لماذا غاب لبنان عن خطاب أوباما؟

غاب لبنان عن خطاب الرئيس باراك أوباما، وحضر العالم العربي، "بلداً بلداً وشارعاً شارعاً". مؤلم هذا الغياب والأرجح التغييب عن خطاب يضع مسارات جديدة للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، خارجة من المتغيرات والمعادلات التي أفرزتها وستفرزها "عاصفة الربيع".

الأزمة العاصفة التي تضرب لبنان وتشله وتضعه على حافة الهاوية فعلياً وليس نظرياً، لم تدفع الرئيس الأميركي للالتفات إليه وتخصيص ولو عدة كلمات حوله. في مثل هكذا خطاب رئاسي في وزارة الخارجية أمام صانعي ومنفذي السياسة الخارجية الأميركية، لا يعود للقلب ولغته من مكان. العقل ولغة العقل هما الأساس، لذلك انشغل أوباما بالشعوب العربية التي تصنع تاريخاً جديداً لها، قائماً على شعورها بالكرامة، وبالدول التي لها موقع في صياغة أو تجديد أو إحياء دور لها يمكن أن يبنى عليه ولو بلبنة صغيرة مستقبل منطقة الشرق الأوسط.

الأرجح أن أوباما أغفل لبنان، لأن مفتاح أزمته ليس عنده ولا بين أيدي اللبنانيين، شعور أوباما بأن اللبنانيين هم الذين تخلوا عن دورهم وسلموا "مفاتيح" "صندوق" مشاكلهم وهمومهم للآخرين المتعددين في هوياتهم وأهدافهم ومقايضاتهم، دفعه لتأجيل الحديث عنهم وعن لبنانهم. الأرجح لن يتخلى أوباما ولا أي إدارة أميركية أو أوروبية خصوصاً الفرنسية منها عن لبنان، لكن للأسف وقد أبدى العديد من الرؤساء والزعماء الدوليين ذلك توجد أولويات في المنطقة متى حلت وقامت معادلات حقيقية على ثوابت محددة ومؤطرة، فإن الأزمة اللبنانية تحل. المهم، المحافظة على لبنان ولو في الحد الأدنى من شروط الحياة وبقاء الأمل.

ربما توجد جملة واحدة في خطاب باراك أوباما الطويل تخص لبنان وتعنيه دون الإشارة إليه مباشرة. يقول أوباما: "الديموقراطية لا تعتمد فقط على الانتخابات، ولكنها تعتمد ايضاً على وجود مؤسسات قوية وقابلة للمساءلة والمحاسبة". هذا هو قلب المشكلة اللبنانية، تغييب الدولة وتجفيف مؤسساتها هو الذي يلغيها.

"ما سنعارضه هو أية محاولة من جانب أي فريق لتقييد حقوق الآخرين، وقبضته على السلطة بالإكراه وليس بالموافقة". هذا توصيف كامل وشامل للانقلاب الدستوري المرفوض الذي وقع ضد الرئيس سعد الحريري وحكومته لمصلحة قوى 8 آذار.
واشنطن ـ الأوبامية، يهمها لبنان، مثلها في ذلك مثل أوروبا وتحديداً فرنسا، عملية تحصينه من ارتدادات الثورات في المنطقة، قضية تعنيها. الباقي مؤجل.

يبقى أن التعامل القابل أو الرافض السريع والمتسرع لخطاب أوباما من قبل القوى العربية، يؤكد مرة أخرى اننا "حضارة صوتية"، نسمع ونرد فوراً دون ترك ما للعقل للعقل. الانقسام العمودي والأفقي في العالم العربي يدفع صدور الأحكام فوراً. العرب إما مع أو ضد. أبيض أو أسود. المنطقة الرمادية التي تدفع وتسمح بالعمل على الاجابات الواقعية حتى ولو كانت في النهاية منطلقة من خيارات في المواقف لا عودة عنها، لا وجود لها لدى غالبية الشعوب العربية.

