الحسابات الانتخابية الأميركية عند مفترق أمن إسرائيل

لا يشكل تراجع الرئيس الاميركي باراك اوباما في خطابه امام مؤتمر اللجنة الاميركية الاسرائيلية " ايباك" التي تمثل اللوبي المؤيد لاسرائيل في واشنطن عما قاله في خطابه حول السياسة الاميركية ازاء المنطقة حول حدود 1967 امرا جديدا دخيلا على بروتوكول التعاطي الاميركي مع اسرائيل عموما وبروتوكول تعاطي هذه الادارة تحديدا معها ايضا. اذ انها ليست المرة الاولى التي يتراجع فيها اوباما بالذات امام الضغوط الاسرائيلية بعدما شكل موقفه قبل ذلك من ضرورة وقف اسرائيل بناء المستوطنات وربط استئناف المفاوضات بذلك ضربة قاصمة الى خطته السعي الى ايجاد حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي في ولايته الرئاسية الاولى. فساهم في تصليب موقف السلطة الفلسطينية من دون ان يقدم مخرجا لها حين انسحب هو من مطالبته وقف الاستيطان شرطا ضروريا للمفاوضات.

والتوضيحات التي قدمها اوباما امام " ايباك " بدت مربكة ومحرجة : اذ شاء " بيع " العرب والفلسطينيين وحتى العالم خطوة جديدة تبين انها " صيغة معروفة جدا لدى جميع الذين تعاملوا مع هذه القضية منذ جيل " كما شرح او برر عرضه لصيغة حدود 1967. وهو لم يستطع الصمود على ما اقترحه، على رغم انها صيغة معروفة وقديمة وفق تعبيره، اكثر من 48 ساعة في وجه الحملات الاسرائيلية التي انطلقت ضده مثبتا مرة جديدة مدى هشاشة السياسة الاميركية متى تعلق الامر باسرائيل وعدم قدرة واشنطن على ان تكون عادلة ازاء التعاطي مع شؤون المنطقة. ومع ان التغيير يجتاح العالم العربي وقررت الولايات المتحدة الاعلان عن سياسة جديدة تتوافق وموجة التغيير الحاصلة مبنية على دعم الشعوب وحقوقها، فان هذا التغيير وفق صيغة الاعلان عن السياسة الاميركية في الخطاب الاول في 19 الجاري والتراجع عنه او تصحيحه في الخطاب الثاني امام " ايباك" يخشى ان يشكل رسالة اميركية مكررة الى الشعوب العربية "المنتفضة" وليس الى الانظمة هذه المرة حول ثبات المحور الاسرائيلي على قديمه في اي سياسة اميركية ايا كان حجم المتغيرات.

وتقول مصادر مطلعة ان مشكلة اوباما تكمن في ادلائه بموقف تفصيلي يتصل بالوضع الاسرائيلي الفلسطيني عشية انتخابات رئاسية اميركية. ولذلك وفي ظل الحملات الاسرائيلية الاميركية التي بدأت ضده، سارع الى منع تفاقمها مع وضع نصب عينيه المحورين الاساسيين اي حماية امن اسرائيل والانتخابات الرئاسية الاميركية..وعليه فان هذا الخطاب تدرج في شأن ما يعتقد انها التهديدات التي يمكن ان تمس امن اسرائيل وفق الاتي:
– انه قد اسيء تفسير كلامه عن حدود 1967 وانه قصد ان يتم التفاوض على حدود مختلفة عن تلك التي كانت قائمة في 4 حزيران 1967 متطرقا باسهاب الى ما يعتقد انه يهدد امن اسرائيل اي " الحقائق على الارض مثل النمو الديمغرافي الفلسطيني." فتبادل الاراضي كان حتى الان مقتصرا على معالجة الثغر التي تقضي بمعالجة موضوع المستوطنات وما الى ذلك في حين ان مقاربته لحدود 1967 تطرح تبادلا جديدا للاراضي بما يضمن حماية امن اسرائيل. اذ ان التقدم التقني لن يكفي لحماية اسرائيل من دون سلام " كما قال.

– ان ادارته ستتصدى "لتنظيمات مثل "حزب الله" الذي اتهمه بممارسة "الاغتيال السياسي ويسعى الى فرض ارادته عبر الصواريخ والسيارات المفخخة ". وهذا الموقف تعتبره المصادر المعنية ربطا بامن اسرائيل في الدرجة الاولى من خلال ما يشكله الحزب بمنظومة اسلحته من خطر وتهديد لهذا الامن. لكن اخرين رأؤه مرتبطا بموضوع المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري باعتبار ان عنصر الاغتيال جديد على التصنيف المعتمد اميركيا ازاء الحزب، ويسعى عبره اوباما الى افقاد الحزب ما يتمتع به من "شرعية" ضد اسرائيل في مقابل فقدانه الغطاء اللبناني الشرعي الداعم. وتاليا فان هذا الامر مرتبط في الاساس بموضوع تأكيد التزام اوباما امن اسرائيل وحمايتها، كما هو مرتبط بما يشكله هذا الحزب من ثقل على الواقع اللبناني في موضوع اتهامه بالاغتيال السياسي. وتاليا فان ترجمة او تسييل هذا الموقف في المعطيات الداخلية اللبنانية في ظل العجز عن تأليف الحكومة يمكن ان يفسر بوضع اطر لما يمكن ان يكون عليه الوضع في لبنان في ظل حكومة يسيطر عليها " حزب الله". ولذلك يسعى الموقف الاميركي الى ترتيب مسؤولية اكبر على كل من الرئيس ميشال سليمان والرئيس نجيب ميقاتي للخروج بتشكيلة حكومية مقبولة باعتبار ان تشكيل الحكومة والتوقيع على مراسيمها امر من صلاحية سليمان وميقاتي.

– تأكيد الرئيس الاميركي تصميم واشنطن على التصدي للبرنامج النووي الايراني. وهي اشارة طمأنة الى اسرائيل الى ان الولايات المتحدة لم تتغير سياستها ازاء الملف النووي الايراني ولا ازاء المقاربة التي تعتمدها. وعلى اي حال فان العقوبات الجديدة التي اتخذها الاتحاد الاوروبي الاثنين في 23 الجاري على ايران تثبت استمرار المقاربة الدولية نفسها لموضوع الملف النووي الايراني.

وفي الاطار نفسه فان انتقاد اوباما المصالحة الفلسطينية من باب عدم اعتراف حركة "حماس" باسرائيل وفي اطار رفض أميركا توجه السلطة الفلسطينية الى الامم المتحدة في ايلول المقبل من اجل الحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية يندرج ايضا من ضمن الاعتراض على عزل اسرائيل واحراجها.

السابق
فلكلور لبناني وفلسطيني في صور
التالي
ماذا بعد 18 أيار…