تونس ليست مرتاحة للإسلاميين

اثبت حزب "النهضة" الذي يملك تجربة تنظيمية ممتدة لسنوات، وعضوية واسعة، ويعرف عنه انه كان عدوا لدودا لبن علي طوال عقود، انه افضل جهوزية من اي حزب آخر لملء الفراغ السياسي.

اتُّهِموا بأنهم تخريبيون أو إرهابيون وتحمّلوا الوطأة القمعية لحكم الديكتاتور التونسي، فكان نصيبهم التعذيب أو السجن أو النفي طوال عقدَين.
لكن منذ هروب الديكتاتور زين العابدين بن علي في كانون الثاني الماضي، خرج إسلاميو حزب "النهضة" الذي كان محظوراً في السابق، من الظلمة وعادوا من الخارج وأصبحوا على الأرجح القوّة السياسية الأكثر نفوذاً في تونس بعد الثورة.
على الرغم من التطمينات المتكرّرة حول تسامحهم واعتدالهم، أدّى صعودهم إلى استفحال الشائعات عن التهجّم على النساء غير المحجّبات والفنّانين، ونهب الحانات والمواخير على أيدي بلطجيّة الحزب، وعن مخطّطات لتحويل البلاد خلافة إسلامية. وعلى مشارف محطّة انتخابية أساسية في 24 تموز، تشكّل شعبيّة حزب "النهضة" وقوّته التنظيمية مصدر قلق متعاظم لعدد كبير من الناشطين والسياسيين الذين يتخوّفون من أن تؤدّي الثورة العلمانية في هذه الدولة المعتدلة – الثورة التي أطلقت الربيع العربي – إلى ولادة حكومة إسلامية محافظة.
وتماماً كما حملت الاحتجاجات في تونس تباشير الثورة في القاهرة، ينظر المحلّلون إلى تونس ليستشفّوا منها طلائع التطوّرات الأوسع تأثيراً التي ستقع في مصر حيث يتمتّع "الإخوان المسلمون" بخصائص مشابهة، ويثيرون مخاوف مماثلة.
سأل استراتيجي غاضب في حزب "الوفاق الجمهوري" العلماني "كيف تريدوننا أن نقف في وجه النهضة؟ إنهم مستعدّون لفعل أيّ شيء".
لقد أثبت حزب "النهضة" الذي يملك تجربة تنظيمية ممتدّة لسنوات، وعضوية واسعة، ويُعرَف عنه أنه كان عدواً لدوداً لبن علي طوال عقود، أنه أفضل جهوزيّة من أي حزب آخر – لم يمضِ على وجود معظمها أكثر من بضعة أسابيع – لملء الفراغ السياسي. وقد دعا الاستراتيجي في حزب "الوفاق الجمهوري" إلى تأجيل الانتخابات.
يقول طالباً عدم الكشف عن هويّته خوفاً من تعرّضه لهجمات على أيدي أنصار الحزب "إجراء الانتخابات في 24 تموز يعني إسداء خدمة لحزب النهضة. إنه انتحار". ويضيف أنه بوجود "النهضة" في السلطة "ستصبح البلاد أشبه بإيران".
يقول الحزب إن هذه المخاوف لا تستند إلى أيّ أساس. قال عبدالله زواري، عضو اللجنة التنفيذية في حزب "النهضة" والمتحدّث باسم الحزب "نتطلّع إلى مجتمع حرّ ومنفتح ومعتدل حيث يكون جميع المواطنين متساوين في الحقوق"، مضيفاً أن الحزب طالب بمنح حقوق متساوية للرجال والنساء، وللمسلمين وغير المسلمين.
وعلّق "لا نتّفق مع العلمانيين الذين يريدون إرغام الآخرين على أن يكونوا علمانيين، تماماً كما أنّنا ضد السلفيين الذين يريدون إرغام الآخرين على أن يكونوا مسلمين".
سُجِن زواري – الذي يحمل على جبينه البقعة السوداء التي يسبّبها الانحناء المستمر لأداء الصلاة، وهو أمر شائع لدى المتديّنين – لفترة تزيد عن عقد بسبب انتمائه إلى الحزب.
قال "الشعور الديني لدى الشعب التونسي عميق جداً إلى درجة أن بعض الأشخاص لا يستطيعون أن يفهموا".
