التحول في سياسة مصر الخارجية والعقبة السعودية

تبدو مصر، عقب إطاحة حسني مبارك، اكثر ميلاً الى انتهاج سياسة خارجية أكثر استقلالاً في الشرق الاوسط. ولكن فيما تستعد مصر لتغيير نهجها، بعيداً عن التزام مبارك المطلق بالكتلة الموالية لأميركا في المنطقة، فمن المتوقع ان تبذل السعودية قصارى جهدها لمنع المجلس العسكري الحاكم أو أي حكومة مدنية مستقبلية من زعزعة الوضع القائم. وللمملكة، التي يعتبر اول همومها هو وقف توسع النفوذ الإيراني، ترسانة من الأدوات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتقييد القاهرة.
ويواجه قادة السعودية قيادة مصرية يتعين ان تؤمن احتياجات شعب تواق الى تغيير سياسي جوهري ومستدام، يطال السياسة الخارجية، حيث تتم مراجعة سياسات مبارك غير الشعبية، بما في ذلك تعاونه مع اسرائيل والولايات المتحدة. فالعديد من المصريين يتوقون الى الايام الخوالي، حين كانت القاهرة مركز القوة الاقليمي. وقد بدأ المرشحون الى الرئاسة يلعبون على هذا الوتر. محمد البرادعي وعمرو موسى وغيرهما يعدون بـ«ترميم» نفوذ مصر.
عزم القاهرة الأخير على التوسط للمصالحة بين حركتي فتح وحماس يدل على شكل التغييرات التي قد تحدثها في سياستها الخارجية.

التحول الابرز هنا قد يكون في العلاقات مع ايران. ويتوقع ان يزور نائب لوزير الخارجية الايراني القاهرة قريبا، وسيلتقي وزير الخارجية المصري نظيره الايراني في نهاية أيار الحالي على هامش قمة دول عدم الانحياز في اندونيسيا. ولم يعرف البلدان علاقة حتى على مستوى سفراء منذ ان استقبلت مصر الشاه المخلوع في العام 1979. وتحسين العلاقات مع طهران، سيمنح القاهرة ثقلاً جديداً، يعزز استقلاليتها الاقليمية.
لن تصبح مصر وايران حليفين وثيقي الصلة قريباً. وفي الواقع، من غير المرجح ان تخفف مصر من حدة معارضتها لبرنامج ايران النووي. ومع ذلك، فإن دفئاً يطرأ على العلاقات بين البلدين يهدد بزعزعة توازن القوى الاقليمي. واي تغيير في الوضع القائم في ما يتعلق بإيران، يعد الهم الاول بالنسبة لصناع القرار في السعودية، المرجح ان تلعب دوراً ناشطاً مناهضاً لإيران.

وقد أثبت السعوديون بالفعل التزامهم بمنع الفصائل الموالية لإيران من كسب قوة في الشرق الاوسط. وتدخل القوات السعودية في البحرين، في آذار الماضي، خير دليل على ذلك.
بالطبع لن تغزو الدبابات السعودية القاهرة، ولكن لدى السعودية عدداً من الوسائل الاخرى للضغط على قادة مصر.
فالقاهرة تعاني منذ زمن من وضع اقتصادي غير مستقر، زادت من حدته الثورة ضد مبارك.

وقد عبرت السعودية عن دعمها للوضع القائم آنذاك، عندما أعلنت بأنها ستمارس نفوذها الاقتصادي، وأنها ستقدم دعمها المالي في حال قطعت الولايات المتحدة المساعدة عن مصر، عشية مغادرة مبارك السلطة. وأظهرت هذه الخطوة بأن السعودية ستخالف داعميها في واشنطن عندما تستشعر خطراً يهدد الاستقرار الإقليمي.

ومن المتوقع ان تعاني مصر من انكماش هذا العام، جراء تراجع السياحة، وهروب الاستثمارات الاجنبية ناهيك عن الشلل الذي رافق 18 يوما من الثورة، حسبما حذر «معهد المالية الدولي»، ومقره واشنطن. ويقارب العجز في الميزانية 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. والسعودية، التي تستثمر كثيراً في مصر، قد تكون المنقذ. ومنذ الاطاحة بمبارك، ضخ المستثمرون السعوديون اكثر من 10 مليارات دولار في القطاع المصري الخاص. لم يقل احد في السعودية ان المال سينقطع في حالت تمادت مصر من اقترابها من ايران، لكن الاحتمال وارد.

العلاقات الاقتصادية بين مصر والسعودية تطال في عمقها ابعد من المساعدات والاستثمارات. مئات آلاف المصريين يعيشون ويعملون في السعودية وفي دول الخليج. وهؤلاء مهمون بالنسبة للاقتصاد المصري، حيث تقدر البطالة بنحو 20 في المئة. والمغتربون في الخليج، يضخون ما يقارب 7,7 مليارات دولار سنويا. وسرت في الصحافة المصرية مؤخرا شائعات تتحدث عن عدم منح المصريين تأشيرات دخول الى الامارات، في رد على الانفتاح المصري على ايران. ورغم نفي المسؤولين الاماراتيين والمصريين على السواء، إلا أن الشائعات تعكس الخوف من احتمال ان تؤثر السياسة الاقليمية على العلاقة الاقتصادية بين مصر ودول الخليج. وان لم تكن هذه الشائعات صحيحة، لكن السعودية وحلفاءها قد يلعبون هذه الورقة مستقبلاً، وقد سبق ان استخدموها. فعندما دعم ياسر عرفات غزو صدام حسين للكويت، قامت دولة خليجية بترحيل 400 ألف فلسطيني.

نفوذ السعودية الكبير في مصر يمتد الى أبعد من النفوذ المالي. للشيوخ السعوديين سطوة هائلة على السلفيين المتشددين. وكان هؤلاء الاصوليون قد انسحبوا من السياسة والحياة المدنية في الماضي، ولكنهم ابدوا مؤخراً عزماً على فرض أنفسهم كقوة سياسة واجتماعية.
شيوخ الحركة السلفية الاكثر نفوذاً يتمركزون في السعودية. والحركة السلفية المناهضة للشيعة قد لا تأخذ اوامرها من الملك السعودي، ولكنها على علاقة وثيقة بالسلطات السعودية. إن مواصلة السلفيين اثارة الفوضى عبر الهجمات الطائفية والتأثير على السياسة، عبر الضغط على جماعة الاخوان المسلمين، يصب في مصلحة السعودية في مصر.
ما سيجري في سياسات مصر المحلية وعلاقاتها الخارجية يتطلب الوقت، ولكن ثمة أمراً واحداً واضحاً، وهو ان السعودية تملك القدرة على التأثير بشدة على التطورات في مصر. واذا حاولت الحكومة الانتقالية او خليفتها الحياد عن محور المصالح السعودية، فإن المملكة المحافظة لن تتساهل.

ترجمة جنى سكري- السفير

السابق
متري: لا أحد في لبنان يرغب في التآمر على سوريا
التالي
الاحتفال بمناسبة استقلال النروج في إبل السقي