الجماهير العربية وسارقو الاموال

خطأ، يا سادتي، خطأ. لا تسمحوا بصرف انتباهكم عن الامر الاساسي. فالجماهير التي تخرج الى الميادين لا تتوق الى الديمقراطية ولا تنفر مبدئيا من الدكتاتورية، لا في العالم العربي ولا في أماكن اخرى مثل لندن، حيث خرج نصف مليون شخص الى شوارعها غاضبين.

لا يوجد توق للديمقراطية لا في تونس، لا في مصر، لا في سورية، لا في الاردن، لا في ليبيا ولا في اليمن. كلهم كلهم يريدون اسقاط الحكام الذين يسرقون أموال الدول ويجوعون الجماهير. الصراع هو ضد الرأسمالية. في العالم الذي انتصرت فيه الرأسمالية بقوة ـ انتصار أكبر مما ينبغي ـ فضعضعت بذلك الاسس التي بنيت عليها.

مبارك كرهوه واسقطوه والان يهينونه ليس لانه كان طاغية ومنع وجود احزاب منافسة، بل لانه استغل حكمه لسلب ثراء مصر.
أبقى الشعب جائعا وعاطلا عن العمل والطبقة الوسطى عطشى للوظائف والرواتب المعقولة. ليس العطش للديمقراطية هو الذي أسقط الطاغية الغني كاضطرار في أقرب وأهم دولة عربية. غناه وغنى ابنائه ومقربيه يفقأ العيون.
مال الحكم أثار الجماهير. في لندن أيضا. في اليونان وفي باريس قبل عدة سنوات أيضا وبالتأكيد في ليبيا، في تونس وفي اليمن.
أثر الدومينو في العالم العربي وحده اوضح لكل ذي عقل ان هذا يمكن أن يصل الى كل مكان. وهو سيصل الى كل مكان يسلب فيه الحكام المال العام تحت رعاية القوانين التي يشرعونها.
الجماهير تهتف بالحرية لتسقط الديكتاتورية فيما تقصد الخبز والعمل والعدالة الاجتماعية. وهم يفرحهم الغاء قوانين الطوارىء ولكن الهزة الارضية لن تتوقف طالما كان القريبون من الصحن يسلبون كل ما في داخله ولا يتركون غير الفتات البائس لملايين المساكين.

من ليس شبعانَ لا يمكنه أن يكون راضيا عن النظام، مهما كان. الجماهير تطالب بنصيبها في الكعكة الوطنية. الحورانيون في درعا ليسوا جوعى للديمقراطية. هم جوعى. الطبقة الوسطى الشبعة في حلب بقيت في المقاهي.
150 سنة سجن فرضت على من حمل الطريقة حتى منتهى السخافة. ولكن العفن هو في طريقة الحكم بكاملها، الطريقة التي تبناها ملوك وطغاة في دول معادية حكامها يسبحون في المال وفي الذهب.
المحكمة في القاهرة قد تحكم على مبارك وابنائه بسنوات سجن على الاقل ولكن جرائمه تنبع من ذات المصدر: فقدان الاخلاق واحساس التوازن، برعاية القانون والنظام الرأسمالي. القذافي وابناؤه، رئيس اليمن وانساله، الاسد وأقرباؤه سلبوا الطعام من أفواه الفقراء والوقود من سيارات الطبقة الوسطى.

كل هذا يستمر منذ عدة أجيال. الطغيان ليس جديدا والرأسمالية ليست جديدة. ولكن الان فقط، بمعونة وسائل الاعلام والتكنولوجيا الحديثة، التي تكشف كل شيء، علمت الجماهير بما يحصل في القيادة السياسية ـ الاقتصادية. لم تعد هناك اسرار. كل شيء مكشوف والمواطن البسيط يفهم بالضبط من يسلب قوته، من يأخذ رواتب هائلة فيها عار ويسن قوانين لحماية سارقي الاموال.
أتذكرون كيف فوجئنا بانهيار الشيوعية؟ لقد نسينا ماذا كانت عليه قوتها الهائلة حتى الانهيار المفاجئ.

هذا يحصل وسيحصل لكل نظام لا يعرف حدا وقدرا، وحكامه لا يعرفون الشبع. معروف لنا من كل العالم المحيط حولنا. في الداخل ايضا.
الثورة العربية لا تزال في بدايتها. وهي لن تتوقف عند حدود العالم العربي. فهي ستؤثر على العالم بأسره، مثلما فعلت الثورة الروسية قبل مئة سنة والثورة الفرنسية قبل مئتي سنة، علينا ايضا، بالطبع.

السابق
تكريم أبي درويش وضاهر في إبل السقي
التالي
نتنياهو بين خطبتين