روّاد ‘ة مربوطة’ بلا مكان

"فتحنا بالحرب 2006، وعم نسكّر بالثورة 2011". بهذه العبارة الختامية لرسالة مرفوعة على الزجاج الخارجي لما كان مقهى "ة مربوطة" في الحمرا، ودع المقهى رواده، وسقط ضحية "حرب" من نوع آخر، هي "ثورة" الطفرة العقارية التي لا تترك بقعة الا وترى فيها فرصة استثمار تمحو تاريخ كل ما يعترض دربها.

مساء 30 نيسان الماضي، ودّع رواد "ة مربوطة" مقهاهم، الذي وفر لهم في الأعوام القليلة الماضية مساحة مختلفة في منطقة تنبض أبداً. "ابتعاد" المقهى لا يعود الى أسباب مالية، بل مرده الى بيع المبنى الذي احتل جانباً من طبقته الأولى، والكائن في شارع الحمراء الرئيسي. والى "ة مربوطة" سيفقد المبنى المباع الى متمول من آل بدير، بعضاً من "تراث" الشارع، أهمه فندق "بافيون" الذي "جمع أغراضه ومشى"، الى عدد من المؤسسات المتنوعة، من الشركات الصغيرة ومكاتب المحاماة، الى محال الألبسة والأحذية، وحتى بائع الفول!

كل هذا التنوع الى زوال "مفترض" مع نهاية الشهر الجاري، رغم ان البعض ما زال "يعاند" في البيع، علماً ان الشاري انهى عقود الايجار ويمتنع عن تجديد عقود الاستثمار، ووعد بعدم هدم المبنى بل ترميمه وتغيير طابعه، من دون ان تتبين "نيته" الواضحة تجاهه، خصوصاً بعدما عمد الى شراء أكثر من مبنى في المنطقة في المدة الأخيرة.

أما المقهى فيعد رواده بعودة يصرّ على ان تكون في الحمراء، لكن "الوضع صعب وبعض بدلات الايجار المطلوبة خيالية"، وفق بلال الأمين، أحد الشريكين في المشروع الذي اكتسب سريعاً "شرعية" شبابية ثقافية في قلب شارع يعيش كل ما حوله، من الحروب الى الانتصارات، ومن الخيبات الى الثورات، وآخرها "الاحتفال" في "ة مربوطة" بسقوط الرئيس المصري حسني مبارك!

يتنقل الأمين باحثاً عن مكان جديد "وما نلاحظه ان بعض الطبقات فارغة، لكن البدلات المطلوبة هائلة"، مشدداً على رغبة الشريكين في إعادة المقهى بالحلة التي عرفها الناس "مساحة واسعة تسمح في إقامة النشاطات وعرض الأفلام وغيرها، والأهم المحافظة على المكتبة التي كانت قائمة"، مبرراً الاصرار على العودة الى الحمرا بـ "العلاقات التي نسجناها مع المحيط الجامعي والشبابي، من الادارات التي كانت تنظم نشاطات دورية في المقهى، الى الاساتذة الذين تعاونّا معهم مراراً، الى الطلاب الذين وجدوا في "ة مربوطة" مساحتهم الخاصة وبعضاً من هوية افتقدوها".

حتى تاريخه، ما زال البحث المضني بلا نتيجة، والمرجح ان يستمر "الغياب" الى ما بعد الصيف "فالملاحظ ان بعض بدلات الايجار بدأت بالانخفاض، واذا ما انتظرنا وقتاً اضافياً قد تستمر في التراجع. كما ان حركة رواد المقهى تتراجع خلال الصيف، وعليه يمكن الافادة من مدة الانتظار سعياً الى العثور على مكان رحب بكلفة معقولة"، اذ ان صاحبي المقهى يسعيان الى المحافظة على "تركيبته" التي كانت تنفق أكثر مما تجني: "كثيرون، خصوصاً التجار والملاكين، لا يفهمون ان هدفنا يتجاوز الربح المادي الذي قد يعني تبدل علاقتنا برواد المقهى".

في الرسالة المرفوعة على زجاج المقهى، شكر "ة مربوطة" رواده على "الدعم والاقبال والمشاركة في مشروعنا الصغير"، واعداً اياهم بـ "لقاء قريب في مكان جديد". في خضم الشعارات "الثورية" المرفوعة على الجدران الملونة، مِن "كن مع الثورة" التي أتت إجابتها في تونس، الى طريق فلسطين التي "تمر في ة مربوطة"، تقف الظلمة وحيدة حيث كان الرواد يأتون يومياً الى مكان ألفوه سريعاً، بمكتبته الواسعة رغم مساحتها المتواضعة، وجعّته التي يختلف مذاقها عن مثيلاتها خارجاً، ومقاعده التي تمنح راحة أكثر مما تشي بها. لم ييأس الأمين بعد من العثور على مكان جديد في الحمرا. ربما هم رواد الشارع الذين يئسوا التآلف مع أماكن يطبعونها بذواتهم، ليأتي "وحش" الاستثمار لاحقاً ويسلبهم اياها.

السابق
احتفالات تخريج تلامذة في المدارس
التالي
ذكرى التحرير عبر “المنار”