البناء: تحرُّك أكثريّ لمواجهة إملاءات فيلتمان ومعطِّلاته

طغت التطورات الخارجية على المشهد الداخلي الذي بقي في دائرة الجمود والانتظار بسبب مراوحة عملية تشكيل الحكومة، لكن البارز وما كان متوقعاً هو ما أعلنه الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام مؤتمر للجنة أميركية ـ يهودية أمس عن تراجع لبعض الكلام الذي قاله في خطابه الشرق أوسطي الأخير، حيث سارع إلى طلب الرضا «الإسرائيلي»، فأكد دعم الولايات المتحدة الأميركية العسكري المستمر والتزامها بأمن «إسرائيل»، واصفاً هذا الالتزام بأنه صخري وحديدي لا يلوى ولا ينكسر ونابع من القيم المشتركة.

كما تراجع أوباما في حديثه عن التسوية على أساس حدود الـ67، ولفت إلى أن أي جهد في الأمم المتحدة ضد «إسرائيل» هو مرفوض حتماً، منتقداً الاتفاق بين فتح وحماس ومعتبراً أنه يضع العراقيل أمام عملية السلام.هكذا بعد يومين تنكشف حقيقة الموقف الأميركي الذي حاول بعض عرب الاعتدال التقاطه للاستمرار في التنازل والارتهان وضرب حقوق الشعب العربي والفلسطيني.

هذا الموقف هو العنوان الجدي والحقيقي الذي رسم زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السفير جيفري فيلتمان إلى لبنان والتي تندرج في إطار استمرار الضغط من أجل عدم تشكيل الحكومة واستطلاع الموقف في ضوء ما حصل في 15 أيار الجاري في مارون الراس وتالياً الوقوف إلى جانب حلفاء أميركا في لبنان ورفع معنوياتهم.

من هنا، فإن الزيارة غير البريئة التي قام بها فيلتمان إلى بيروت زادت الطين بلة، ولا سيما أن الزائر الأميركي حمل في جعبته الكثير من الشروط الأميركية لفك الحصار المفروض خارجياً حول تأليف الحكومة، وهو بذلك زاد الأمور تعقيداً خصوصاً وأنه كان للمواقف التي أطلقها ارتدادات سلبية من الممكن أن ترخي بظلها على الحراك الحاصل باتجاه ابتداع أفكار جديدة من شأنها أن تفكفك العقد التي تعترض ولادة الحكومة.

ومما لا شك فيه أيضاً أن السفير فيلتمان الذي كانت له اليد الطولى خلال توليه مهام سفارة بلاده في بيروت في انزلاق لبنان باتجاه الانشطار السياسي الذي شل الحياة السياسية منذ ما يقارب الخمسة أعوام، قد هدف من وراء زيارته تحت عنوان شرح موقف الرئيس باراك أوباما من الوضع في الشرق الأوسط، إلى إيصال رسالة أميركية مفادها أن الولايات المتحدة ترفض أن ترى حكومة في لبنان قبل جلاء صورة المشهد الإقليمي وتحديداً الوضع السوري، إلى جانب الرسالة الاعتراضية على ما جرى على تخوم الشريط الشائك الذي يفصل مارون الراس عن فلسطين المحتلة.

وبالرغم من أن البعض قد رأى في زيارة فيلتمان إلى بيروت عودة للاهتمام الأميركي بالوضع اللبناني الذي لم يعد على أجندة البيت الأبيض، فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري قد قرأ الرسالة الأميركية من عنوان الزيارة، وفضّل اللقاء بالسفير السوري علي عبد الكريم علي والموفد الرئاسي الإيراني محمد رضا شيباني على أن يستضيف في مقر الرئاسة الثانية ضيفاً ذا صيت سيئ ساهم إلى حد كبير في إيصال الوضع اللبناني الداخلي إلى ما وصل إليه، وبذلك يكون رئيس المجلس قد بعث برسالة مفادها أن لبنان سيبقى متمسكاً بخيار المقاومة والممانعة وأنه مهما مورست عليه من ضغوط فإنه لن يحيد عن هذا الخيار.

وقد ترجم ذلك أمس رئيس كتلة تيار «المستقبل» خلال جولة صيداوية أشاد فيها بزيارة فيلتمان وقال: إن المسؤول الأميركي أكد الالتزام بالمحكمة الدولية وبسيادة وحرية لبنان.
وكرر الموقف الأميركي المتعلق بدفتر الشروط بالنسبة إلى الحكومة اللبنانية.

لا جديد حكومياً
في هذا الوقت، لم يسجل في المشهد الحكومي بعد مرور ثلاثة أشهر ونصف الشهر على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي اي تطور جديد يوحي بإمكانية حدوث خرق قريب في جدار الأزمة الذي بلغ أعلى مستوياته بحيث يمكن النفاذ من خلاله نحو الشروع في وضع صيغة متوافق عليها من مختلف الأفرقاء تؤدي إلى ولادة الحكومة العتيدة التي طال أمد انتظارها، خصوصاً أن النقاط الخلافية الداخلية ما تزال على حالها في ظل عدم وجود اي مؤشر يدلل على إمكانية أن يتراجع أي من «الجنرالين» المعنيين عن موقفه إن بالنسبة إلى حقيبة الداخلية التي انهار التوافق الذي كاد أن يبصر النور حيالها، أو على صعيد الحصص الوزارية.

