نجاح العرب في أميركا:إثارة لليهود

يقول المؤرخ الأميركي الحديث جون ستيورات كينيث: "بدأ العرب يخيفوننا بذكائهم وينافسوننا، حتى على أفكارنا وتجديد هذه الأفكار. ما إن سنحت فرص الحرية والعدالة أمامهم حتى انطلقوا يعملون وينجحون بسرعات قياسية. لنعترف أنهم أذكياء وبأننا بدأنا نحسّ بتبلّد. هم جاؤوا من بلدان فقيرة، فكانت ردود فعلهم على تاريخهم المستبد وأحوالهم الرثّة ان بدأوا يجعلوننا في الصف الثاني وربما غداً في الصف الخامس والسادس… من يدري؟".
تفيد نتائج آخر الإحصاءات التي نشرت في الولايات المتحدة الاميركية خلال الأشهر الماضية وفق مؤسسة الفكر العربي التي أعدت الدراسة، بأن المواطنين الأميركيين من ذوي الأصول العربية يتفوقون على نظرائهم جميعاً، بمن فيهم ذوو الأصول الأوروبية واليابانية والصينية. لقد تجاوز عرب أميركا الجميع ثراءً وتعليماً وإمساكاً بالوظائف المركزية الأساسية في معظم الولايات.

ففي حين ان 30% من الأميركيين يحملون مؤهلاً جامعياً معيّناً، يحمل في المقابل 61% من مواطني عرب أميركا درجات علمية أعلى، خصوصاً على مستوى شهادات الماجستير والدكتوراه… وكذلك تتفوق نسب أعداد العاملين العرب على غيرهم في حقول المهن الحرّة والطب والهندسة والصيدلة والسياحة والخدمات وقطاع المطاعم وشركات التأمين والتجارة الداخلية وعبر القارات.

كما بيّنت الإحصاءات الأميركية الأخيرة، والتي نشرت نتائجها مؤسّسات إعلامية عدة موثوق بها، حتى خارج أميركا، منها راديو وتلفزيون "دويتشه فيله" الألماني، الذي أذاع أن متوسط دخل الأُسر الأميركية من أصل عربي في عموم الولايات المتحدة يتجاوز 54 ألف دولار سنوياً، متفوقاً بذلك على مستوى دخل الأسر الأميركية الأخرى والبالغ 43.6 ألف دولار سنوياً.

ويمتلك ما يزيد على نصف عدد المهاجرين القدامى والجدد إلى أميركا مساكن خاصة بهم، نسبة العرب بينهم هي الأعلى إذ تبلغ 56.7% للعرب مقابل 43.5% للآخرين.
وإذا كان 34% من الأميركيين الآخرين يشغلون مناصب قيادية وأخرى مرموقة داخل مؤسّسات الدولة، أو في القطاع الخاص، فإن نسبة العرب بينهم تتفوّق هنا على ما عداها لتبلغ 43.5%.
وقد أثارت هذه الإحصاءات حفيظة الكثير من المراقبين الاستراتيجيين والإعلاميين والسوسيولوجيين والأمنيين داخل الولايات المتحدة وخارجها. وقال جورج. ت. غاردنر، وهو عالم اجتماع سياسي أميركي: "إن هذا الرقم الإحصائي مفاجىء لنا خصوصاً أننا تحرّينا من صدقيته وجدّية من كانوا وراءه. وفي ذلك ما يدحض صورة الإعلام السائد عن العرب في أميركا من أنهم القوم الأفقر، والأكثر تخلفاً وانعزالاً والذين يشيحون بوجوههم عن تنكّب ثقافة المعرفة والامساك بخيوط التمكين الاقتصادي والانخراط التنافسي البارع بجدليات العولمة… إلخ. وإزاء ذلك ينبغي ان نشجّع مواطنينا هؤلاء وندفعهم إلى مزيد من التألق لينتجوا في بلدهم الجديد ولا يفكروا بالتالي في العودة إلى البلدان التي جاؤوا منها. هذا على الأقل واجب السلطات السياسية والأمنية والأخلاقية الأميركية في المقام الأول".

ويتساءل رئيس تحرير مجلة "فورين بوليسي" الأميركية موسيس نعيم في مقالة له حملت عنوان "العرب في أراضٍ غريبة": "لماذا يحقق الأميركيون المتحدرون من أصول عربية نجاحات أكثر بكثير من الأميركي العادي؟ ولماذا هم الأغنى والأكثر تعليماً؟ لماذا وبهذه السرعة حصل ذلك؟"، داعياً الآخرين الى مساعدته في الإجابة عن هذه الأسئلة، رغم أنه يعترف بأن هذا النجاح الكاسح سيستمر، ولا فائدة من الوقوف في وجهه أو كبحه. فهؤلاء مواطنون أميركيون ويخدمون بلدهم في المقام الأول.
مثل هذا الكلام يبدو أنه غير مستساغ بالنسبة إلى رموز في اللوبي الصهيوني الأميركي. فالمواطن الأميركي من أصل عربي "هو خطر على إسرائيل ربما أكثر بكثير من نظيره المقيم في الشرق الاوسط". ووجب بالتالي من وجهة نظر المؤرخ الأميركي الصهيوني ديفيد لاندرز "التصدّي بحزم لهذه الظاهرة ووقفها عند حدودها". ونتيجة لهذه العبارة الأخيرة تقدمت هيئات عربية أميركية بشكوى الى القضاء الأميركي ضدّ لاندرز، ومن المتوقع ان تربحها، لكن في المقابل لن يخسر المؤرخ، خصوصاً أنه مرّر فكرته، وباتت هاجساً عاماً في أوساط اللوبيات اليهودية المستنفرة على أشدّها هذه الأيام؛ ليس في أميركا فقط، وإنما في عموم أماكن وجودها في القارات أجمع.

