صراع السلطة بين نجاد وخامنئي.. في انتظار عودة الإمام

يبدو أن شهر العسل بين أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإيرانية، وعلي خامنئي المرشد الأعلى، قد انتهى، وبدأ الصراع على السلطة بين أقوى رجلين في إيران، رغم التقارب الذي كان سائدا بينهما منذ 2005. فما هي أسباب الصراع المكشوف الذي بدأ مؤخرا بين أحمدي نجاد وعلي خامنئي في إيران؟!

نشب الصراع بين الرجلين في 17 أبريل (نيسان) الماضي، عندما طلب نجاد من حيدر مصلحي تقديم استقالته من وزارة الاستخبارات – وهو المنصب الذي شغله مصلحي منذ 2005 – بسبب خلاف وقع بينه وبين إسفنديار مشائي مدير مكتب نجاد. إلا أن خامنئي رفض التخلص من مصلحي المقرب منه، وأصر على بقائه في منصبه. وبدلا من انصياع نجاد لأوامر خامنئي، انقطع عن حضور اجتماعات مجلس الوزراء متحديا سلطة الولي الفقيه الذي يملك الكلمة الأخيرة في النظام الإيراني. وبينما وقف شعب إيران على الحياد في المعركة التي نشبت بين الرجلين، انضم الحرس الثوري ورجال الدين إلى المرشد الأعلى وهاجموا نجاد لخروجه عن طاعته، ووجهوا انتقاداتهم إليه في صلوات المساجد. ثم قام الحرس الثوري باعتقال نحو 25 من رجال أحمدي نجاد، من بينهم اثنان مقربان من رئيس الجمهورية هما إسفنديار رحيم مشائي وعباس أميري – رئيس المجلس الثقافي – اللذان وجهت إليهما تهمة ممارسة أعمال السحر والشعوذة بسبب اشتراكهما في إنتاج فيلم سينمائي يتحدث عن قرب ظهور الإمام الثاني عشر. وكان مشائي – الذي تزوجت ابنته من ابن نجاد – قد تسبب في خلاف سابق بين نجاد وخامنئي في 2009، عندما اختاره نجاد ليكون نائبه الأول في الرئاسة ورفض خامنئي هذا الاختيار. عندئذ انصاع نجاد لأوامر المرشد، إلا أنه عين مشائي مديرا لمكتبه، وكان يعده لخلافته في رئاسة الجمهورية في انتخابات 2013 المقبلة.

وعندما فشل نجاد في الحصول على مساندة الحرس الثوري ورجال الدين، خيره خامنئي بين قبول عودة مصلحي وزيرا للمخابرات أو تقديم استقالته هو من رئاسة الجمهورية. عندئذ اضطر نجاد إلى إنهاء اعتكافه وحضور جلسة الحكومة في الأول من مايو (أيار) الحالي بعد تغيبه عن جلستين سابقتين، وإن ظلت العلاقة متوترة بينه وبين خامنئي. فما الذي جعل نجاد يتحدى سلطة الولي الفقيه الذي كان سنده القوي منذ انتخابه رئيسا في 2005، والذي وقف بجانبه عندما اتهم بتزوير انتخابات الإعادة في 2009؟
يرجع البعض تصرفات نجاد إلى أنه قد أصبح مقتنعا بأن ظهور الإمام صار وشيكا، مما يعني انتهاء دور الولي الفقيه، وهو ما لا يوافقه عليه خامنئي ولا رجال الدين. فمنذ توليه السلطة في 2005 دأب أحمدي نجاد على الحديث عن عودة الإمام الغائب، وعن دوره هو شخصيا في الإعداد لهذا الظهور. وفي خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2005، تحدث نجاد عن الإمام بتفصيل مطول، مما حير الدبلوماسيين الغربيين حول دلالة هذا الحديث المتعلق بآخر الزمان.

