البناء: هل بدأ تشكيل الحاضن اللبناني للمعارضة السورية؟!

بدت الساحة السياسية الداخلية في الأيام الأخيرة تعيش في مرحلة من الجمود والترقب، بانتظار ما قد يحصل من تطورات على صعيد الوضع العربي، وبالأخص المسار المقبل للقيادة السورية، في ضوء تصاعد الضغوط الأميركية والغربية، وإن كانت سورية قادرة على الخروج من الأزمة التي تمر بها بعد أن استطاعت إسقاط الفصل الأخطر من المؤامرة التي حيكت ضدها في دوائر الاستخبارات الأميركية و»الإسرائيلية» وحلفائها في الغرب والمحيط العربي.
وقد أظهرت تطورات الساعات الماضية على مستوى تشكيل الحكومة أن زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان أعطت فعلها في «فرملة» كل التوقعات عن إمكان إحداث خرق جدي في عملية تشكيل الحكومة بعد أن رفع الدبلوماسي الأميركي وتيرة تدخله في الشؤون الداخلية اللبنانية على مستويات متعددة وفق الآتي:

أولاً: لقد مارس فيلتمان ضغوطاً كبيرة لمنع تشكيل الحكومة من خلال وضع الفيتوات المسبقة على التركيبة الحكومية وعلى بيانها الوزاري، وهو ما أكدته مصادر مطلعة على أجواء ما طرحه فيلتمان خلال بعض لقاءاته
في بيروت لجهة رفضه إعطاء إحدى الوزارات الثلاث: الاتصالات، العدل والداخلية لقوى الثامن من آذار بما في ذلك تكتل التغيير والإصلاح.
ثانياً: إطلاق جماعة «14 آذار» عبر الرئيس فؤاد السنيورة وعوداً للموفد الأميركي بأن «تيار المستقبل» سينزل إلى الشارع إذا جرى تشكيل حكومة وفقاً لرؤية ومطالب قوى الثامن من آذار ومن أسماء تعتبر بالنسبة للأميركي هي اسماء استفزازية.
ثالثاً: إرسال رسائل غير مباشرة إلى بعض المعنيين بأن لبنان قد يتعرض لمشاكل مالية إذا ما شكلت حكومة تعارض المحكمة الدولية وتذهب إلى اتخاذ قرارات أساسية على مستوى بعض المواقع في الدولة.
رابعاً: دفع قوى «14 آذار» الى مزيد من التدخل في الشأن السوري. وكانت أولى نتائج زيارة القائد الفعلي لهذا الفريق إلى بيروت ما طلبه فيلتمان من هذا الفريق التحرك للتحريض ضد سورية بهدف إظهار الساحة اللبنانية وكأنها مع المؤامرة التي تتعرض لها سورية.

