كيف ينظر الرئيس ميقاتي إلى الوضع السياسي المستقبلي؟

يبدو ان الوضع الحكومي اللبناني مفتوح على كل الاحتمالات، إن لجهة إمكانية التوصل إلى تشكيل حكومة جديدة في أي وقت، أو بإبقاء الأمور على ما هي عليه بين حكومة تصريف أعمال برئاسة الرئيس سعد الحريري ورئيس مكلف تشكيل الحكومة وهو الرئيس نجيب ميقاتي وادارة البلد في ظل هذه الحالة، أو الذهاب لخيارات أخرى كالاعتذار عن التشكيل والبحث عن خيارات جديدة.

ومع ان أوساط الرئيس نجيب ميقاتي تؤكد انه لن يعتذر عن عدم التشكيل وهو يسعى إلى تشكيل حكومة تتناسب مع رؤيته ومواقفه السياسية والأسس الدستورية التي ينطلق منها، فإن البحث عن خيارات أخرى اصبح مطروحاً لدى بعض الأوساط في الأكثرية الجديدة رغم الصعوبات التي تواجهها هذه الأكثرية في تأمين الأغلبية لأي مرشح غير ميقاتي.

وبموازاة ذلك تستمر الجهود لتشكيل الحكومة ومعالجة الثغرات حيث يبذل حزب الله والرئيس نبيه بري ورئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط جهوداً مكثفة لتجاوز الاشكالات والتواصل الى حلول لكل المشاكل، لكن كلما تُحَلّ مشكلة تبرز مشكلة أخرى، ما يؤدي إلى التأخير اعلان التشكيلة في ظل استمرار تأزم الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان والمنطقة، ما يجعل الأوضاع تزداد صعوبة.

فما هي أبرز المشكلات التي عرقلت تشكيل الحكومة؟

وهل يمكن تجاوز هذه المشكلات؟ وكيف ينظر الرئيس نجيب ميقاتي إلى آفاق الوضع السياسي اللبناني والخيارات المطروحة أمامه؟

أبرز المشكلات والحلول

لكن ما هي الأسباب التي عرقلت تشكيل الحكومة؟ وهل هناك من امكانية لتجاوز هذه الأسباب؟

تنقسم الأسباب التي أدت الى عرقلة تشكيل الحكومة الى قسمين: قسم داخلي له علاقة بأوضاع الأكثرية الجديدة ومطالب كل الأطراف الداخلية ونظرة كل فريق للحكومة ودوره فيها، وقسم يتعلق بالظروف والعوامل الخارجية التي تترك انعكاساتها السلبية على الوضع الحكومي.

أما على صعيد القسم الأول، فمن الواضح ان الأكثرية الجديدة تضم مجموعات اطراف متنوعة، وكل طرف لديه أفكار وطموحات وهواجس يعمل من أجل ان تكون التشكيلة الحكومية تتناسب معها، فرئيس الجمهورية ميشال سليمان يريد أن تكون له حصة في الحكومة للحفاظ على موقعه ودوره، وهو في خلاف كبير مع العماد ميشال عون، والطرفان تنتظرهما معارك سياسية وانتخابية مستقبلية في كسروان وجبيل ومناطق أخرى.

والرئيس نجيب ميقاتي يريد ان تكون التشكيلة الحكومية الجديدة قادرة على مواجهة التحديات والاشكالات التي يواجهها، وخصوصاً على الصعيد السني، لأنه يُواجه بمعارضة قوية ولا يريد ان يظهر انه الحلقة الأضعف في المستقبل.

وحزب الله يريد من الحكومة ان تواجه التحديات العديدة سواء لجهة المحكمة الدولية أو نتائج التطورات في المنطقة العربية، وأن تستطيع الحكومة تنظيم الوضع الداخلي في مواجهة قوى 14 آذار، والاستاذ وليد جنبلاط يسعى عبر هذه الحكومة إلى الحفاظ على موقعه الجديد والاستعداد للمرحلة المقبلة نظراً إلى التحديات التي تواجهه سياسياً وانتخابياً.

أما بقية الأطراف في الأكثرية الجديدة فلكل مجموعة أو فريق مطالب محددة وحسابات سياسية وانتخابية.

