… الحكومة وتركيبتها وجدول اعمالها وبيانها الوزاري والتزاماتها الاقليمية والدولية، ازمة سورية ومقاربتها وارتداداتها والحدود معها والنازحون منها، الحدود مع اسرائيل و"توترها" والاحتمالات فوق شريطها الشائك والاستخدام الاقليمي لها، مأزق تكوين السلطة في لبنان والحسابات الخارجية المحيطة به وعلاقته بالازمات العاصفة في المنطقة … هذه العناوين كانت على الطاولة و"تحتها" في اسبوع الملاكمة الاميركية ـ الايرانية في بيروت المترنّحة فوق "برميل البارود" الاقليمي وشظاياه المتطايرة من اكثر من مكان، لا سيما من سورية التي يعيش النظام فيها ما يشبه "صراع البقاء" على وقع الاحتجاجات المتعاظمة وإتساع "بقعة الدم".
ثمة من وصف المجيء "المتزامن" للديبلوماسية الاميركية والايرانية الى بيروت بـ "الحصانين" اللذين يجران العربة اللبنانية في اتجاهين متعاكسين. فجيفري فيلتمان الذي وصل غداة الاطلالة الشرق اوسطية لباراك اوباما حمل لائحة بـ "المسموح والممنوع" في مقاربة "العمّ سام" للملفات الساخنة في بلاد الارز ولما يحوطها في بلاد الشام، في الوقت الذي جاء محمد رضى شيباني الضيف الفارسي الى موقعه المتقدم على المتوسط وفي جيبه هواجس استراتيجية ترتبط بمصير "نصفه الثاني" في المنطقة في ضوء الهزة غير العابرة التي يتعرض لها النظام في سورية والمصاعب التي تواجه حليفه الاقوى في تكريس سلطته في بيروت والمتمثلة بإستمرار حجب حكومة الاكثرية التي يقودها "حزب الله".
اما لبنان الوطن الهش فبدا مسكوناً بالخشية من ضغوط متزايدة على واقعه المأزوم على النحو الذي يحوّل الاحتقان و"النفخ" فيه، إنفجاراً قد يشكل متنفساً بديلاً لأزمات لاهبة في غير مكان. فربما تقرر اسرائيل الهروب الى الامام في مشروع اوباما الجديد للتسوية، وربما تقرر سورية خلط الاوراق بترجمة تحذيرها بأن استقرار اسرائيل من استقرار سورية، وربما ترى ايران في "الخربطة" حاجة لإعادة ترتيب الاولويات في المنطقة عبر مواجهة اكثر حماوة مع اسرائيل والولايات المتحدة . إنه الوعاء العام لمشهد بانورامي تتدافع فيه التفاصيل التي لا حد لها، والتي شكلت "جدول اعمال" الضيفين الاميركي والايراني في بيروت وخلال المناقشات الماراتونية التي شهدتها الأورقة الرسمية والسياسية على حد سواء، وسط إنطباع بأن ما بعد الزيارتين لن يكون كما قبلهما، بعدما تبلغ المعنيون وعن قرب بمقاربتين متناحرتين لمجمل الملفات في لبنان والمنطقة، الامر الذي يتوقع سماعه بـ "مكبرات الصوت" من داخل "المعسكرات" المتصارعة في بيروت.
ما ابلغه فيلتمان لمن التقاهم كان واضحاً، فالولايات المتحدة ستحدد موقفها من الحكومة المقبلة بناء على تركيبتها وبيانها الوزاري والتزاماتها بالقرارات الدولية، لا سيما بالمحكمة الدولية والقرار 1701، وهي قلقة مما جرى على الحدود مع اسرائيل و"ملابساته" المتصلة بالحسابات الاقليمية من جهة و"قبة الباط" من السلطات اللبنانية المعنية، وتالياً فإنها ترى ضرورة في منع اي توتير على حدود الـ 1701، وهي التي تدين العنف في سورية تطالب لبنان الالتزام بالمواثيق الدولية في معاملة النازحين. وما ابلغه شيباني لمن التقاهم كان واضحاً في شرح المقاربة الايرانية لما يجري في المنطقة.
فهو طمأن الى إمكان كسب النظام في سورية الجولة في مواجهة "المؤامرة على دول الممانعة"، عارضاً كـ "ضيف" لثورات المنطقة من تونس ومصر، فليبيا والبحرين واليمن ومحاولة الاميركيين "إلقاء القبض" عليها بالتدخل العسكري، كما هو الحال في ليبيا والبحرين، وبالرشوة كما هو حيال مصر وتونس، اضافة الى اتهام واشنطن ببث النعرات الطائفية والمذهبية، مقدماً "نصائح" بشد أزر الحلفاء في بيروت ومع "دول الممانعة" والاسراع في تشكيل حكومة لإدارة السلطة في لبنان. وإذا كانت قوى "14 آذار" تبلع لسانها حيال التطورات في سورية و"تتوارى" قياداتها تفادياً لـ "تسجيل موقف"، كما هو حال الرئيس سعد الحريري، فإن اشارات توحي بأن قوى "8 آذار" تستعد لهجوم سياسي بدأت ملامحه بخروج "حزب الله" عن صمته عبر كلام "عالي النبرة" لنائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم الذي وصف قوى "14 آذار" بأنها جزء من المشروع الاميركي ـ الاسرائيلي، هكذا وبالمباشر. وثمة من يعتقد ان الهجوم المستجد على قوى "41 آذار" وبهذه الحدة يتجاوز محاولة قوى "8 آذار" الهروب الى الامام للتعمية على العجز الذي ينتابها في تشكيل الحكومة، ويتصل بوقائع اقليمية اكثر مما هي محلية.
مما يشي بأن كلما ازداد الضغط الداخلي والخارجي على النظام في سورية سترتفع النبرة العالية في بيروت.