مصر… قيد الاختبار!

باختصار، يجب ألا تشهد المرحلة الانتقالية، من الدكتاتورية إلى الديمقراطية في مصر أي جمود، فالولايات المتحدة ستواجه انتكاسة استراتيجية وأخلاقية من العيار الثقيل في حال قررت إهمال مصر أو تونس أو ليبيا أو البحرين أو سورية، أو التخلي عن هذه البلدان.

في الخطاب الذي ألقاه أوباما في مقر وزارة الخارجية، في 19 مايو، اعتبر الرئيس أن مصر هي بلد أساسي لضمان مستقبل الإصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيمكن أن تحدد مصر، باعتبارها أهم دولة عربية وأكثرها نفوذاً، مسار الانتفاضات الإقليمية وفرص نشر الديمقراطية الليبرالية في العالم الإسلامي، غير أن أعمال العنف ضد الأقباط، والجرائم المتزايدة، والاعتداءات على حدود غزة مع إسرائيل وسفارتها في القاهرة، تثير القلق بشأن نسبة نجاح «الديمقراطية» فيها، وتُعتبر هذه المخاوف مبررة جداً!

لم تصل موجة الديمقراطية بعد إلى مصر.

فقد مرت أكثر من ثلاثة أشهر على سقوط حسني مبارك، ولا تزال مصر دكتاتورية عسكرية، فبناء ثقافة ديمقراطية صحيحة سيستلزم وقتاً من الزمن، وحتى بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المنتظرة في الخريف المقبل، لا يمكن تطبيق الإصلاحات اللازمة في سلك الشرطة وقوى الأمن، أو فرض تغييرات على العلاقات بين الفئات المختلفة، أو التخلي عن مشاعر البغض تجاه إسرائيل، وحتى في أوساط عدد من الديمقراطيين؛ قبل وقت طويل ومن دون الدعم الأميركي.

ما يثير القلق والانزعاج هو عدم وجود أي اختلاف فعلي في طريقة إدارة مصر أو حتى هوية من يديرها خلال هذه المرحلة الانتقالية الحاسمة، فلا يزال معظم عناصر الحرس القديم موجودين في السلطة، كما أن الجيش يعتقل المدنيين، بما في ذلك المحتجين السلميين، ويحاكمهم في المحاكم العسكرية، وكذلك، تخضع وسائل الإعلام للضغوط لامتناعها عن تغطية بعض القضايا التي يعتبرها الجيش حساسة، ويجب أن تتوقف هذه الممارسات جميعها إذا أراد المصريون أن تكون الحملة الانتخابية المقبلة حرة وعادلة، إذ يُعتبر إقرار قانون جديد بشأن حقوق الإنسان، في 19 مايو، خطوة نحو الأمام.

ينتظر عدد كبير من الناس في مصر وخارجها الانتخابات المقبلة بترقب وقلق شديدين، فهم يخشون أن يحقق «الإخوان المسلمون» وغيرهم من المتطرفين الفوز في الانتخابات نظراً إلى مستوى تنظيمهم العالي، وقد أجاب الرئيس أوباما، خلال الخطاب الذي ألقاه في وزارة الخارجية، عن سؤال طُرح تزامناً مع عدد كبير من الانتفاضات في العالم العربي، ويتعلق ذلك السؤال بما إذا كانت الولايات المتحدة ستقبل بنتائج الانتخابات الديمقراطية حتى لو كان الفائزون مختلفين عن القادة العلمانيين الذين اعتمدت عليهم في السابق، فقال الرئيس إن الديمقراطيين هم الذين يفوزون ويحكمون وفق قوانين النظام الديمقراطي، لا الحكام الذين «يقمعون حقوق الآخرين ويحتفظون بالسلطة عن طريق القمع»، وتابع قائلاً إن الولايات المتحدة ستعمل مع «جميع الذين يتبنون نزعة ديمقراطية صادقة وشاملة».

الرئيس محق في كلامه، فمن الضروري أن نميز بين مظاهر الإسلام في مجتمع ديمقراطي من جهة والسلوك المناهض للديمقراطية من جهة أخرى، ففي تركيا مثلاً، يتولى حزب له جذور إسلامية الحكم، وقد أشار استطلاع رأي أُجري فيها، عام 2006، إلى أن عدد النساء المحجبات تراجع فعلياً على الرغم من الفكرة السائدة التي تقول بارتفاع عدد المحجبات.

وربما يعود ذلك إلى ارتفاع عدد النساء العاملات أو اللواتي يزاولن نشاطات أخرى، وهو مؤشر صريح على اتساع هامش حرية النساء، كذلك، لا يجب الشعور بالقلق بسبب إعلان عبدالمنعم أبو الفتوح- عضو في جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر- ترشّحه للرئاسة كعضو مستقل. تجدر الإشارة إلى أن المصريين يعتبرونه رجلاً تقدمياً، ويكشف ترشحه عن احتمال حصول اضطرابات جديدة وإعادة اصطفاف داخل الأوساط السياسية المصرية والجماعات الإسلامية، وهي أمور كانت مستحيلة في عهد النظام القديم.

باختصار، يجب ألا تشهد المرحلة الانتقالية، من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، في مصر أي جمود، فالولايات المتحدة ستواجه انتكاسة استراتيجية وأخلاقية من العيار الثقيل في حال قررت إهمال مصر أو تونس أو ليبيا أو البحرين أو سورية أو التخلي عن هذه البلدان، ولهذا السبب، تحتاج واشنطن من سفيرها الجديد إلى إعادة ضبط العلاقات الأميركية مع القاهرة والتأكد من حُسن استعمال المساعدات الديمقراطية، من دون أي تدخل من الحكومة العسكرية المصرية.

على صعيد آخر، أعلن الرئيس الأميركي في خطابه عن المبادرات الاقتصادية والتجارية، والاستثمارات، والإعفاءات من الديون، للمساعدة على قيام «مصر الديمقراطية»، لكن، ولضمان نشوء وطن مصري ديمقراطي فعلاً، لابد من بذل جهود أكبر من جانب المصريين والأميركيين على حد سواء، فلا وقت يضيعه أيٌّ من الطرفين!

السابق
العمالة المتكتلة
التالي
مجمّع رياضي في كفرا