وفي موازاة ذلك، لم تتجاوز حركة الأكثرية الجديدة أمس حدود الدعوة إلى الإسراع في تشكيل الحكومة حيث أنه لم يسجّل في الساعات الماضية أي شيء لافت على صعيد المداولات في هذا الموضوع، الأمر الذي يسلط الضوء مرة أخرى على أسبوع جديد علّه يصار إلى تحقيق تقدم جدي باتجاه الولادة.

وتركزت مواقف الأكثرية الجديدة حول الرد على فيلتمان وما حمله في مهمته الجديدة خصوصاً أن التجارب السابقة برهنت المساوئ التي تنتج من مثل هذه الزيارات.
وفي هذا المجال، أشار عضو كتلة حزب الله النائب حسن فضل الله إلى أن فيلتمان ضغط باتجاه العمل لمنع تشكيل الحكومة، لكنه أكد أن تركيبة الحكومة ستكون لبنانية وأن بيانها الوزاري سيعبّر عن المصالح اللبنانية لا الأميركية.
أما رئيس الكتلة النائب محمد رعد فربط بين زيارة فيلتمان وما حصل في مارون الراس.

من جهته، دعا المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل إلى الإسراع في تشكيل حكومة قادرة على إنتاج الثقة بالوطن والمؤسسات.
ويتوقع أن يشهد لبنان مزيداً من الحراك الدبلوماسي لاستطلاع الموقف الراهن خصوصاً في ظل التطورات المتسارعة على غير صعيد.

نصرالله خطيباً
وفي موازاة ذلك، فإن الأنظار تتجه إلى بلدة «النبي شيت» البقاعية حيث سيلقي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خطاباً وصف بالهام في ذكرى التحرير في الخامس والعشرين من الشهر الجاري. وينتظر أن يتضمن كلام السيد نصرالله ما يشبه خارطة طريق للعاملين على خط تأليف الحكومة. كما أنه سيعلن موقفاً صريحاً وواضحاً من زيارة فيلتمان، بالإضافة إلى نظرة الحزب الى التطورات في المنطقة.

زوار دمشق
وعلى صعيد الوضع في سورية، عاد زوار دمشق في الساعات الماضية بتأكيد أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد تطورات إيجابية مهمة على المستويين الإصلاحي والأمني. وقال الزوار إنه يتوقع أن تعلن مجموعة إصلاحات أساسية على المستويات السياسية والإعلامية وفقاً لما كانت أكدت عليه القيادة السورية أخيراً بحيث يتوقع أن يترك الإعلان عن هذه الإصلاحات أصداء إيجابية على الصعيد الداخلي السوري وعلى المستوى الخارجي. كما أشار الزوار إلى توقع حصول تطورات إيجابية تنهي عمليات التخريب والاعتداء التي تقوم بها مجموعات إرهابية، وتالياً قيام القوى الأمنية بإجراءات أساسية على هذا الصعيد.
كما لاحظ زوار دمشق ومدن أخرى في سورية مدى الأكاذيب وعمليات التحريض التي تقوم بها بعض وسائل الإعلام المرتبطة بالمشروع الأميركي بدءاً من «الجزيرة» و»العربية» ووسائل إعلام «14 آذار» من خلال تضخيم بعض التظاهرات المحدودة والتي لم يتجاوز المشاركون في معظمها العشرات وبعضها القليل المئات بما يكشف الدور التآمري لوسائل الإعلام المذكورة وحقدها على الدور القومي الذي تؤديه سورية.
وأمس اعتبرت صحيفة «الوطن» السورية أنه «رغم ما جرى في إدلب وأطراف حمص والبوكمال من عمليات قتل وتخريب وحرق للمنشآت العامة، بقي الهدوء العام هو سيد الموقف في الشارع السوري حيث واصل السوريون حياتهم العادية في المناطق الأخرى من البلاد، وسط تساؤلات عن الجهة المستفيدة من إشعال المناطق المذكورة وخلفياتها وحقيقة أهدافها».
وبحسب الصحيفة عينها، فإن المشهد العام استمر هادئا في البلاد أمس، نافية ما نقلته وكالة أنباء «رويترز»، عن نبأ حدوث تظاهرات في مدينة دوما في ريف دمشق، مؤكدةً أن «الوضع بقي هادئاً في دوما ومحيطها أمس وأول من أمس. وجاء ذلك بينما تحدثت بعض المصادر عن خروج مسيرات تأييد كبيرة بالسيارات في جديدة عرطوز».
ونقلت عن مصادر تأكيدها أن «من قام بأعمال الشغب في إدلب مجموعات قدمت إليها من قرى جبل الزاوية، وقامت بتخريب منشآت عامة في عدد من القرى والبلدات المحيطة بالمدينة بما فيها مخافر الشرطة، وبشكل خاص مقر محكمة أريحا، الأمر الذي ربطته المصادر بوجود خلفيات جنائية لتلك المجموعات التي استهدفت المحكمة»، مشيرة أيضاً إلى أن «منطقة جبل الزاوية تشهد حضوراً قوياً لتجمعات إسلامية، تتبنى «فكراً سلفياً».

السابق
الجمهورية: تايم: إزدهار تجارة السلاح في لبنان
التالي
التعديات على المشاعات جنوباً: مؤامرة بصناعة محلية