أي خيار ممكن للبنان: دعم النظام أم الشعب؟

يواجه لبنان اشكاليات كبيرة في موضوع الاحتجاجات الشعبية في سوريا ليس اقلها عجزه عن المجاهرة بتضامنه مع الشعب السوري فيما اقر الرئيس بشار الاسد بنفسه بوقوع اخطاء من الاجهزة الامنية، بغض النظر عن مسؤولية القيادة السياسية في ذلك اوعدمها. وقد لا يكون مطلوبا من لبنان بما عجزت وتعجز عنه دول عربية عدة نأت بنفسها عن الادلاء بأي موقف يتعلق بالوضع في سوريا باستثناء دولة الكويت التي عرضت ارسال مساعدات الى مدينة درعا في ضوء ما تعرضت له رفضتها السلطات السورية مما ادى الى مطالبة اكثر من نصف المجلس النيابي الكويتي بطرد السفير السوري من الكويت. وغياب الموقف العربي من التطورات في سوريا ان على مستوى جامعة الدول العربية او على مستوى الدول فرديا شكل ذرائع مهمة للدول الغربية من اجل تبرير عدم اتخاذ قرارات في شأن سوريا مماثلة لتلك التي اتخذت في موضوع ليبيا. لكن فهم الجميع من موضوع الكويت رفض سوريا الاعتراف بوجود ازمة تحتاج الى اي تدخل من الخارج العربي او الغربي بما في ذلك كشف وجود ازمة انسانية علما ان رفض النظام السوري ايضا الوساطة السياسية التي قدمتها تركيا يندرج في هذا الاطار على قاعدة ان النظام يحل ازمته وقادر على انهائها من دون اي مساعدة يضطر في ظلها الى التنازل والمساومة.

والاشكالية بالنسبة الى لبنان ان وضعه حساس وصعب جدا من دون ان يعني ان ما يحدث في داخل سوريا لا يتفاعل على المستوى الشعبي في لبنان انطلاقا من علاقات القربى والصداقة. لكن لبنان لا يحتمل، أكان من داعمي النظام او من معارضيه، ما يمكن ان يتشظى به نتيجة تصاعد المواجهات في الداخل السوري وما يمكن ان تؤدي اليه. وفي الوقت الذي حمل من دافع بقوة عن وجود القوات السورية في لبنان على معارضي هذا الوجود بذرائع تتصل بان الشعبين اللبناني والسوري تربطهما عضويا علاقات القربى العائلية بحيث لا يمكن الفصل بين الشعبين، يجد هؤلاء انفسهم في شكل خاص مضطرين الى دعم النظام من دون الشعب او ما يتعرض له قسم كبير من هذا الشعب لاعتبارات مختلفة في خلاصتها عدم الرغبة في ان يجد هؤلاء انفسهم في مواجهة النظام او تركه من دون دعم وهو كان من داعميهم طوال عقود. كما وجد لبنان نفسه مضطرا الى اعادة جنود سوريين تضاربت الروايات في شأنهم بين ان يكونوا هربوا من الجيش السوري الى لبنان مما يمنع على هذا الاخير تسليمهم الى سوريا الا وفقا لقوانين دولية تتخطى الاتفاقات المعقودة بين البلدين الى جانب موضوع المروءة العربية الشهيرة التي تمنع تسليم من لجأ اليك للحماية مما يتعرض له، وبين روايات اخرى دخلت على الخط وافادت باضطرار هؤلاء الى العبور الى لبنان تحت وطأة الدفع الشعبي السوري النازح. علما ان الموضوع كان مثار بحث على اعلى المستويات. وهذا البحث لم يكن ليطرح في الاصل وفق مصادر معنية لولا صحة الرواية الاولى. وقد فهم لبنان على نحو جيد الرسالة في التعاطي مع الكويت من دون ان يكون في حاجة اليها فعلا، كما ان السلطات لم تستطع تأمين الحماية للقاء تضامني سلمي مع الشعب السوري تحت وطأة تهديدات بتجمع مضاد لم يخف نيته في المواجهة من أجل منع
حرية التعبير على نحو يشكل بدوره مؤشرا مقلقا للبنان من نواح متعددة.

فهل ينقسم اللبنانيون بين دعم الشعب ودعم النظام وفقا للاصطفاف السياسي الداخلي بين قوى 8 و14 آذار؟
لا تخفي المصادر السياسية المعنية وجود مخاوف لدى اللبنانيين من ابداء اي دعم للشعب السوري خشية تصدير الازمة الى لبنان او حتى خشية انتقامات. ولذلك يتحفظ كثر على التطرق الى هذا الموضوع او يتم تناوله بكلام مبدئي يبتعد عن التفاصيل اقله بالنسبة الى قوى 14 آذار في حين ان مواقف قوى 8 آذار وتحديدا "حزب الله" الصامت ينبغي الا تقل احراجا مع انهيار منطق الدعم للانتفاضات في المنطقة والقائل بأن الثورات العربية لا تطاول الدول الممانعة بل الدول الملتحقة بالولايات المتحدة وان هذه الثورات تنطلق من رحم الظلم الذي تواجهه الشعوب وليست مدفوعة من الخارج.

السابق
النهار عن أوساط ميقاتي: خطاب عون لن يغيّر في الواقع شيئاً
التالي
نرفض ضم الأردن والمغرب للخلي