البناء: فيلتمان يفتتح غرفة عمليات أميركية ـ لبنانية سرية لمواكبة الأحداث السورية

فيما تبدو المنطقة بأسرها حبلى بأحداث كبرى، يبدو لبنان فاقدا للمناعة يتحول تدريجا من نقطة قوة قادرة على جذب المؤثرات الإيجابية وتلقي تردداتها، إلى نقطة عجز تصب وتتقاطع عندها نقاط الضعف في الجسد العربي، واللحظة النموذجية لقراءة هذا العجز باتت بالتوقف التفصيلي أمام آلية تدمير وتآكل ذاتية عكستها تجربة ولادة الأكثرية النيابية الجديدة، التي نجحت في ذروة الصعود في مناخ الثورات العربية إلى الظهور للعلن كمدخل لتغييرات هيكلية طموحة في النظام السياسي، عبر تشكيل حكومة قادرة على تبني برنامج سياسي اقتصادي إنقاذي، يبدأ من اعتماد قانون قائم على التمثيل النسبي للانتخابات النيابية ويصل إلى بلورة آلية هادئة ومتدرجة لتنظيم الفوضى والانفلاش في الطائفية السياسية، تمهيدا للانخراط في برنامج وطني شامل لتجاوزها، بالاستناد إلى حراك شبابي متصاعد داع لإلغائها حملته الثورات العربية إلى حيز الوجود، ويبدو اليوم في طور التلاشي.

وفي لحظة تعثر الثورات في اليمن وليبيا، وبدء تحولها منصات للحرب الأهلية والتدخلات الأجنبية، ودخولها الالتفاف النموذجي في سورية، حيث المشهد أقرب ما يكون إلى الثورة المضادة والتمرد المسلح والمنظم، المدعوم خارجيا بصورة فاضحة، في سياق مبرمج لتحويل الفوران الشبابي في المنطقة إلى قوة تدمير ذاتية، تأخذ في طريقها أهم إنجازات العقد الماضي، المتمثلة بإفشال المشروع الأميركي في المنطقة وتحقيق النصر التاريخي للمقاومة في لبنان والصمود الأسطوري للمقاومة في فلسطين، عبر كسر الموقع الحاضن المركزي الذي مثلته سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد لتحقيق كل هذه الإنجازات، يجري ذلك بالاستناد إلى إعادة تموضع إستراتيجية شهدتها أدوار إقليمية صعدت على كتف الصعود السوري وإنجازات قوى المقاومة وخصوصا في حالة كل من تركيا وقطر. في هذه اللحظة بدا لبنان ينحدر من موقع الرهان على الإنجاز، إلى التقدم تدريجا إلى موقع السعي للصمود، وصولا إلى تآكل ما سمي إنجاز تشكل الأكثرية الجديدة، وتحول الرصيد الذي وجدته بين أيديها إلى عبء فجأة لا تعرف ماذا تفعل به، فلا هي قادرة على صرفه إلى تشكيلة حكومية توفر الحد الأدنى من مقومات إدارة شؤون البلاد، بدلا من تحقيق أهداف اكثر طموحا، ولا هي قادرة على التحرر منه والعودة إلى المربع الأول، في لحظة تبلور معطيات تنذر بنشوء أكثرية بديلة تنتقل معها القوى التي شكلت ركيزة المشروع الأميركي إلى حالة الهجوم.

بات واضحا أن الشلل الذي أصاب الأكثرية الجديدة معقود على تبدل الموازين الإقليمية، وبدا أن حلف الاكثرية الجديدة محكوم بمعادلة قوامها، الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية يضعان دفتر شروط يشترط حصصاً وازنة في تشكيل الحكومة، في مقابل سعي التيار الوطني الحر بزعامة العماد ميشال عون إلى جعل فرصة الحكومة الجديدة مدخلا لحسم الصراع على الزعامة المسيحية، بينما تتوزع قوة كل من حزب الله وحركة أمل على منع انفراط عقد هذه الأكثرية بحملة علاقات عامة وتدوير زوايا، لم تفلح ولا يبدو أنها ستفلح في تجاوز هذا التجاذب البنيوي، وفي ظل فيتو يضعه النائب وليد جنبلاط على أي تفكير ببديل عن الرئيس المكلف لتدخل التشكيلة الحكومية غرفة الموت السريري، حيث مصيرها مرهون بشبه استحالة ما يسمى تفاهم الجنرالين، من جهة، وحقيقة تحالف الرئيسين من جهة ثانية، والذكاء الذي يستمده وليد جنبلاط لمثل هذه الحالات ومن كل الجهات.توقيت زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية إلى بيروت لم يكن منفصلا عن هذا السياق، كما تؤكد المصادر المطلعة على تفاصيل هذه الزيارة، فتشير المصادر إلى أن فيلتمان حرص في زيارته وتوقيتها على أن يحقق ثلاثة أهداف :

