اليونان فرصة ثانية لخطة التقشف

قرأ رئيس الوزراء اليوناني «جورج بابا ندريو» انتصاراً كبيراً في نتائج الانتخابات المحلية يوم 7 تشرين الثاني ولذلك وضع مرشحيه من حزب الباسوك- اليسار الوسط في مقدمة سباقات محلية عديدة ومنها المنصب القوي لحاكم أتيكا، قال بابا ندريو على شاشة التلفزيون الرسمي ليلة الانتخابات: «إن الشعب اليوناني يريد التغيير».
لقد كان حماسه بعيداً كل البعد في الأسابيع الماضية عندما هدد بابا ندريو العنيد والهادىء بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة إذا تبين أن سلوك الباسوك سيء للغاية، وكان التصويت على الثقة فاتراً نسبياً، فقد صوّت نحو 60٪ فقط من أصل 10 ملايين ناخب.

وتعتبر هذه المشاركة متدنية نسبياً بالنسبة لليونان، وذلك أبقى البلاد على حالة التقشف المخطط لها حتى الوقت الحالي، ومن أجل الحفاظ على دعم ذلك الهدف وحمايته من الانهيار في الأشهر المقبلة، على بابا ندريوس أن يظهر لليونانيين القلقين وكذلك للأسواق الدولية المتشككة بأن الإصلاحات المريرة ستنقذ البلاد من الإفلاس وستحركها نحو مستقبل قادر على حل المعضلة بشكل أفضل.
يقول «كوستاس إيفانيتس» أستاذ العلوم السياسية في جامعة أثينا: «هناك الكثير من الناس ينزفون إذا صح التعبير، والكثير من الناس سينزفون، وكبلد لم نتعرض أبداً لأي شيء من هذه الآلام من قبل، وليست هناك خارطة طريق والناس يرغبون برؤية أن هذه التضحيات ستؤدي إلى إصلاحات حقيقية.

افترض بابا ندريوس أن هذه السلطة ستستمر 13 شهراً، ولكن في غضون أسابيع من توليه المنصب تبين أن هذا البلد غارق في ديون بقيمة 300 مليار يورو وجاءت الصدمة من خلال أخبار الأسواق الدولية وتوقع المستثمرون أن اليونان ستقع في أزمة مالية كبيرة، وفي أيار أعلنت الحكومة عن اتخاذ تدابير وخطة تقشف صارمة وذلك شرط حصول اليونان على قروض تبلغ 110 مليارات يورو أو 154 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
وخفضت هذه التدابير الإنفاق بشكل كبير وخاصة في القطاع العام، وارتفعت الضرائب في حين وعدت الحكومة بالقضاء على الأزمة والتهرب من الضرائب على نطاق واسع ولتحرير إحدى الاقتصاديات الأوروبية الأكثر انغلاقاً.
يقول أنصار «بابا ندر يو (مثل العامل) فولا بابا تسوسو» البالغ 57 عاماً أنهم يرحبون بالتغييرات التي يشعرون أنها ستعمل على تحديث البلد وتحريره من وضع حرج كثر فيه الفساد والمحسوبيات: «نحن بحاجة للاعتماد على رئيس الوزراء والثقة بعمله وليس لدينا أي خيار آخر» هذا ما أكده بابا تسوسو.