اعلان أوباما أن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون على حدود 1967، يشكل موقفاً متقدماً للولايات المتحدة الأميركية. جذور هذا الموقف القبول بقيام دولة فلسطينية الى جانب إسرائيل. لا يجب مطلقاً الطلب من أوباما الآن أكثر من ذلك. الولايات المتحدة الأميركية منحازة ومتحالفة مع إسرائيل وضامنة لها ولأمنها. يجب أن لا يحلم أحد من العرب ومؤيّدي قضاياهم أن أوباما أو غيره من الرؤساء القادمين لعقود عديدة سينسف هذا الانحياز المؤلم لكل عربي. الواقعية السياسية تقضي بأخذ أقصى ما يمكن من أوباما وغيره من الرؤساء القادمين، وترك الشعب الأميركي "يهضم" بهدوء التطور، قراراً بعد قرار وخطوة بعد خطوة. "ارتباط مصير الولايات المتحدة الأميركية كما قال أوباما بمنطقة الشرق الأوسط بقوى الاقتصاد والأمن، وبالتاريخ والعقيدة". سيفرض مع الزمن إذا أحسن العرب التعامل بذكاء ودراية وحصافة ومن دون عجلة واستعجال تطويرالموقف الأميركي بصياغة آلية التنفيذ.

موقف أوباما من إنشاء دولة فلسطينية أغضب بنيامين نتنياهو ومعظم الإسرائيليين. أيضاً لم يرضَ العرب. المواقف الخارجة من الواقعية السياسية تفرض هكذا نتائج. أمام أوباما فرصة أخرى لتثبيت مواقفه بعد 48 ساعة أمام "ايباك" وبحضور نتنياهو. من المهم جداً أن يسمع نتنياهو هذا الموقف الأوبامي وجهاً لوجه. حتى ولو تمرد كل اليمين الاسرائيلي المهيمن على الحياة السياسية في إسرائيل على طروحات أوباما، فإنه لا يمكنه إلا الانتباه لها ولما عليها وأنها تشكل قفزة جديدة ومهمة لوعد أوباما بالدولة الفلسطينية المشابه لوعد بلفور في 2/11/1917. هذا الوعد قابل للحياة وللتنفيذ لأن وراءه شعب فلسطيني لم ولن يترك قضيته. استشهاد عشرين شاباً وهم مندفعون بعدما رأوا أرضهم، التي لا يعرفونها من لبنان وفي الجولان يشكل تأكيداً موقّعاً بالدم من الفلسطينيين بأنهم سيسترجعون أرضهم، ولو بعد مئة عام. في جميع الأحوال تاريخ الشعوب لا يكتب في يوم وليلة، انه صناعة دائمة مستندة على الإرادات والإيمان.

يبقى أن "ثورات الربيع" دخلت في قلب رسم مسارات السياسة الأميركية باتجاه الوطن العربي. واشنطن لن تتخلى عن مصالحها، لكنها منذ نجاح ثورتي تونس ومصر واخواتهما القادمتين، أصبحت مضطرة إن لم تكن باختيارها الأخذ في الاعتبار لما تريده شعوب المنطقة التي "لم تنل استقلالها في الكثير من مناطقها رغم أن دولها استقلت".

باراك أوباما أقرّ بأنه سيواكب التغيير ولحظته الواعدة اخطار. "ثمن هذه الاخطار"، كبير وقاسياً. الخيار بين الكرامة والاستبداد بطبيعة الحال. الشعوب العربية كل الشعوب، اختارت الحصول على كرامتها حتى ولو ان ثمن هذا الاختيار باهظ من أرواح ودماء الشعوب.
ما يرفع منسوب الأمل أن أوباما يقول "ان أميركا أصبحت تثمن كرامة البائع المتجول في تونس أكثر من القوة الغاشمة لطاغية متسلط".

السابق
اللواء: سليمان يتحفّظ وبري يتوارى وميقاتي قلق وهدية من جنبلاط
التالي
هل يرمّم “حزب الله” ودماء 15 أيار ما انكسر بين «حماس» ودمشق؟