أولا: ما تضمنته اجتماعاته مع كل من الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي، حيث كان التركيز على التحذير الأميركي الواضح من مخاطر تكرار الحشود الفلسطينية واللبنانية على الحدود مع فلسطين المحتلة، وهنا حمل فيلتمان ما اسماه عدم اللعب مع النار «الإسرائيلية» التي يمكن أن تنفجر في أي وقت، إذا تهاون لبنان في تقدير مخاطر هذا الحراك، مشيرا إلى أن عنوان حق العودة يجعل «إسرائيل» أشد توترا في التعامل مع هذه الحشود، مضيفا ان واشنطن لا تستطيع ان تفعل شيئا في حال تدهور الموقف على الحدود، وتنصح بعدم الوثوق بأن كون الحراك مدنيا يعطي لبنان عطفا دوليا، فواشنطن لن تسمح بإدانة «إسرائيل» في المؤسسات الدولية مهما كانت الظروف، خصوصا انها تتهم حزب الله بالوقوف وراء الستار في تحضير هذه التحركات بالتزامن مع ما جرى على الحدود السورية في الجولان المحتل.

ثانيا: ما تضمنه لقاء فيلتمان مع النائب وليد جنبلاط كان جولة أفق في الوضع الإقليمي وخصوصا ما يجري في سورية، واستماعا إلى رأي جنبلاط ومخاوفه من أن السير في زعزعة استقرار النظام في سورية سيحمل مخاطر على وحدة الكيانات السياسية في المنطقة وينشئ حالة من الفوضى تصعب إدارتها، ومن جهة فيلتمان تنويه بموقف جنبلاط الضامن لمنع بعض قوى الأكثرية الجديدة من التفكير بأي خطوة تبديل في المشهد السياسي على مستوى رئاسة الحكومة، خصوصا مع عدم إمكانية الذهاب إلى حكومة تشارك فيها قوى الرابع عشر من آذار، واعتبار المراوحة أفضل ما يمكن فعله في اللحظة الراهنة.

ثالثا: ما تضمنته السهرات الليلية الطويلة مع قيادات قوى الرابع عشر من آذار بما يمكن تسميته إطلاق غرفة عمليات سرية لمتابعة الوضع في سورية، وتقديم كل الدعم السياسي والأمني المتاح لما يسمى بقوى المعارضة السورية، التي لا تستطيع التحرك بحرية في كل من تركيا والعراق والأردن، خوفا من تعامل سوري بالمثل، بينما يقول فيلتمان لقوى الرابع عشر من آذار، أنتم لا تخشون شيئا فسورية تدعم علنا معارضيكم المحليين وتسعى الى تسلمهم السلطة وطريقكم للدفاع عن مكتسباتكم هو إرباك الوضع في سورية، وهذه المرة يمكنكم الاستناد إلى موقف أميركي جدي علني بوجه سورية وقيادتها، والمطلوب ليس كثيرا حسب فيلتمان، فالجوانب اللوجستية لعدد من النشاطات الإعلامية والأمنية والتسليحية والتواصل التقني مع الداخل السوري، ليست أمورا معقدة بالقياس لما ينتظر القوى اللبنانية المناوئة إذا خرجت سورية وحلفاؤها اللبنانيون بقوة أكبر من هذه الأزمة.

لا جديد على صعيد التشكيل
وأمس، بقيت عملية تشكيل الحكومة في مرحلة من الترقب والانتظار بحيث لم يسجل في الساعات الماضية أي جديد على هذا الصعيد يوحي بحلحلة قريبة لهذه الأزمة، على الرغم من قيام رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي مساء أمس بزيارة للرئيس نبيه بري في عين التينة والتباحث معه في المخارج الممكنة لأزمة الحقائب. وأفيد في هذا السياق أن شقيق الرئيس ميقاتي طه ميقاتي الذي رافق الرئيس المكلف في زيارته عين التينة كان قد زار دمشق في الساعات الماضية.