والإمام المنتظر الذي يتحدث عنه الرئيس الإيراني هو الإمام الثاني عشر عند الشيعة الإمامية، والذي يعتقدون باختفائه منذ 12 قرنا، وسوف يظهر ثانية عندما تسوء الأمور في آخر الزمان. وتقول اعتقادات الشيعة الاثني عشرية إنه بعد وفاة الحسن بن علي العسكري – الإمام الحادي عشر لديهم – سنة 874، قال أتباعه إن له ابنا صغيرا كان في الخامسة من عمره صار هو الإمام الثاني عشر، لكنه اختفى بعد بضعة أيام من وفاة أبيه في قبو أسفل مسجد العسكري بالسامراء، من دون أن يراه أحد.

ويبدو أن شخصية الإمام الذي يتحدث الرئيس الإيراني عن قرب ظهوره تحمل صفات «سوشيانت» المنتظر الفارسي الذي ساد الاعتقاد بظهوره آخر الزمان للقضاء على الشر بفضل النيران المقدسة. فقد كانت عقيدة الفرس قبل الإسلام تقوم على تعاليم «زورواستر» الذي آمن بوجود قوتين تتحكمان في العالم وتتصارعان بشكل مستمر، هما «أهورا مازدا» إله الخير و«أهريمان» إله الشر. كما تنبأ بحدوث صراع كبير يهدد العالم بأكمله في آخر الزمان ينتصر فيه أتباع الخير عندما يهزم أهورا مازدا خصمه أهريمان في معركة فاصلة. وفي تلك الأيام سيأتي «سوشيانت» لينقذ العالم. ويذهب الفكر الفارسي إلى ضرورة حماية النار المقدسة التي هي رمز لإله الخير، فهي التي ستهزم الشيطان في آخر الزمان. ولما كان ظهور هذا الإمام لا يتحقق إلا إذا سادت الكوارث والحروب أنحاء العالم، فإن الإعداد لظهوره يتطلب نشر الفوضى والخراب إلى جانب إحياء النار المقدسة – التي صارت الآن تتمثل في السلاح النووي.

ومما يؤكد هذا الرأي قيام الرجلين المقربين من أحمدي نجاد – مشائي وأميري – بإنتاج فيلم وثائقي طويل باسم «ظهور إمام الزمان بات وشيكا»، اتهمهما رجال الدين بسببه بالسحر والشعوذة. وتبدأ أحداث الفيلم على أثر موت حاكم عربي ونجاح ثورة إسلامية في مصر واليمن، حيث تعلن إيران عن إسقاط الأنظمة العربية وبدء حكم الإمام المهدي من طهران. كما يتحدث الفيلم عن اقتراب الوقت الذي سيسيطر فيه المسلمون على العالم بفضل قوة إيران وحزب الله اللبناني، وينتهي بظهور أحمدي نجاد وحسن نصر الله وهما يقودان زحف الشعوب الإسلامية على مدينة القدس، وظهور الإمام قبل نهاية الزمان ويوم الحساب، يوم القيامة.

وقد قام الرئيس الإيراني بتوزيع ملايين النسخ من هذا الفيلم مجانا في بلاده، وهو يستعد الآن لإنتاج النسخة العربية ليوزعها في بلدان العرب. ويبدو أن أحمدي نجاد بات يتعلق بفكر عقائدي جعله يتوهم أنه أصبح أقوى من نظام الولي الفقيه الذي عينه في منصبه، والذي لا يشاركه أوهامه التي يعتبرها نوعا من السحر والشعوذة. ويذكرني موقف نجاد هذا بمسرحية «في انتظار غودو» العبثية التي كتبها صامويل بيكيت في منتصف القرن الماضي، والتي تمثل شخصيتين تنتظران طوال حياتهما عودة غودو لإنقاذ العالم، لكن المسرحية تنتهي وغودو لا يعود.

السابق
استقالة أبو دهن من إدارة مستشفى حاصبيا
التالي
عيد المقاومة والتحرير في مليتا