الجمهورية: التأليف إلى مزيد من الجمود والتعقيد

عشيّة وصول مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان إلى بيروت اليوم، تسارعت التطوّرات على أكثر من مستوى، ما أوحى أنّ شيئا ما سيحصل ويغير مسار الأوضاع في ضوء تصاعد العقوبات الدولية على سوريا التي طاولت أمس الرئيس بشار الأسد شخصيّا الذي دعاه الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى قيادة الانتقال السياسي في سوريا أو الرحيل.

وفي ظل الاستعداد لاستقبال فيلتمان اليوم، أُعلن ليل أمس تعليق إضراب قطاع النقل بعد قبول المعنيّين بعرض وزيرة المال ريّا الحسن في شأن دعم المحروقات للسائقين العموميّين وأصحاب الشاحنات بـ 12 صفيحة ونصف صفيحة بنزين شهريّا لمدة 3 أشهرقابلة للتجديد، فيما مضى ملفّ تأليف الحكومة إلى مزيد من التعقيد والتجميد، وتوقفت المشاورات والاتصالات نسبيّا، في انتظار خرق جديد لا يتوقع حصوله قريبا. وقالت مصادر الرئيس الملكف نجيب ميقاتي إنّ الأمور عادت إلى الوراء وإنّ المشكلة تكمن في تصلّب رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون وشروطه ومواقفه.

وفي المعلومات أنّ اجتماع ميقاتي مساء أمس الأوّل مع "الخليلين" لم يفضِ إلى النتائج المرجوّة، بل كان اجتماعا لإبقاء خيط التواصل فقط، وكي لا يقال إنّ الأمور تدهورت.

وقال عاملون على خط التأليف لـ"الجمهورية" أن "لا إرادة نقاش حقيقيّة بعد القفزة النوعيّة التي تحققت الأسبوع الفائت بحلّ عقدة "الداخلية"، وأكّدوا بروز عقد جديدة تتعلق بالتوزيع الطائفي في ضوء رفض عون أن يسمّي أيّ فريق آخر غيره الوزير الماروني. كذلك برزت عقد جديدة في مسألة توزيع الحقائب، لكن الأهم يبقى هو أن ليس هناك إرادة نقاش حقيقية لدى المعنيّين حاليّا. وقلل هؤلاء من أهمّية أن يكون انعدام إرادة التأليف مرتبط بأسباب خارجية، لأنه وبحسب آلية المفاوضات التي جرت يبدو أنّ البحث عن مكاسب خاصة بات يتقدم على الشعور بأنّ ولادة الحكومة هي مسألة تحدّي لمدى نجاح هذا الفريق في إنجاز استحقاق التأليف.

وفي ظل هذا الواقع، تحرّك رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي لعقد جلسة تشريعية، وبحث في هذا الموضوع خلال اجتماع مشترك للجنة الإدارة والعدل وهيئة مكتب مجلس النوّاب. وفيما رفض نواب من كتلة "المستقبل" النيابية عقد مثل هذه الجلسة أعطى برّي مهلة عشرة أيام للبحث في الأفكار اللازمة التي تتيح هذه الجلسة.

وإلى ذلك، نقل زوّار رئيس الجمهورية ميشال سليمان أمس عنه قوله إنه لا يمكنه حاليّا سوى انتظار ميقاتي ليأتي إليه بالتشكيلة الحكوميّة باقة واحدة ليسقط فيها الأسماء التي سيختارها لنفسه. وأشاروا إلى أنه يتمسك بدعوته الصريحة إلى الجميع لتحمّل المسؤوليات الملقاة على عاتقهم. مستغربا "أن يصرّ البعض على مطالبة رجل وسطي بتشكيل حكومة تحدٍّ، فالرئيس الوسطي يمكنه بسهولة أن يشكّل حكومة وسطيّة، وإلّا فلتكن الأمور واضحة وليسمّوا رئيسا من فريق واحد، وليشكّل حكومته، وعندها يمكنني أن أتعاطى مع أكثرية وأقليّة، أو بالأصحّ مع موالاة تحكم ومعارضة تعارض". ولفت إلى "صعوبة التعاطي مع البعض الذي يريد الشيء ونقيضه في وقت واحد، فالرئيس الوسطي أو التوافقي لا يمكنه إلّا أن يشكل حكومة وسطيّة أو توافقية، وفي حال العكس سيتكرّر المشهد الذي نعيشه اليوم وهو أمر غير صحّي أبدا".