محاولة مكشوفة
في هذا الوقت، اندفعت واشنطن وحلفاؤها الغربيون نحو مزيد من استهداف سورية في محاولة مكشوفة وواضحة للضغط على دمشق من أجل النيل من مواقفها الثابتة المتمثلة بالممانعة ودعم المقاومة التي ثبت بالوقائع والتجربة أنها وحدها كانت السبيل إلى تحقيق الانتصار على العدو «الإسرائيلي» وإرغامه على الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، وهذا هو النموذج اللبناني الذي يعيشه اللبنانيون هذه الأيام في ذكرى عيد التحرير والمقاومة، وينتظر أن يشهد لبنان يوم غد احتفالات واسعة بالذكرى الحادية عشرة لتحرير الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال «الإسرائيلي».

نصرالله
ولهذا تتجه الأنظار إلى ما سيقوله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الاحتفال المركزي الذي سيقام لهذه المناسبة في النبي شيت حيث يتوقع أن يعلن السيد نصرالله مواقف هامة تتعلق بالتطورات الأخيرة بدءاً من تناول مجزرة مسيرة العودة في ذكرى النكبة. كما سيضع النقاط على الحروف بما يتعلق بالاستهداف الأميركي والغربي لسورية وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين وغيرهما حيث سيفند مزاعم الرئيس الأميركي باراك أوباما حول اتهاماته لحزب الله بالاغتيالات السياسية مروراً بما أعلنه الموفد الأميركي إلى بيروت جيفري فيلتمان بما يتعلق بالشروط الأميركية حول التشكيلة الحكومية وضد سورية. كما يتوقع أن يتناول السيد نصرالله الوضع الداخلي اللبناني سواء ما يتعلق بتشكيل الحكومة أو ما يمارسه فريق 14 آذار من تدخل غير مسبوق في الشؤون السورية والتي توّجها هذا الفريق بـ«الندوة» التي دعا إليها اليوم في فندق «أرك أوتيل» في سن الفيل بعدما رفض العشرات من أصحاب الفنادق استضافة هذه الندوة المشبوهة التي لا يمكن وصفها إلا أنها باكورة نتائج زيارة فيلتمان الى بيروت والدور المكشوف الذي قام به في الدعوة الى تحريض حلفائه في قوى 14 آذار عبر اللقاء مع فؤاد السنيورة على مزيد من التدخل في شؤون سورية بل وحتى دعوة السلطة اللبنانية إلى دعم ما تقوم به الإدارة الأميركية من عقوبات ضد سورية.
كما كان لافتاً أمس الموقف المهم الذي صدر عن قائد الجيش العماد جان قهوجي لمناسبة عيد المقاومة والتحرير حيث حذر من محاولات العدو «الإسرائيلي» النيل من وحدة لبنان وإنجازات شعبه وجيشه ومقاومته. كما أكد على رص الصفوف والتمسك بإرادة المقاومة في مواجهة العدو «الإسرائيلي».
وعلى خط موازٍ نجحت الإدارة الأميركية في دفع حلفائها الغربيين الى الانصياع إلى إملاءاتها من خلال خروج اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أمس بقرارات عشوائية ضد سورية، حيث أدرجت اسم الرئيس بشار الأسد على لائحة المشمولين بالعقوبات الأوروبية وحظر دخوله إلى دول الاتحاد، ما يؤكد مرة جديدة أن الدول الغربية تتحرك وفقاً للرغبات الأميركية، وتالياً سعي واشنطن ومعها حلفاؤها الأوروبيون الى ابتزاز سورية وفرض تنازلات عليها في ما يتعلق بالثوابت القومية. وما الحديث عن التعرض للاحتجاجات سوى «قميص عثمان» للتلطي به لممارسة المزيد من الضغوط على القيادة السورية.

مصدر رسمي سوري يرد
وأكدت سورية امس أن العقوبات الأوروبية ليست سوى محاولة لزعزعة أمنها. ونقلت وكالة الانباء السورية «سانا» عن مصدر رسمي أن سورية تستنكر وتدين القرارات التي صدرت عن الاتحاد الأوروبي ضدها وضد شعبها، في وقت تسعى فيه إلى حفظ أمن البلاد والانخراط في حوار وطني شامل يؤدي إلى استكمال خطط الإصلاحات في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وفق البرنامج الزمني الوطني المحدد لها.