على الرغم من أن انتخابات الأحد الماضي في المنطقة كانت جهداً لخفض التكاليف، وأملاً في إنقاذ 1,5 مليار يورو خلال ثلاث سنوات، نظم بابا ندريوس حكومة محلية تحت خطة كاليكراتيس سميت باسم أحد مهندسي بارثينون، وبموجب الخطة الجديدة تم دمج 1034 بلدية إلى 325 في حين تم دمج 57 محافظة في 13 منطقة، وستعقد الجولات لمرشحي المناطق الذين لم يحصلوا على أغلبية مطلقة في 14 تشرين الثاني.
ورغم أن تدابير التقشف حملت أخباراً سارة للمستثمرين الدوليين، إلا أنها قلّصت الاقتصاد اليوناني فقد أغلقت الشركات الصغيرة وبلغت البطالة نسبة أكثر من 12٪، كما أظهرت استطلاعات للرأي أن اليونانيين يشعرون باليأس والإحباط حول مستقبلهم وقادتهم، ومن الصعب جداً إيجاد حل للأزمة التي أصابت مناطق المعاناة مثل بيراما وهو ميناء قرب بيرايوس وساءت أحوال العمال فيه بسبب خنق الاقتصاد الوطني لصناعة إصلاح السفن.
يقول العامل «تريفونوس كاوناس» 59 عاماً أنه بالكاد يحصل على المال وعلى الرغم أنه يعمل لحاماً في الميناء منذ تشرين الثاني عام 2008 إلا أنه دائماً يقترض من ابنته البالغة 28 عاماً وهو دائماً يشعر بالقلق حول فقدانها لوظيفتها أيضاً ويؤكد: «أشعر أن سياسيينا سرقوا منا أموالنا وقد أفشلونا، وأنا لا أملك المال للتقاعد ولا أعرف ماذا أفعل».

ويقول وزير المالية جورج بابا كونستانتينو أن الاقتصاد قد ينكمش مرة أخرى بنسبة 3٪ في عام 2011 وبمعنى آخر ستكون هذه السنة صعبة للغاية، بينما يؤكد يانيس ستورناراس «مدير مركز البحوث الاقتصادية والصناعية»: إنها المرحلة الأكثر صعوبة في برنامج التقشف الآن، والناس يرون الأشياء السيئة كلها دون أن ينظروا إلى أي شيء جيد وقد يستغرق الأمر حتى نهاية 2012 على الأقل كي نبدأ في رؤية تحسينات مثل زيادة فرص العمل».
وما زاد من السخط عبر جميع أنحاء أوروبا هو انتخاب اليونانيين للزعيم اليميني المتطرف «نيكولاس ميتشالولياكوس» قائدGolden Daun وباليوناني chysi Avgi أي القمر الذهبي وهو المنظمة السياسية للفاشيين الجدد وذلك بعد فوزه بمقعد في المجلس المحلي في أثينا، ويذكر أن هذا الحزب قد أثار الغضب العام ضد المهاجرين غير الشرعيين وسط أثينا واستمرت هذه المشاعر بالازدياد جزئياً بسبب الاقتصاد المضطرب، يقول ايفانتيس: إن هذا الحزب لا يزال مهمشاً وليس هناك تطور
مرحب به فعندما لاتسير الأمور على ما يرام في مجتمع ما، يكون هناك مكان للزعماء الديماغوغيين.

على الرغم من الغضب والسخرية لا يزال اليونانيون يمنحون باباندريو وحكومته فرصة أخرى، ويؤكد ايفانيتس: «إن اليونانيين على اعتقاد أنه ليس هناك أي بديل آخر موثوق به الآن وأمام الحكومة سنة واحدة على الأقل للإسراع في برنامجها
الإصلاحي وإقناع الناس أنها ماضية إلى تحقيق هدفها».
ولكن هناك تحديات في المستقبل وقد تلاشت الآمال في أن تجعل اليونان هدف العجز بنسبة 8ر7٪ م الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، ومن المتوقع أن تعدل المفوضية الأوروبية أرقام الناتج الإجمالي التي وصلت في عام 2009 إلى 6ر13٪ لتصبح 15٪ قال جورج باغولاتوس أستاذ الاقتصاد في جامعة أثينا :«يتعين على الحكومة أن تظهر النتائج، إن ذلك ما يريده اليونانيون أنفسهم وكذلك الأسواق، ولكن ما يجدر بالذكر أنه بدون تلك النتائج ستكون نتائج التصويت على الثقة بمثابة استراحة مؤقتة مما يمكن أن يحدث في عام 2011 الطويل والصعب.

ترجمة: عائدة أسعد -البعث

السابق
عن “دماء” مسيرة العودة الأولى
التالي
الوحدة الفلسطينية و شرق أوسط جديد