تعداد الجاليات العربية

يذكر ان الهجرة العربية المكثّفة إلى الولايات المتحدة الأميركية كانت بدأت في سبعينات القرن التاسع عشر، وبلغت ذروتها في الحرب العالمية الأولى. غير أنها توقفت بعض الشيء عام 1924 نتيجة سن قوانين أميركية جديدة للحدّ من الهجرة إلى البلاد، وحصرها بـ 3 آلاف مهاجر سنوياً فقط، ومن مختلف شعوب الأرض. لكن سرعان ما كُسر هذا القانون في سنين لاحقة، واشتعل منسوب الهجرة كثافة من جديد، خصوصاً قبيل الحرب العالمية الثانية وبعيدها، وصولاً إلى اليوم، إذ بلغ تعداد المواطنين الأميركيين من أصل عربي 5.3 ملايين، والحبل على الجرار كما يقولون.
وتعتبر الجالية اللبنانية على رأس الجاليات العربية الأميركية من حيث العدد، حيث تتخطى نسبة المهاجرين من اللبنانيين إلى أميركا 39%، يليهم السوريون 12.3%، فالمصريون 12%، ثم الفلسطينيون 6%، فالعراقيون 3%، والمغاربة 3%. وحكماً فإن نتائج "مكتب الإحصاء الأميركي" تغيرت اليوم إذ إنها جرت عام 2002، لا بل أصابها التغيّر الكبير.
ويصنف المهاجرون العرب الأميركيون من الجهات الرسمية الأميركية، ودوائر الإحصاء المركزي الأميركي، بأنهم من العرق الأبيض. وتتمركز المجموعات العربية أكثر ما تتمركز في أميركا في ولايات نيويورك وميتشيغن ونيوجيرزي وكاليفورنيا والينويز ونبراسكا وأريزونا وكارولينا الجنوبية وفلوريدا.
ويعتبر أكبر تجمّع عربي منفرد في مدينة أميركية، تجمع مدينة ديربورن في ولاية ميتشيغن، إذ يشكّل العرب في هذه المدينة ما يتجاوز الـ 32% من السكان… وتأتي بعدها التجمعات العربية الكبرى في مدن مثل لوس أنجلس (كاليفورنيا) وبروكلين (نيويورك) وميامي (فلوريدا). ما يعني ان الجاليات العربية مذ قدمت إلى العالم الجديد كانت تميل إلى الإقامة والعمل في المناطق الآهلة، والمدن المركزية، مما جعلها جالية تتقدّم غيرها في العلم والتجارة والصناعة واقتصاد الخدمات.
وتميّز العقدان المنصرمان لحياة الجالية العربية في أميركا بقدر كبير من السياسة والتسييس، وذلك ابتداءً من انطلاق عملية السلام في مدريد عام 1988. وشهدت هذه الفترة كما يقول الكاتب الأميركي من أصل عربي غريغوري أورفلي، مخاطبة المرشحين الرئاسيين غير المسبوقة للأميركيين من أصل عربي، لأنهم باتوا يشكلون وزناً لا يستهان به كناخبين. غير أن تأثيرعرب أميركا في صنع القرار في بلاد العم سام لا يزال ما قبل رقم الصفر في مقابل تأثير اللوبيات اليهودية، ومن هنا نفهم تصريح المؤرخ الصهيوني ديفيد لاندرز وهو يحذّر فيه جماعات الضغط اليهودية من ضرورة التصدّي لنجاحات عرب أميركا المطردة على كل صعيد، وذلك قبل فوات الأوان.

أكثرهم مسيحيون

طبقاً لدراسة "زغبي انترناشونال" عام 2002، فإن نسبة 63% من العرب الأميركيين هم مسيحيون، 35% منهم ينتمون الى مذاهب الشرقيين الكاثوليك، بما فيهم الموارنة، و18% ينتمون الى الأرثوذكس الشرقيين بما فيهم الأقباط والسريان، و10% ينتمون الى الطائفة البروتستانتية. وتبلغ نسبة المسلمين 24%، أما الـ 13 في المئة المتبقية فتصنف على انها "ديانات أخرى" او من دون تحديد الديانة.
وفي الاحصاءات ان نسبة الزيادة في الأرقام بعد 11 أيلول 2011 لم ترتفع بوتيرة عالية خصوصاً لدى المسلمين العرب، وانما سجلت الزيادة في المسيحيين المصريين خصوصاً، الى العراقيين والسوريين.

السابق
1200 تلميذ يرقصون اليوم في ساحة النجمة
التالي
الحسن: نعمل لتكون مضبوطة الأطر منعاً لأي استغلال