هل تحوّل الارتباط العاطفيّ مهنة متاعب؟

بين حبّ الاستقرار والتمتّع بالحرّية، يكتسب مفهوم الارتباط العاطفيّ معنى جديدا في العلاقات الشبابية. منهم من يحسب له ألف حساب، وآخرون يستخفّون به. "لم يعد الارتباط نتيجة ثمرة حبّ وإعجاب متبادل فقط، بل أصبح يستلزم الكثير من المتطلبات المادية والمصاريف التي لا تنتهي". هذا ما عبّر عنه الشابّ بيار موسى مؤكّدا أنّه، عكس الكثير من زملائه، يرفض العلاقات العابرة، لذا ظلّ يستبعد فكرة الارتباط حتى تمكّن من تحقيق الاستقلالية المادية. من جهتها، تعتبر جسيكا يونس أنّ "الفتاة أكثر من أيّ وقت مضى تسعى إلى تأمين استقلاليّتها فتؤخّر فكرة الاستقرار في قاموسها قدّر المستطاع، لتزيد من تحصيلها العلمي وتضمن وظيفة مرضية".

في المقابل، يرى شربل غصن أنّ "الشباب في معظمهم يتهيّبون فكرة الارتباط خوفا من مبدأ الالتزام وهروبا من المسؤوليّة، لذا قد يلجؤون إلى العلاقات العابرة على حساب أيّ علاقة جدّية". ويضيف: "نسبة كبيرة من الشباب يرون في الارتباط "شوفة حال" وإرضاء لغرورهم، ووسيلة للهروب من الملل والفراغ".

أمّا فرح عساف، فتعتبر أنّ التقدم الذي يعيشه المرء لا ينسحب على العلاقات العاطفيّة، فتقول: "على رغم الانفتاح الذي يبديه شباب اليوم، لا يزالون يبحثون عن الفتاة "البيتوتيّة" غير المنفتحة، ومن الواضح أنّ فئة كبيرة منهم تعيش أسيرة الذهنية والتربية التي يفرضها المجتمع. لذا تصبح الفتاة أمام خيارين أحلاهما مرّ، إمّا الارتباط بمن لا يرضي طموحها، أو تأخير فكرة الاستقرار".

رأي علم النفس

من جهته، يعرّف الاختصاصي في علم النفس العيادي والتوجيه العائلي والجنسي الدكتور نبيل خوري الارتباط بأنّه السعي إلى بناء علاقة مبنيّة على قواسم مشتركة، منها الحبّ، اللواعج، الاستعطاف، الاشتياق المتبادل"، مشيرا إلى "أنها مع الوقت تصبح أكثر عمقا، وقد تؤدي إلى علاقة رسميّة ينتج عنها زواج أو كَتب كتاب".

وتوقّف خوري عند تزايد الارتباط السريع في صفوف الشباب من باب التسلية والسطحيّة: "نسبة كبيرة من الشباب يلوذون بالعلاقات من دون أيّ وعي مسبق لحقيقة المسألة، فيتعاملون مع الارتباط بسطحية وبمفهوم أجوف، وهذا ناتج عن الانكشاف السريع على الغرب وتعاليمه، إضافة إلى مفاهيم التربية السيّئة وحبّ "التشاوف" والعنجهية التي هي من سمات رجل المجتمع الشرقي".

ويوضح خوري خلفيّة سوء إدراك الشباب لمفهوم الارتباط: "تتجذر النرجسيّة في نفوس الشباب منذ الطفولة، وتتحوّل في مرحلة المراهقة إلى منافسة بينهم وبين أترابهم على عدد الفتيات اللواتي يجتذبنهن، فيصبح الإغراء العامل المحفّز الأول، إلى جانب مفهوم إرضاء الذات والنزوات الغرائزيّة الجسدية التي تصبح المحفّز الأكثر إيلاما في العلاقات".

في هذا الإطار لا ينكر خوري "أنّ زمن الأول تحوّل"، موضحا: "أنّ بعض الفتيات يرفضن فكرة الارتباط لسببين رئيسيّين، فمنهنّ من يردن تحقيق ذواتهن من خلال التعمّق بتحصيلهن العلميّ والمهنيّ، وشريحة أخرى تستبعد الارتباط خوفا من أن يحدّ من حريّتهنّ، ويدخلهنّ في سجن الالتزام مع شريك واحد، لذا غالبا ما يتردّد على ألسنتهنّ: "بدّي عيش حياتي، "بدّي إتسلّى"، وغيرها من الإجابات السخيفة".

لم يخفِ خوري خشيته من الانعكاسات السلبيّة التي ستصيب المجتمع جرّاء تبدّل مفهوم الارتباط: "ما نشهده من انفتاح في العلاقات العاطفية بين شبيبة اليوم لا يبشّر بالخير، فمنهم من يسترسل في العلاقات السطحيّة تحت عنوان "خوض التجارب"، محوّلين أنفسهم حقل تجارب لإرضاء نزواتهم، مما يشكل السبب الأول لخطورة تفكّك العائلات في لبنان".

أمّا مَن يجدون في الارتباط حدّا لحرّيتهم، فيقول خوري: "مِن الطبيعيّ أن يتخوّف البعض من فكرة الارتباط، سيّما إذا كان مفهوم الحرّية لدى البعض يعني الانفلاش والتفلت من القيود". يضيف: في كلّ علاقة تبنى مع الإنسان الآخر، يصبح هذا الآخر جزءا من عالم شريكه، فلا بدّ من احترام خصوصيّته وخلق مداميك الانسجام، ممّا يحتّم مجموعة تنازلات أبرزها الحدّ من الحرّية".

ويعتبر خوري "أنّ الجهوزيّة الفكريّة، الثقافيّة، الاجتماعيّة، من المفروض أن تسبق أيّ إرتباط"، وعلى حدّ تعبيره، يبقى "الاحترام المتبادل مفتاح أيّ نجاح في الارتباط".

السابق
أزمة نفايات النبطيّة تتفاعل
التالي
كيف ينظر الرئيس ميقاتي إلى الوضع السياسي المستقبلي؟