إسرائيل والمستوطنات: الضم المعاكس

دورة الكنيست (الشتوية) تمخضت عن وابل من القوانين والمبادرات التي سعت – سرا أو علنا – إلى دفع أهداف غير ديموقراطية بتاتاً. وقد شملت هذه القوانين والتشريعات: "قانون النكبة"، و"قانون لجان القبول"، و"قانون المقاطعة"، وتعديل قانون المواطنة، والمبادرة للتحقيق مع المنظمات اليسارية والأكاديمية، وغيرها من القوانين والتشريعات.

ولعل ما يسترعي الانتباه في هذا السياق هو أن المبادرين إلى طرح مشاريع القوانين هذه ولجان التحقيق، وعلى رأسهم أعضاء الكنيست من كتلتي "إسرائيل بيتنا" و"الاتحاد الوطني"، أو زعماء منظمات مثل "إم ترتسو" و"معهد الإستراتيجيا الصهيونية"، يعيشون منذ سنوات طويلة في منطقة محتلة. وقد أدرك هؤلاء كما يبدو أن أكثرية الشعب في إسرائيل غير معنية بضم "المناطق"، وغير معنية بدولة ثنائية القومية ستنبثق عن مثل هذه الخطوة (أي عن ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة)، وهو ما ترفضه أيضا أكثرية الشعب الفلسطيني.

ويبدو أن قلائل فقط قد انتبهوا إلى الجغرافيا السياسية الجديدة التي تتكشف هنا، فالغالبية العظمى من المبادرين الى هذه القوانين والتحقيقات هي مستوطنون يريدون أن يفرضوا على شعب إسرائيل بأكمله مبادئ وأنماط الحياة في الضفة الغربية، والتي تستند كما هو معلوم إلى قوانين "منفصلة وغير متساوية" لليهود والعرب، بخلاف تام للقانون الدولي. وهكذا فإنه عوضا عن أن تقوم إسرائيل بضم "المناطق" فإن المناطق "المهودة" تقوم بضم الدولة إليها. يتشدقون بالصهيونية نظريا، ويعملون فعليا على تحقيق هدف الضم المعاكس.

لنأخذ مثلا "قانون المقاطعة" الذي يحظر الدعوة إلى مقاطعة مؤسسات وهيئات إسرائيلية، علما أن تعريف "إسرائيلية" أو "إسرائيلي" يشمل هنا أيضا جميع "المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيلية". إن هذا القانون يضم قانونيا، وليس واقعيا وحسب كما جرى في الماضي، إسرائيل إلى المستوطنات. كذلك فإن التعديل الأخير لقانون المواطنة، والذي يفرض عقوبات مشددة على من يساعد في نقل مناطق أو أراض من إسرائيل إلى دولة خارجية، يربط عمليا (وفق تفسير ممكن) دولة إسرائيل بمناطق المستوطنات.
قانون لجان القبول أيضا يدخل إلى القوانين الإسرائيلية بديهيات "المناطق" إذ سيتولى المستوطنون بموجبه غربلة وانتقاء الذين يريدون السكن في مستوطنات، حتى لو كانت قائمة على أراضي دولة تعود ظاهريا لجميع مواطنيها. وكان تقرير صدر اخيراً عن منظمة "بتسيلم" قد كشف عن أن المستوطنات استولت عمليا على قرابة 50% من أراضي الضفة الغربية، ويبدو أن أنظارها تتجه الآن للاستيلاء والسيطرة على مراكز الإسرائيلية الديموقراطية داخل الخط الأخضر.

غير أن المشكلة المركزية هنا ليست المستوطنين، لأن هؤلاء يشكلون أقلية ضئيلة نسبيا وأيديولوجيا، ومن المنطقي أن تسعى إلى تحقيق أهدافها. إن المشكلة البنيوية هي في النخب السلطوية، العسكرية والاقتصادية، التي تدعم وتشجع دون توقف أو كلل نشاطات وأعمال المستوطنين، والمبادرات والتشريعات القانونية.

فضلا عن ذلك، وربما الأهم من كل ذلك هو أن الغالبية الصامتة في إسرائيل تقبل دون اكتراث عملية الضم المعاكس.
فهل ستواصل الغالبية الإسرائيلية الصامتة السماح للمستوطنين بضم الدولة إليهم وتحويلها إلى نظام أبارتهايد؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة، لكن لا تقولوا إن أحدا لم يحذركم من مغبة ذلك!

ترجمة انطوان شلحت – النهار

السابق
الانباء: حزب الله يعلن التدبير رقم 3 استعداداً ليوم التحرير
التالي
احتفالات تخريج تلامذة في المدارس