معظم الأراضي التي تباع، بكل رضى، من المسيحين أنفسهم، تباع ليس فقط للشيعة بل الدروز أيضا. لكن لا حديث عن “إحتلال درزي”!

هذا التنوع لا يتسبب بمشاكل بين الناس، لكن بعض الأهالي الشيعة متخوّفين من “ردة فعل سلبية من قبل المسيحين، خصوصا بعد بناء حسينية ومسجد قريبا من المشاريع.
لا يرى كثيرون، ممن يقطنون هذه المشاريع، أبعادا سياسية أو عسكرية في الموضوع، ولا تمددا شيعيا. محمد يزبك، من بلدة حوش الرافقة يؤكد أنّ “المشروع تجاري في الدرجة الأولى، والسبب الرئيسي أنّ سعر الأرض منخفض”، ويتابع: “من الجيد أن هذه المشاريع وجدت لتحل أزمة سكنية يعاني منها كثيرون، وخصوصا بعد موجة الإعتداءات على المشاعات”، ثم يكشف عن أنّ أسرا كثيرة ما زالت تنزح باتجاه هذه المناطق.

هكذا تتمدّد هذه المشاريع وتنتشر، وهي من جهة تشكّل حلا لأحزمة البؤس في العاصمة بيروت، ومن جهة أخرى تثير تساؤلات حول التغييرات الديموغرافية، التي ستظهر وتصير حقائق بعد حين من الزمن، كلّ ذلك بسبب مناطق سكنية جديدة ذات طابع مختلف طائفيا.

وفيما يسعى تاج الدين إلى الربح التجاري فقط، بحسب الأهالي، يمكن القول إنّ الإتهامات، عن الأبعاد السياسية التي يقال إنّ حزب الله يقف وراءها، تبدو ضعيفة، إذا عرفنا أنّ معظم القاطنين والمالكين هم من المعتدلين سياسيا.

السابق
مسح العقارات الالزامي: فساد يقلق الأهالي
التالي
النهار: ين عون وميقاتي و”المستقبل” يراها “تعمية”