وفي الاطار الخارجي فالتشكيلة الحكومية الجديدة تواجه ضغوطاً دولية كبيرة وكذلك ينتظرها القرار الظني الجديد عن المحكمة الدولية، اضافة إلى ما يجري من أحداث في الوطن العربي وخصوصاً في سوريا، مع استمرار الضغوط الدولية (الأميركية والأوروبية) إن عبر بعض الاجراءات المالية أو التهديد بوقف المساعدات والدعم المالي والعسكري للجيش اللبناني وقوى الأمن أو من خلال حملات التضييق على اللبنانيين ومصالحهم في الخارج. كل هذه الأحداث تجعل من الذين يعملون لتشكيل الحكومة يعيشون حالة من الضغط والصراع بين التوفيق بين مطالب الأفرقاء الداخليين وبين حسابات الأوضاع الخارجية. لكن هل سيؤدي ذلك الى الفشل في تشكيل الحكومة؟

المصادر المعنية بعملية التشكيل تؤكد ان كل الاحتمالات واردة رغم ان الرئيس ميقاتي يعلن في مجالسه الخاصة انه لن يعتذر وان خيار حكومة الأمر الواقع أو حكومة التكنوقراط ليسا سهلين لأنه ستكون لهما نتائج سلبية. أما على صعيد حزب الله فهو يبذل جهوداً مكثفة لمعالجة العقبات بالتعاون مع الرئيس بري والأستاذ جنبلاط لكي يبدو ان هذه الجهود تواجه دائماً بعقبات جديدة، وان كان ذلك لا يعني ان الأمور وصلت الى الحائط المسدود لأن من مصلحة جميع الأطراف العمل على تشكيل الحكومة وان كان بعضهم ليس مستعجلاً وهو يتحرك ببطء شديد بانتظار معرفة مآل الأمور.

رؤية الرئيس ميقاتي للوضع

لكن كيف ينظر الرئيس المكلف نجيب ميقاتي للتطورات منذ تكليفه تشكيل الحكومة؟ وكيف سيواجه المرحلة المقبلة؟

الأوساط القريبة من الرئيس ميقاتي تؤكد انه قَبِل بتشكيل الحكومة وتحمل مسؤولية التأليف لأنه وجد أن البلد كان في مواجهة أزمة سياسية كبرى سواء عاد الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة أو تم تكليف الرئيس عمر كرامي، وانه كان يريد العمل لتجاوز الفتنة الداخلية والسعي إلى تشكيل حكومة قادرة على مواجهة كل التحديات واشراك جميع الأطراف الداخلية بما فيها قوى 14 اذار.

وتضيف الأوساط: «واما بعد اعتذار قوى 14 آذار عن المشاركة فإن الرئيس ميقاتي سعى ويسعى إلى تشكيل حكومة تقدِّم صورة ايجابية للبنانيين عبر اشراك أكبر عدد من الأطراف والاتيان بوزراء قادرين على أحداث «صدمة ايجابية» داخلياً وخارجياً. كذلك لا يستطيع القبول بحكومة تُدار من فريق محدد أو تكون خاضعة لفيتوات داخلية أو غير منسجمة في ما بينها. والرئيس ميقاتي حريص على الالتزام بعدة ثوابت ومنها:

1- حماية الوحدة الوطنية عامة والوحدة الإسلامية خاصة.

2- الحفاظ على أفضل العلاقات مع سوريا.

3- حماية المقاومة ودورها.

4- عدم القيام بأية خطوات تؤدي إلى إدخال البلد في صراعات داخلية.

5- الالتزام بنصوص الدستور وحماية المؤسسات الدستورية كافة.

6- القيام بإصلاحات ادارية واقتصادية وسياسية حقيقية.

وتتابع الأوساط «ان الرئيس ميقاتي يعمل من أجل مصلحة البلد وهو لا يخضع لأية ضغوط خارجية وهو نجح في ادارة الوضع اللبناني في أصعب الظروف بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومن خلال اجراء الانتخابات النيابية عام 2005. وهو يريد اليوم ان تكون الحكومة المقبلة قادرة على إجراء انتخابات نيابية نزيهة بعد إقرار قانون جديد للانتخابات، وهو يدرك اليوم ان الاعتذار عن تشكيل الحكومة ليس خياراً إيجابياً لأنه سيكون له انعكاسات سلبية خصوصاً بالنسبة إلى الوضع السوري، لكنه لا يريد أيضاً الذهاب باتجاه الأخذ بخيارات أخرى تكون لها نتائج سلبية كحكومة الأمر الواقع أو حكومة التكنوقراط، ولذلك فهو يعمل بهدوء لمعالجة كل المشكلات والتوصل الى أفضل تشكيلة حكومية».

فهل سينجح الرئيس ميقاتي في تحقيق رؤيته أم ان الظروف والضغوط ستضطره لأخذ خيارات غير ايجابية؟ المعروف عن ميقاتي حسب المقربين منه والذين يعرفونه أنه صبور وطويل البال ويدير معركة بهدوء، لكن ذلك «لا يعني ان الاحتمالات السلبية غير واردة الا اذا حصلت «معجزة ما» تؤدي إلى حلحلة العقد والمشكلات، وهذا وارد أيضاً في أي وقت».

السابق
هل تحوّل الارتباط العاطفيّ مهنة متاعب؟
التالي
عائدون…