حدود القوة العسكرية

مع دخول العمليات العسكرية في ليبيا شهرها الثالث، تثير المحاولات التي تقودها قوات حلف شمال الأطلسي لحماية المدنيين هناك الكثير من التساؤلات. من أهم تلك التساؤلات ما إذا كان القادة السياسيون يدركون حدود القوة العسكرية في ما يتعلق بتحقيق الأهداف الإنسانية. سواء أطلقنا على ما يحدث أنه «عمل عسكري إيجابي» أو «حرب»، فإن الغموض وصراع الإرادات يكتنفان القتال، حتى عندما يكون الهدف الأسمى هو الدفاع عن المدنيين الأبرياء.

من تناقضات استخدام القوة في تحقيق غايات إنسانية أنه عندما يتعلق الأمر بمصالح أقل قومية، فإن تفادي وقوع إصابات بين المدنيين يصبح أمرا ضروريا. ويؤدي ذلك إلى تنامي الخطر على المدنيين الذي يتم الدفاع عنهم. على سبيل المثال، تحلق الطائرات على ارتفاع كبير حتى لا يتم إسقاطها، مما يجعل من الصعب على الطيارين التمييز بين الوحدات العسكرية الخاصة بالعدو والمدنيين الأبرياء، ويحد من دقة الأسلحة التي تسقط أو تطلق في الهواء.

عادة ما تكون أكثر الطرق فاعلية في حماية المدنيين هي وضع قوات عسكرية تتمتع بقدرات فائقة على الأرض بين الأهداف المطلوب حمايتها والطرف الذي يهاجمها. لكن يتضح من خلال النقاش العام بشأن العمليات العسكرية المستمرة في ليبيا التردد الكبير في استخدام قوات برية خشية وقوع إصابات بين القوات أنفسها أو أسر بعض جنودها كرهائن. لكن إذا تمت الاستعانة بالقوات البرية، سيكون من الضروري اتخاذ قرار بشأن استخدام الحد الأدنى من القوة وقبول تعريض حياتهم إلى الخطر. لكن هل عندما لا يكونون متأكدين من مواقع العدو، سيقومون باستكشاف المواقع من خلال إطلاق النيران، أم سيعرضون أنفسهم إلى احتمال الوقوع في كمين من خلال إرسال دوريات استطلاعية؟ وعندما يكون من الضروري إخلاء مبنى ما، هل ستكتفي القوات باستخدام أسلحة خفيفة مما يعرضها إلى الخطر، أم ستستخدم الدبابات والمدفعية وتستعين بالغطاء الجوي المباشر كما تفعل خلال عمليات القتال التقليدية، مما يزيد الخطر على حياة المدنيين؟

عندما تستهدف العمليات العسكرية حماية الأبرياء، تكون عبارة «الدمار الشامل» خادعة عندما يتعلق الأمر بالمصابين من المدنيين. فلا يمكن أن يكون الهدف الأول لأي مهمة «شاملا». لكن إصابة المدنيين أمر حتمي خلال أي صراع مسلح سواء بشكل مباشر في حالة المدنيين الذين يصابون من جراء «نيران صديقة» أو بشكل غير مباشر في حالة المدنيين الذين يفارقون الحياة بسبب عدم توافر الرعاية الصحية أو الطعام أو النظافة في منطقة القتال. وكلما طال أمد الصراع، زاد عدد المصابين من المدنيين. ويمثل هذا تحديا غير عادي أمام التدخل العسكري الذي يتم لأسباب إنسانية ويزيد الخطر المعنوي الذي يواجه من يتخذ القرارات الخاصة بالمستوى المقبول للخطر الذي تتعرض له القوات العسكرية والمدنيين. دون وجود مصالح قومية أكبر، سيظل السؤال المحوري يتعلق بالفائدة النهائية وهو: كم عدد أرواح المدنيين التي ستزهق مقابل عدد الأرواح التي سيتم إنقاذها؟ يا لها من إشكالية حقا.

فضلا عن ذلك، تعد القوة العسكرية وسيلة غير فعالة في تشكيل سلوك الدول الأخرى، إلا عندما يتعلق الأمر بمصالحها الخاصة. وعندما يدرك النظام أن بقاءه على المحك، يكون من المستحيل إجباره على تغيير موقفه من خلال الهجمات العسكرية التي تستهدف قدراته الثانوية. ليس إضعاف قوات النظام المسلحة كافيا للقضاء على القيادة والاتصالات والاستخبارات، بل سيكون من الضروري استخدام المزيد من القوة وحشد الجهود لاستخدامها.

إن هزيمة «عدو عنيد» مثلما كتب المنظر العسكري الأميركي الجنرال هوبا واس دي سيج يتطلب القضاء على قدرته على الاستمرار في القتال. يعني هذا من الناحية التاريخية الاستعانة بالقوات البرية، لأن الاشتباك المباشر وحده هو الذي يمكن أن يتصدى لقدرة العدو على تأخير الهزيمة.

الكثير من الذين أيدوا التدخل العسكري في ليبيا بعد إصدار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراره رقم 1973 مذهولون الآن من طول أمد العملية. كان قادة الدول يتحدثون عن أيام أو أسابيع لإتمام المهمة في معرض تبريرهم إرسال قواتهم المسلحة إلى ليبيا لا شهور أو سنين. لكن استثنى قرار الأمم المتحدة «قوة احتلال خارجية»، ولا يوجد توافق داخل حلف شمال الأطلسي على إرسال قوات برية، ولم تبد الدول العربية اهتماما يذكر بإرسال مثل هذه القوات.

لكن من دون وجود قوات برية على الساحة الليبية أو غارة جوية موفقة تستطيع التخلص من معمر القذافي، فإنه من المرجح أن يمتد الصراع إلى سنوات كثيرة كما حدث في الصومال ودارفور والعراق أثناء الفترة الفاصلة بين حرب الخليج الأولى والثانية. وعلى عكس ما تشير إليه نظريات المتحمسين للضربات الجوية، توضح التجربة العملية أن القصف الجوي وحده لن ينجح في حماية المدنيين أو الدفع باتجاه تغيير النظام.

سألت مادلين أولبرايت، كولين باول «ما الجدوى من امتلاك هذا الجيش الرائع الذي تتحدث عنه دوما إذا لم نكن نستعين به؟». الحقيقة المرة هي أن القوة العسكرية يمكن أن تكون فاعلة عندما تكون الغاية هي القتل والتدمير، لكن تكون ذات قدرة محدودة عندما يتعلق الأمر بإنجاز مهام لا تتناسب مع طبيعتها.

ترجمة الشرق الاوسط

السابق
لا نهاية للعالم في 21 أيار
التالي
يوم رياضي ترفيهي في ثانوية حاصبيا الرسمية