المعلّم: سورية بخير
وفي السياق نفسه، أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم ان اميركا هي التي تقود إجراءات العقوبات ضد سورية، وهي التي أوعزت إلى الأوروبيين للقيام بذلك. واذ انتقد الموقفين الفرنسي والبريطاني، قال المعلم في حديث إلى التلفزيون السوري: نحن مع وقف الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لاننا وجدنا فيها إجحافاً للاقتصاد السوري وخاصة في مجال الصناعة.
وتابع المعلم قائلاً: نحن منزعجون من العقوبات لكننا لسنا خائفين منها، بل نحن مطمئنون إلى أن سورية بخير، وأن هذا الاجراء سيضر بمصالح اوروبا كما سيضر بمصالح سورية، التي من المؤكد أنها لن تسكت عن هذه الاجراءات التي تهدف إلى التأثير في القرار السوري، لكن سورية لن تساوم على مبادئها وقرارها المستقل.
وأضاف: ان الشعب السوري يتوحد عندما يشعر بالخطر الخارجي، لذلك نستبعد اي اعمال عدوانية ضد سورية ولسنا قلقين من هذا الاحتمال.
وأشار المعلم إلى ان موقف الرئيس الاميركي باراك اوباما من القضية الفلسطينية يهدف الى استرضاء الجانب الصهيوني وكسب اصوات اليهود في الانتخابات.
واعتبر ان الكيان الصهيوني هو في رأس اولويات الولايات المتحدة وهو بالنسبة إليها اهم من اي دولة عربية.
وسأل: هل لبنان اهم لاميركا من «اسرائيل»؟ كلا، وهي عندما سعت إلى وقف حرب تموز عام 2006 لم تفعل ذلك الا عندما عجزت «اسرائيل» عن اكمال الحرب وارتطمت بالحائط، ولذلك انتقد المعلم المراهنين في لبنان على الاحداث الجارية في سورية.
توقيف مجموعات إرهابية واعترافات لبعض أعضائها
وفي المجال الأمني بث التلفزيون السوري اعترافات عضوي خليتين إرهابيتين مسلحتين ألقي القبض عليهما في مدينتي درعا وبانياس، حيث قال عبد القادر الزير أحد أعضاء المجموعات المسلحة في بانياس «إن الأسلحة كانت عبارة عن بنادق ومسدسات»، مشيراً إلى أن «الأسلحة كانت تأتي لنا عن طريق لبنان، وكان عبد القادر عدرا يذهب إلى الحدود كي يجلبها لأبي علي بياسي، وكنا نقوم بنقلها من الحدود في سيارة هيونداي ونضعها في مستودع أسفل جامع الرحمن».
أما علي زيدان الناصر «أحد أعضاء المجموعات الإرهابية المسلحة في درعا» فقال: «قمنا بإحراق مقر الشرطة والفرقة الحزبية في أنخل».

جنبلاط
إلى ذلك، ناشد رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط في موقفه الأسبوعي لجريدة «الأنباء»، الرئيس السوري بشار الأسد «الذي يملك من الشجاعة الكثير، وقد واجه خلال السنوات القليلة الماضية ضغوطات سياسية هائلة واستطاع أن يخرج سورية من الطوق الذي فرض عليها، أن يبادر بسرعة إلى اتخاذ الخطوات الكفيلة بتحقيق تغيير جذري في مقاربة الوضع الراهن والتحديات التي تعيشها سورية، والذهاب إلى مقاربة جديدة يتم من خلالها استيعاب المطالب المشروعة وتلبيتها للحيلولة دون انزلاق سورية نحو التشرذم والنزف المستمر كما يتمنى كثيرون».
وكشف جنبلاط في حديث إلى «المنار» أن فيلتمان سعى خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان الى تنسيق إصدار قرار دولي ضد سورية في مجلس الأمن، وقال إنه أبلغ فيلتمان ان ذلك لا يفيد «لا العقوبات ولا القرارات الدولية تفيد».

العماد قهوجي
على صعيد آخر، أكد قائد الجيش العماد جان قهوجي لمناسبة عيد المقاومة والتحرير أن العدو «الإسرائيلي» يسعى جاهداً الى استغلال ما تشهده المنطقة العربية لخدمة مخططاته الهادفة إلى زعزعة استقرار المنطقة وبخاصة لبنان تمهيداً للنيل من وحدة وإنجازات شعبه وجيشه ومقاومته.
وتوجه العماد قهوجي الى العسكريين داعياً إياهم إلى رص الصفوف والتمسك بإرادة الصمود والمقاومة، في مواجهة عدو غادر، أقدم بالأمس القريب عمداً على ارتكاب مجزرة بشعة في صفوف الأخوة الفلسطينيين العزّل المطالبين بحق العودة المقدس إلى ديارهم، فيما لا يزال هذا العدو يحتل أجزاءً من ترابنا الوطني، ويمعن في خرق القرار 1701، جواً وبحراً وبراً، ويتحين الفرصة تلو الأخرى للتعويض عن هزائمه في لبنان، والانقضاض على إنجاز التحرير الذي تحتفون به اليوم.

السابق
رحلة للمسنّين الى ” مليتا”
التالي
محادثات العريضي في دمشق