نفايات صيدا والجوار: قفل المكب لا يحل الأزمة!

تعد صيدا عاصمة الجنوب إحدى كبرى المدن الساحلية، ويسكنها نحو 350 ألف نسمة، لكنها تعاني حتى يومنا مشكلة انسانية بيئية سببها "جبل" النفايات الرابض في جنوب المدينة، الذي تتفاقم أخطاره الصحية والاقتصادية والبيئية، يوماً تلو الآخر.
أنشىء هذا الجبل في أوائل ثمانيات القرن الماضي للتخلص من نفايات المدينة وضواحيها، ليبلغ حجمه الحالي مليون متر مكعب، ومعظم النفايات المتراكمة فيه ناتجة من مخلفات المنازل، والحطام وبقايا البناء، والنفايات الزراعية بما فيها المبيدات الكيميائية، والنفايات الصناعية التي تحتوي على مواد كيميائية، من دون ان ننسى نفايات المستشفيات.

ونظراً الى عدم مراقبة النفايات التي يتم رميها في المكب، فإنه يحتوي على مواد سامة تضر الانسان والأرض والثروة البحرية والمائية، ومنها النيترات والامونيا والكلور والمعادن الثقيلة، التي تؤدي الى تلوث مياه الشرب في حال وصولها الى الآبار الجوفية. كما ان جيوب الميثان الصغيرة تتشكل في الطبقات السفلية والداخلية للمكب، ومع تراكم النفايات يرتفع مستوى الضغط على هذه الجيوب، مما يؤدي الى "خروجها" وتفاعلها مع الهواء، الأمر الذي تسبب مراراً بحرائق صعُبَت السيطرة عليها.
أصبح المكب مصدراً خطراً لانبعاث مواد الديوكسين والفوران… فما هي آثاره على المدينة وأهلها؟ على الصعيد الإجتماعي والإقتصادي، يقع المكب على الواجهة البحرية الجنوبية للمدينة، وتجاوره مناطق سكنية تتراجع قيمة العقارات القائمة فيها. كما ان المواقع السياحية القريبة تخسر السياح المحتملين.

أما على الصعيد الصحي، فإن "التواصل" القائم بين المكب والبحر يزيد احتمال وصول المواد الكيميائية الى مياه الآبار الجوفية، كما ان الغازات المنبعثة تتسبب بحرائق تصعب السيطرة عليها، ولانبعاثاته آثار سلبية جمة على الأولاد والكبار في السن، كما يمكن ان تكون السبب للكثير من الأمراض.

ثم إن الموقع غير المدروس للمكب يترك أثراً مضاعفاً على الصعيد البيئي، والمشكلة التي أنشىء المكب أساساً لحلها (التخلص من النفايات الصلبة)، باتت أزمات متعددة، تشمل تلوث البحر والهواء والمياه الجوفية.

المسؤولية والحلول

لا ترمى مسؤولية المكب على جهة واحدة، فحاملوها كثر، منهم وزارتا الأشغال العامة والبيئة، ومجلس الانماء والاعمار، وبلدية صيدا. أما الحل فيأتي متأخراً كما اعتدنا، اذ تم التوافق عام 2005 على اعتماد سياسة واضحة لحل مشكلة النفايات في صيدا، تعاوناً بين وزارة البيئة والبلدية، لكن ترجمتها الفعلية لم تبدأ قبل السنة الجارية، اذ أقفل المكب وأنشىء مصنع لحرق النفايات وإعادة تدويرها، كما اعتمد الطمر كأحد الحلول لمشكلة النفايات.
لكن هل سأل المعنيون عن وضع صيدا والجوار بعد قفل المكب؟ الأكيد لا، فالواقع الحالي مكبّل ببلديات غير مهيأة، تفتقر الى الامكانات المادية اللازمة لمواجهة الأزمة الراهنة، وما من دراسة توجهها. كالعادة، أتت الحلول عشوائية ومرحلية في مواجهة أزمات تتفاقم منذ سنين.
تعم الفوضى حالياً كل المناطق المجاورة لصيدا. النفايات متراكمة في المستوعبات وحولها، مكبات متناثرة في كل مكان، مصالح سياسية ضيقة وعودة للسياسات البدائية. الحل أيها المعنيون يبدأ أولاً بوضع دراسة استباقية لتفادي الأزمات المستقبلية، ووضع خطة علمية مدروسة تشمل الأزمة بكل جوانبها؛ فحل مشكلة صيدا لا يعني حل مشكلة الجوار!
كفى تجاذبات سياسية، كفى كذب ووعود، فحياة المواطنين على المحك. لا يجوز ان تبقى الأزمة عالقة بين المسؤولين، في حين ان الحلول موجودة ومتوافرة… لكن ما من ترجمة لها على الأرض!

السابق
ماذا بعد 18 أيار…
التالي
ماذا نعلم عن المغاور في لبنان؟