وحسب الزوّار أيضا، فإنّ سليمان يستغرب "منطق البعض في التعاطي بمهمات الرئيس المكلف ونيابة عنه، فيوزّع الحقائب على أسماء من مدنيّين وعسكريين من دون إدراك العوائق الإدارية والقانونية والأنظمة العسكرية التي تمنع ترجمة بعض هذه المقترحات التي تحول دون استكمال التأليف وفق الدستور وتوزّع المهمّات وفق مبدأ الفصل بين السلطات".

الجميّل عند ميقاتي

وفي غضون ذلك خرق اللقاء الذي جمع ميقاتي برئيس حزب الكتائب اللبنانية الرئيس أمين الجميّل القطيعة القائمة بين ميقاتي وأقطاب الأقلية الجديدة على رغم تأكيد الجميّل الطابع الشخصي لهذا اللقاء.

وأكّدت مصادر الجميل لـ"الجمهورية" أنّ اللقاء كان بمبادرة منه، ولم يحمل معه أيّ اقتراح محدد سوى ما أشار اليه بعد اللقاء لجهة لفت النظر إلى مخاطر الفراغ الحكومي "إذ يرى أنّ التواصل مع ميقاتي ضروري جدّا، لأنّ المرحلة دقيقة وخطيرة وهو يخشى بأن يتجاهلها البعض وهو غارق في مطالبه".

ولفتت المصادر إلى أنّ الجميّل لم يتناول وميقاتي موضوع تأليف الحكومة سوى من باب إبراز أهمية طرحه تأليف حكومة إنقاذ وطني كان لبنان شهد مثيلا لها في محطات تاريخية ومهمّة في تاريخه المعاصر".

وكان الجميّل لفت بعد اللقاء الى "أنّ حكومة الانقاذ التي نقترحها ليست صعبة، ولكن ما من أحد يعطي بديلا منها"، مذكّرا بـ"تجربة حكومة الطرف الواحد التي لم تكن ناجحة"، ومشيرا إلى أنَّ "البعض يقترح حكومة تكنوقراط، والتي تتناقض مع اتفاق الطائف، الذي يعتبر مجلس الوزراء هو السلطة التنفيذية والسلطة السياسية"، وسأل: "كيف يمكن تسليم السلطة التنفيذية والسلطة الوطنية لفريق غير معني بالكتل البرلمانية ولا بالمواقع السياسية في البلد؟".

إلى ذلك، تنتظر البلاد اليوم وصول فيلتمان الذي سيمضي في بيروت ثلاثة ايام، فيما لم تعلن السفارة الأميركية عن اي نقاط في برنامج لقاءآته سوى اللقاء المقرّر مع رئيس الجمهورية.

وقال أحد أقطاب قوى 14 آذار إنّ أيّ اتصال لم يتمّ حتى أمس لتحديد مواعيد مع فيلتمان "وقد سمعنا بالزيارة من خلال وسائل الإعلام". وتوقّع أن تحدد مواعيد بوسائل شخصية ومباشرة في حال تقرر عقد مثل هذه اللقاءآت.

الحدود الشمالية

وعلى صعيد الحدود الشمالية، قالت مصادر أمنية لـ"الجمهورية" إنّ الجيش السوري نشر بعد ظهر أمس 4 فصائل على تلال العريضة تضمّ كل واحدة منها 30 عسكريّا لمراقبة الحدود.

وأشارت هذه المصادر إلى أنّ رئيس فرع الأمن السياسي في بلدة تل كلخ وهو ضابط برتبة كبيرة وقع ليل أمس الأول في مكمن، حيث قتل وأربعة من رفاقه العسكريّين.

وذكرت المعلومات أنّ قوة من الجيش السوري كانت تطوق مسلحين في تل كلخ، فاشترطوا لتسليم انفسهم حضور مسؤول الامن السياسي في البلدة شخصيّا فحضر ومرافقيه، وبعد دقائق من مفاوضات تعجيزية فُتِحت النيران عليه ومرافقيه فقتلوا جميعا، ثم دارت اشتباكات قُتل فيها عدد من المسلحين واستسلم آخرون.

السابق
الشرق الأوسط: تحذير المستقبل من سوء استعمال السلطة يثير علامات استفهام
التالي
الحياة: لبنان: الفراغ الحكومي يدفع النقابات إلى الشارع