مصدر بارز
وأكد مصدر سياسي بارز أن زيارة جيفري فيلتمان إلى لبنان لم تكن متعلقة فقط بالبند اللبناني من الأجندة الأميركية، وإلا لما استغرقت زيارته الوقت الذي استغرقته، ولكان اكتفى بأقل من يوم واحد بلقاءات بعض الرسميين والنائب وليد جنبلاط والرئيس فؤاد السنيورة، لكن الحقيقة، ووفق المصدر نفسه، أن مقر السفارة الأميركية في عوكر شهد اجتماعات مبرمجة لمصرفيين كبار ولأوردة من النخبة المالية والاقتصادية اللبنانية التي طلب منها تطبيق الإجراءات الانتقامية المسمّاة عقوبات ضد سورية.
وعليه يكون الاجتماع الذي عقد أمس لفريق «14 آذار» الخطوة الأولى على المستوى السياسي والاقتصادي في تشكيل حاضنة لبنانية للمعارضة السورية، وهذا أمر خطير يستدعي من المسؤولين اللبنانيين والقوى الحية الفاعلة موقفاً جاداً يضع حداً نهائياً لمحاولات أخذ لبنان إلى الهاوية.
وبرز في الموضوع الحكومي أمس، ما قاله الرئيس نبيه بري أمام بعض الصحافيين عندما سئل: هل تولد الحكومة في الصيف؟ فرد: «معكم حق بهذا السؤال».
وعندما سئل الرئيس بري: هل استسلمتم للواقع؟ فرد: «لا، على العكس، ليس هناك استسلام للأمر الواقع بل هناك مداولات مستمرة ومساعي جادة لتشكيل الحكومة ولكن؟».
أضاف رداً على سؤال: «عرضت موضوع الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس النواب فعارضوا، مع العلم إنه إذا كان المجلس النيابي سرعته 50 كلم في ظل الحكومة العادية، فيفترض أن تكون سرعته 100 كلم في ظل حكومة تصريف أعمال للتعويض عن الفراغ الحاصل».
كما كان لافتاً كلام رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون لجهة قوله إن «الرئيس المكلف نجيب ميقاتي لا يرغب بتشكيل الحكومة ويعيش فترة انتظار»، متهماً إياه بأنه «يريد القيام بمعارك وهمية معه».
وفيما يحتفل لبنان بالذكرى الحادية عشرة لعيد المقاومة والتحرير عمدت قوى «14 آذار» إلى «مد يدها» ولو بطريقة غير مباشرة إلى العدو «الإسرائيلي» من خلال الاجتماع التآمري الذي دعت إليه شخصيات في هذا الفريق وعقد على عجل في أحد المستودعات في سن الفيل، وإلا فما معنى الإصرار على هذا التجمع المشبوه، في وقت يدرك الجميع أن ما تتعرض له سورية هو نتيجة مؤامرة أميركية ـ «إسرائيلية» أعدت منذ فترة طويلة للتأثير في مواقفها القومية الداعمة للمقاومة في لبنان وفلسطين والعراق. كما أن الجميع على معرفة كاملة ـ حتى أعداء سورية ـ أن الذين سقطوا في سورية سببه ما تقوم به المجموعات الإرهابية من اعتداءات وتخريب ضد المواطنين والقوى الأمنية، وهو ما تأكد بوضوح من خلال عشرات المجموعات المسلحة التي جرى توقيفها واعترف أعضاؤها بأن جهات سياسية في الخارج مولتهم وسلحتهم من عبد الحليم خدام إلى بعض أطراف فريق «14 آذار» إلى قوى متآمرة في بعض عواصم الخليج.
وفي موازاة التحرك الذي قامت به قوى «14 آذار» تأكيداً على عدائها لسورية ولكل من يرفع شعار مقاومة الاحتلال «الإسرائيلي» يحتفل لبنان اليوم بذكرى عيد التحرير والمقاومة حيث ينتظر أن يشهد الجنوب أعراساً شعبية بهذه المناسبة، كما يقيم حزب الله مهرجاناً مركزياً عصر اليوم في بلدة النبي شيت حيث سيتحدث خلاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ويتناول فيه معاني هذا اليوم الذي حققت فيه المقاومة أول انتصار عربي في مواجهة الاحتلال «الإسرائيلي» من خلال هزيمة العدو وإجباره على الانسحاب من الجنوب والبقاع الغربي.
وكما اشارت مصادر عليمة إلى أن السيد نصرالله سيعلن في كلمته مواقف مهمة تتعلق بالوضع الإقليمي وتحديداً في ما يتعلق بمراهنات البعض على حصول تغيير في موازين القوى لمصلحة المشروع الأميركي، وتالياً سيؤكد على أمور جديدة تتعلق بالصراع مع «إسرائيل» وتوازن الرعب معها.

