نحو “جمعة زحف” مستمرة لفلسطينيّي الشتات

للثورات العربية صلة خاصة بيوم الجمعة. قد يُفهم المشهد من خلال لجوء المتظاهرين في جميع الدول إلى المسجد يوم الجمعة، لأنه مكان مشروع للتجمع بقصد الصلاة، ومن ثم الانطلاق منه نحو الاحتجاجات. وتبارى المتظاهرون في إطلاق التوصيفات لتحرك كل يوم جمعة. حصل ذلك في مصر وفي ليبيا واليمن والبحرين وسوريا، حتى صار يوم الجمعة الحدث بحد ذاته. فكيف إذا قرر الفلسطينيون اللجوء إليه بغية تحصيل حقوقهم في الأرض والعودة وتقرير المصير؟
الآن، ثمة نغمة عن استغلال الأنظمة والقوى السياسية لهذا الأمر، لتحقيق أهداف سياسية أخرى. قيل مثلاً إن دمشق، ومعها حزب الله، دعما تحرك 15 أيار في الجولان وجنوب لبنان بغية تخفيف الضغط عن الوضع الداخلي في سوريا. هذا صحيح من زوايا عديدة، لكن منتقديه يقولون اليوم للشعب الفلسطيني إن عليه الانتباه. والمشكلة هنا، أن المنتقدين يعطون لأنفسهم حق تشريع أيّ دعم يتلقاه المعارضون من أي دولة في العالم لإسقاط حكومات أو أنظمة، ويريدون أن يمنعوا الفلسطينيين حتى من استغلال حاجة سوريا لتحركهم في سياق مقاومة إسرائيل. وهو نقاش يعيدنا إلى ما قبل عام 2000 في لبنان، حين ظل فريق لبناني وعربي ودولي يقول إن المقاومة في لبنان هي أداة بيد سوريا. وعندما تحقق التحرير وانسحبت إسرائيل من معظم الأراضي المحتلة، لم يعلق هؤلاء. فإذا الصدمة تسيطر على وجوههم لأن الشعوب، المستغلة ـــــ بحسب منطقهم ـــــ قد نجحت في تحويل الاستغلال إلى فرصة قوية، واستخدموه للقيام بواجبهم في مقاومة الاحتلال وتحرير الأرض.

نحن الآن أمام مشهد مشابه. صحيح أن دمشق تبعث برسالة إلى إسرائيل وإلى الولايات المتحدة وأوروبا ودول أخرى، من خلال سماحها لآلاف اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بالسير نحو المناطق المحتلة في الجولان. لكن هذه الخطوة، معطوفة على ما حصل عند مارون الراس في جنوب لبنان، تحولت إلى معطى هو الأكثر جدية في هذه المرحلة من الصراع مع إسرائيل. وبالتالي، على الفلسطينيين أولاً، وعلى تيار المقاومة ثانياً، الاستفادة من هذه الفرصة لإدخال عنصر جديد على الاستراتيجية الخاصة بالمقاومة، يستند إلى تجربة الزحف يوم 15 أيار. وأول ما يمكن القيام به، إقرار أيام جمعة، قد لا تكون متتالية، لكنها متقاربة نسبياً، وتحويلها إلى «جمعات الزحف» باتجاه فلسطين، سواء من لبنان أو سوريا أو من الأردن ومصر.

أما الأمر الآخر، فيتعلق بالنتائج العملية على المستوى السياسي وغير السياسي لما حصل يوم 15 أيار. وهو صار في صلب النقاش القائم حالياً، ولا سيما عند إسرائيل من جهة، وعند المقاومة من جهة ثانية.
وفي هذا السياق يمكن ملاحظة الآتي:
أولاً: إن الصدمة في إسرائيل ليست ناتجة من فشل استخباري محدود، بل من فشل على مستوى تقدير خطوة الخصم أو العدو. وهو لا تفيد المعلومات فيه فقط؛ إذ إن العدو كان يعتقد جازماً بأن الرئيس بشار الأسد لا يجرؤ، نعم لا يجرؤ، على القيام بأي خطوة تتعلق بالجولان، وأن أكثر ما يمكنه القيام به هو الطلب إلى حزب الله في لبنان أو إلى الفصائل الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة، القيام بعملية إشغال للعدو من خلال نشاط عسكري أو أمني، ويكون هدفه البعث برسالة تحذير. لكن الذي حصل أن الأسد ذهب مباشرة إلى النقطة التي لا يتوقعها العدو، وقال صراحة، بلغة لم يعتدها كثيرون من سوريا، إنه مستعد للذهاب إلى الحد الأقصى إذا كان الأمر يتعلق بمؤامرة إنهاك سوريا داخلياً لإسقاط نظامه، وإنه يمكنه اللجوء إلى خطوات من النوع الذي يتعارض والصورة النمطية الثابتة في العقل الأمني والعسكري عند العدو حيال طريقة تصرف دمشق.

ثانياً: إن الرسالة بدت واضحة للخارج الذي تتهمه سوريا بأنه يلعب في داخلها، وهي تتحول تلقائياً رسالة إلى الداخل الساعي إلى إنهاك النظام أو إسقاطه، علماً بأن التطورات في المشهد السوري تشير إلى أن الحكم هناك قد تجاوز إلى حد كبير قطوع لعبة إسقاط النظام، وهو أمام فرصة جديدة لإعادة ترتيب بيته، لكن شرط إطلاق أوسع عملية إصلاحات جدية وعميقة.

ثالثاً: إن إعادة الاعتبار إلى حق اللاجئين الفلسطينيين في القيام بكل ما يرونه مناسباً لاستعادة حقهم في العودة وفي الأرض، مثلت اختراقاً كبيراً في الجمود الحاصل على جبهة الصراع مع العدو منذ سنوات. وهي أضاءت الأحمر في كل مراكز صنع القرار داخل إسرائيل وفي العواصم الداعمة لها. وبات على الجميع التوقع، لا التقدير، أنه يمكن اللجوء إلى تكرار مشهد 15 أيار في أي وقت، وفي المرات المقبلة سيكون صعباً استمرار إقفال جبهتي الأردن ومصر، رغم أن الجهة المعنية أكثر من غيرها بالأمر الآن، هي فريق «الإخوان المسلمين» الذي بدا في عالم آخر، فضلاً عن أن هذا النوع من التحرك يمثل رسالة إلى القوى الفلسطينية نفسها التي تذهب نحو اتفاقية قد يستغلها الغرب لإقفال ملف الصراع من دون تحقيق العودة. وهنا لا تعود أراضي الـ1967 كافية لمحاولة إقفال باب النزاعات كما تقول إسرائيل.

ثمة قواعد جديدة يجدر بالمهتمين متابعة عناصرها يوماً بعد يوم.

السابق
مدرسة تأهيل السمع والنطق في صيدا
التالي
قصير: دور القاعدة تراجع كثيراً