تشير الاستطلاعات إلى أن حزب "النهضة" يتمتّع بدعم أوسع من أيّ من الأحزاب السياسية الأخرى المرخَّصة في البلاد والتي يُقارب عددها الستّين. استأنفت صحيفة الحزب الأسبوعية "الفجر" الصدور في نيسان الماضي بعد توقّف استمرّ عشرين عاماً، ويقول المسؤولون في الحزب إنها تبيع الآن 70000 نسخة في الأسبوع.
سوف تسفر الانتخابات في تموز عن جمعيّة توكَل إليها مهمّة إعادة كتابة الدستور. واستعداداً للانتخابات، فتح حزب "النهضة:" عشرات المكاتب المحلّية، ويقال إن الأئمة يروّجون له في المساجد في مختلف أنحاء البلاد.
بيد أن الحزب لا يزال موضع ارتياب وعدم ثقة على نطاق واسع. يقول ابرهيم لطيف، المقدِّم الإذاعي عبر "موزاييك إف إم"، وهي إذاعة واسعة الانتشار يُوجِّه عبر أثيرها انتقادات لاذعة للإسلاميين "خطابهم مزدوج، والجميع يعرفون ذلك". ويضيف أن "النهضة" خفّف من حدّة خطابه في محاولة منه للفوز بالأصوات، لكنه سيفرض الشريعة الإسلامية بحذافيرها إذا وصل إلى السلطة.
إنها لازمة رائجة في تونس، مع العلم بأن بن علي الذي بات منبوذاً هنا هو أوّل من روّج لها. فقد صدر كلام مماثل عن خصوم الحزب، واستقطبت المجموعات المناهضة لحزب "النهضة" على موقع "فايسبوك" عشرات آلاف المؤيّدين، وندّد محتجّون بالحزب في مختلف أنحاء البلاد. يبدو أن جزءاً من الخوف ينبع من الالتباس حول هويّة الشخص الذي سيقود الحزب بعدما أعلن زعيم "النهضة" المخضرم راشد الغنوشي أنه لن يسعى لتولّي منصب.
يقول لطيف إنه كي تكون تونس ديموقراطية، يجب حظر "النهضة"، لكنّه يقرّ "لن أبدو ديموقراطياً جداً بهذا الكلام". ثم يستدرك "الإسلام متجذّر جداً في المجتمع".
كان الحبيب بورقيبة، أبو الاستقلال التونسي وأوّل رئيس للبلاد، علمانياً راسخاً منع تعدّد الزوجات، وشرّع الإجهاض، واحتسى ذات مرّة عصير البرتقال على شاشة التلفزيون خلال صوم رمضان في خطوة اعتُبِرت إهانة للمؤمنين.
تعهّد حزب "النهضة" الإبقاء على الإصلاحات الاجتماعية التي قام بها بورقيبة، وصوّت لمصلحة قرار يفرض ترشيح عدد متساوٍ من الرجال والنساء في اللوائح الانتخابية في تموز. يشبّه قادة "النهضة" حزبهم بالحزب الإسلامي الحاكم المتسامح في تركيا. وقد رفضت أحزاب إسلامية تونسية أخرى "النهضة" معتبرة أنه علماني جداً، ويرى محلّلون كثر أن الحزب معتدل بوضوح.
يتمتّع حزب "النهضة" بالنفوذ في الداخل الفقير، في ما يعكس الهوّة الثقافية بين "النخبة المغربَنة جداً" في العاصمة تونس ومدن ساحلية أخرى – كان عدد كبير من أعضاء هذه النخبة ينعمون بالرفاه في ظل بن علي – والجزء الأكبر من المناطق الأخرى، بحسب قادر عبد الرحيم، الباحث في العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس.
يقول عبد الرحيم إن السؤال هو ما إذا كانت النخبة "جاهزة للقبول بأن هناك جزءاً من السكّان يعيش بطريقة مختلفة، ولديه اقتناعات أخرى"، مضيفاً أن الاستقرار السياسي "لن يتحقّق من دون الإسلاميين".

ترجمة نسرين ناضر – النهار

السابق
الجريدة :بري للسنيورة:عطلت مجلس النواب سابقاً واليوم تحرّض على التعطيل
التالي
الصايغ: خطاب أوباما يؤسس لمرحلة جديدة ويتلاقى والطروح اللبنانية