حردان
وأمس أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان «أن النهج المقاوم أثبت جدواه بفعل انتصار معادلة المقاومة وخيار المقاومة وهو ما تأكد في التحرير عام 2000 وترسخ أكثر فأكثر في انتصار العام 2006».
ودعا حردان في بيان أصدره لمناسبة عيد المقاومة والتحرير «كل أبناء شعبنا الى الانخراط في نهج المقاومة وتعزيزه كخيار وحيد لا بديل منه لتحرير الأرض وحماية الأمة وسأل: «لو لم تكن المقاومة هي الخيار ولو لم تحمل لواءها هذه الكوكبة من المناضلين الأشداء، ماذا كان المصير؟ ألم يكن لبنان اليوم لا يزال أسير نهج 17 أيار الذي اسقطته المقاومة؟». وأكد أن إرادة شعبنا الفولاذية أبقت قضية فلسطين حية نابضة.
ورأى أن ذلك لا ينفصل عما تتعرض له سورية اليوم من ضغوط ومؤامرات عن استهداف نهج المقاومة في أمتنا، فلو لم تكن سورية بشعبها وقيادتها دولة ممانعة مقاومة، بل حصناً وقلعة للممانعة والمقاومة، هل كانت تستهدف كما هي مستهدفة اليوم؟ لكن سورية أسقطت الاستهداف وتغلبت على المؤامرة، بفعل وعي شعبها وحكمة قيادتها، التي أكدت أن الإصلاح هو مسار قائم ومستمر ومتنام، وهو شأن داخلي بحت هدفه تنمية سورية على كل المستويات، لكن سورية لن تخضع اليوم كما لم تخضع سابقاً لأي شروط أو إملاءات من شأنها النيل من ثوابتها الوطنية والقومية.
والبارز في هذا الإطار أمس كلام رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو والحفاوة التي لقيها في الكونغرس التي تعبر عن حقيقة الموقف الأميركي الذي كان قد أكده أوباما أمام منظمة «إيباك». وقد عبر نتنياهو بوضوح عن رفض التسويات وإصرار «إسرائيل» على التوسع والاستيطان، بل أكد أيضاً على اشتراط ضرب المصالحة بين فتح وحماس لإعادة التفاوض مع محمود عباس وهو أمر يكشف بوضوح زيف الكلام الأميركي عن السعي الى الوصول إلى تسوية، ويؤكد أيضاً أن واشنطن تسعى الى استخدام «الكلام الإنشائي» على مستوى التسوية لاحتواء الثورات العربية في بعض الدول وتحويلها عن مسارها.

اجتماع مشبوه لقوى «14 آذار»
أما على صعيد الوضع في سورية، فإن الأمور طبيعية في معظم المناطق السورية، في ظل إجراءات تقوم بها القوى الأمنية لإنهاء ظاهرة المجموعات الإرهابية التي لا تزال تسعى الى القيام بالاعتداء والتخريب في بعض المناطق كما حصل خلال بعض الاحتجاجات الصغيرة التي حصلت يوم الجمعة الماضي، في وقت تواصل القنوات المعروفة التوجه والتمويل التحريض ضد سورية وإطلاق الأخبار والأكاذيب غير الصحيحة خاصة من جانب «الجزيرة» و«العربية».
وأمس عقدت قيادات وشخصيات في قوى «14 آذار» اجتماعاً في أحد المستودعات في جسر الواطي ـ سن الفيل بعد أن امتنعت إدارات معظم الفنادق عن استقبال هذا اللقاء المشبوه والذي يراد منه التآمر على سورية تحت شعارات زائفة مثل «دعم الشعب السوري».
ولوحظ أن أكثر الحضور ينتمون إلى «تيار المستقبل» و«القوات»، بالإضافة إلى ما يسمى أمانة «14 آذار» حيث لوحظ وجود النواب خالد الضاهر، نهاد المشنوق محمد كبارة ومعين المرعبي وخالد زهرمان والنائب السابق فارس سعيد وآخرين.
وقد خرج المجتمعون ببيان مليء بالحقد والكراهية ضد القيادة السورية وينم عن إرادة مسبقة بالتماهي مع الضغوط الأميركية و»الإسرائيلية» والغربية على سورية ودورها القومي. كما دعا بيان اللقاء الى تدخل الأمم المتحدة والجامعة العربية في الشأن السوري. وحاول البيان تشويه ما حصل على الحدود اللبنانية ـ السورية وإطلاق مزاعم وادعاءات حول تسليح جنود ومدنيين سوريين كانوا قد فروا إلى لبنان».

مراجع سورية لـ«البناء»
وفي هذا السياق، أعربت مراجع سورية كبيرة عن ارتياحها للأجواء العامة في سورية بعد سلسلة التطورات الأخيرة. وقالت هذه المراجع لـ»البناء» أن رزمة إصلاحات جديدة ينوي الرئيس بشار الأسد طرحها على مجلس الشعب السوري في جلسته المقبلة خلال أيام قليلة. وأن هذه الإصلاحات تتناول الشأنين الاداري والاقتصادي تتصدرهما عملية إصلاح إداري في مختلف الإدارات السورية العامة، وخطة تنمية اقتصادية للاستثمارات الصغيرة والمتوسطة. ففي الشأن الإداري، ستباشر المؤسسات المعنية بالتنسيق مع لجنة خاصة تطبيق عملية إصلاح إداري تقوم على تأهيل الجهاز البشري علمياً واعتماد برامج عصرية متبناة أوروبياً في تطوير وإصلاح الإدارات العامة بما يقضي على آفة الفساد ويقدم موظفاً مؤهلاً ومخلصاً للعمل في هذه الإدارات.
أما اقتصادياً، فإن الإصلاحات الجديدة ستلحظ خطة كبيرة لتشجيع المبادرة الفردية، وقد يؤسس مصرف خاص بالاستثمارات سواء كانت صناعية أم تجارية أم سياحية أم زراعية. ويقدم هذا المصرف قروضاً متوسطة وطويلة الأمد لرفع نسبة النمو الاقتصادي مع الاحتفاظ بهامش للتوجيهات العامة وحماية الاقتصاد القومي. ومن جهة ثانية، أكدت هذه المراجع لـ»البناء» بأن القيادة السورية قد تعلن في وقت غير بعيد انتهاء العمليات الأمنية والاستخبارية على كل الأراضي السورية، لأن الثغرات التي حصلت عولجت بشرياً وجغرافياً وحان موعد الانتقال إلى الجزء الثاني من الاستراتيجية الأمنية التي وضعتها القيادة، حيث سيكون الاهتمام منصباً على حماية الإصلاحات من المتضررين والساعين الى ضرب الاستقرار والذين حاولوا تقويض الحكم بارتكاب الجرائم الكبرى بحق المدنيين والعسكريين، وسيفعلون المستحيل لمنع تطبيق الإصلاحات، لكن القيادة جادة وحازمة في مسألة الإصلاح ولن تسمح بأي عرقلة أو تسويف.

الوضع الحكومي في «الثلاجة»
أما على الصعيد الحكومي، فإن الجمود بقي هو المسيطر على حركة الاتصالات والمشاورات، ولا يبدو في الأفق ما يؤشر إلى حصول تطورات إيجابية قريباً بحيث تلاحظ مصادر متابعة أن هناك «قطبة مخفية» تفرض هذا الجمود والتأخير في عملية تشكيل الحكومة وتقول إنه على الرغم من بعض الشروط والشروط المضادة من قبل الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة لكن لا يبدو أن هناك إرادة لإنجاز الطبخة الحكومية وربما هذا الأمر عائد إلى ظروف ومعطيات خارجية أبرزها الضغوط الأميركية المباشرة لمنع تشكيل الحكومة.
لكن مصادر أخرى ذكرت أنه سيصار في اليومين المقبلين إلى القيام بمحاولات جادة لتحسين المناخ المؤاتي للمشاورات والمداولات ومحاولة استكمال طرح المقاربات التي يمكن أن تضع الأمور من جديد على السكة الصحيحة.

عون ينتقد ميقاتي
لكن الأبرز على الصعيد الحكومي أمس ما قاله العماد ميشال عون بعد ترؤسه اجتماع تكتل التغيير والإصلاح حيث أكد أن «لا رغبة لدى رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة ويعيش فترة انتظار»، مشيراً في هذا السياق، إلى أنه «طرحنا طرحين للداخلية، وتنازلنا وأعطينا أسماء وقلنا سابقاً إنه لن يشكلها، وعندما أعطينا الأسماء بات يضع شروطاً أخرى».
واتهم عون بعد اجتماع لـ»التكتل» الأسبوعي في الرابية ميقاتي بأنه يريد القيام بمعارك وهمية معه، ويقول إنه لا يتنازل عن صلاحياته، وساعةً يقول إن عون يطلب وأنا أحدد، وساعةً يقول لا أعلن الوزارة من الرابية. ويبدو أنه يستسيغ هذا الأسلوب بتصاريح من خلال المصادر وهذه المواضيع لا تُكذب، وهذه الأمور لا أساس لها من الصحة، وإذا القضية لتربية شعبية بمعارك وهمية عليه ألا يتناول اسمي». وقال: «ليشكل ميقاتي الحكومة ويعلنها من أي مكان، من طرابلس أو صور أو صيدا».
وأكد عون أن فيلتمان يريد من خلال زيارته فرض سياسة إدارته علينا ويريد تشكيل حكومة تسير مع السياسة الأميركية التي هي ضدنا، وفي سورية يعترض على أعمال عنف ضد مسلحين، بينما لم نسمع صوت أميركا بشأن ما حصل على الحدود وإطلاق «إسرائيل» النار على ناس كانوا ينظرون إلى أرضهم».

السابق
السفير: هل يحدد نصر الله اليوم سبل مواجهة محاولات إعادة إحياء مشروع الشرق الأوسط الجديد؟
التالي
الجيش الإسرائيلي يرفع درجة استنفاره على الحدود