مدرسة تأهيل السمع والنطق في صيدا

الصم غرباء في عالمنا، إلى أن يتعلموا لغتنا منطوقة كانت أم مكتوبة، ونحن غرباء في عالم الصّم، إلى أن نتعلم لغتهم الإشارية، والغريب أياً كان حاله في الحياة يقف أمام خيار واحد، إما أن يتعلم لغة المجتمع الذي وجد نفسه غريباً فيه ويتكيّف معه، ويكوّن علاقات اجتماعية طبيعية، ويصبح فاعلاً نشطاً يؤثر ويتأثر، أو يبقى غريباً يقف على هامش مجتمعه بصمت يراقب ويترقب··

تمت مواكبة خطوات تدريس الصم، كما لقاء رئيس الجمعية الدكتور سعيد المكاوي، الذي شرح التفاصيل··

ارتبط التطور العلمي في مجال تربية وتعليم الصم بشكل وثيق بتطور النظرة نحو الصم، وإذا كان للصم لغتهم وثقافتهم الخاصة، وهي لغة الإشارة مثل لغتنا المنطوقة، فإن التوجهات كانت تنظر إلى الصمم كحالة طبية، بينما التوجه الأكثر حداثة والسائد في العالم حالياً، النظر إليهم كإختلاف وكحالة ثقافية·

لقد تمت العودة إلى استخدام لغة الإشارة في تدريس الصم، ولكن بطرق مختلفة، حيث لم تستخدم لغة الإشارة بشكلها الأساسي، بل تم تطويعها وتغيير بعض قواعدها لتناسب اللغة المنطوقة، وهذا ما فعلته "مدرسة تأهيل السمع والنطق" التابعة لـ "جمعية رعاية اليتيم" في صيدا·

 الدكتور سعيد المكاوي، أشار الى "أننا أعددنا فريق عمل متخصص للعمل مع الأولاد الصم، متخرجين من الجامعات التربوية وإخضعناهم لدورة تدريبية خاصة لها علاقة بكيفية التعامل مع الطفل الأصم والتواصل معه، فنحن نستقبل الأولاد الصغار، ونضع أملنا فيهم، ونواكبهم ونتدرج معهم من التدخل المبكر، كما نستقبل حديثي الولادة ما بين 3 أو 4 أشهر الى سنة، ونتواصل معهم عبر جلسات خاصة، هي عبارة عن جلسات نطق وعلاج نفسي حركي وإرشاد وتوجيه للأهل من قبل إخصائية إجتماعية، ونتابع مع الأهل كما نتابع الأولاد على ثلاث سنوات، وبعدها يتأهلون للدخول إلى الصف، فالعمل مع الأولاد الصغار يكون أسهل وأنتج من الذين هم في عمر متقدم"·

لغة الإشارة وأوضح "أن الأولاد الصم لدينا ليس لديهم إعاقة عقلية، نحن نعلمهم بطريقة أكاديمية عبر الكتب الدراسية مثل المدارس العادية، سواء في الحضانة أو الروضات أو الصفوف الأخرى، نكبر معهم ويتجاوبون معنا بشكل عادي، عندنا حالات لديها مشاكل إجتماعية ونفسية تؤثر عليهم، ولكن ليس هناك مشاكل عقلية، لذلك التجاوب طبيعي، وهناك 5 أو 6 أولاد يتجاوبون أكاديمياً، ونشعر أن حالتهم صعبة قليلاً"·

وأشار الى "أن كل صف يضم 10 أولاد وأحياناً نضطر الى فتح صف جديد، إذا زاد العدد عن ذلك، وفي العموم هناك 48 ولداً يتوزعون على الصفوف من الحضانة الى الثالث إبتدائي، ونقوم بافتتاح صف جديد كل عام ليواكبهم، إضافة الى التعليم المهني، وهم يتعلمون "كومبيوتر، إحصاء، فندقية، صف أكاديمي وأشغال يدوية"·

وأكد "إننا نتعامل معهم بلغة الإشارة، هي لغة الأم إجمالاً، لكن نحن تعلمنا لغة الإشارة الموحدة اللبنانية، وليست العربية، كما نعمل أيضاً باللغات العربية والإنكليزية، فجميع المواد إجمالاً بالإنكليزية (الرياضيات والعلوم)، أما القراءة والإملاء والقواعد، فهي باللغة العربية والباقي بالإنكليزية"·

 وأضاف: لقد افتتحنا المدرسة في العام 1978، وبقيت تواصل مسيرتها الى العام 2005، حيث بدأنا نطوّر التدريس فيها ليواكب العصر والتكنولوجيا والمعلوماتية، واستعنا بإخصائيات ومربيات، ووضعنا برنامجاً متكاملاً يجمع بين الشق التربوي والنفسي والتطبيق العملي، الآن الأولاد يأخذون جلسات فردية، وقد أدخلنا على صف السمع والنطق حصة خاصة بالطفل الأصم ثلاث مرات في الأسبوع غير الجلسات الفردية، نعمل في صف السمع والنطق وفقاً لعمر الولد وحاجته، أولاً نبدأ مع أصوات طويلة وخفيفة، بعد ذلك على الكلمات، ثم كيف نرتب جملة، وهذا يأتي وفق الولد وتطوره، فالنطق هي حصة خاصة·

وأردف: كما أدخلنا تطوراً جديداً تمثل باستخدام آلة FM، أحضرناها في العام 2009، يوجد منها مع كل الأولاد في كل صف، وهي تساعدهم على أن تصلهم المعلومات بشكل أوضح، فهي مثل الـ "Wireless" مبرمجة، وهناك "مايكروفون"، الـ FM مبرمجة ولديها رقم معين على السماعة·

وأمل الدكتور المكاوي "أن نصل مع الأولاد إلى مرحلة "البريفيه"، على الرغم من أننا نواجه صعوبات الصفوف العليا، فالعام الدراسي مختلف، الحضانة والروضة تكون كالسنة الدراسية العادية، أما صفوف الأول والثاني الابتدائي، فإنها تأخذ وقتاً أطول، لأننا نستعمل وسائل تربوية غنية جداً تعتمد على كل شيء ملموس، لكي تصل المعلومة الى الأولاد بشكل صحيح، ولا يُمكن أن نعطيهم شيئاً لم يروه، ولذلك نأخذ وقتاً أطول، وذلك يحتاج الى جهد أكبر"·

 وأوضح "أن الرسوم المدرسية تدفعها "وزارة الشؤون الاجتماعية"، إذ وقّعنا معها عقداً لتغطية الكلفة، أما الأولاد الفلسطينيين فإن "الأونروا" تتكفل بهم، أي أنه لا مشكلة مع الأولاد وذويهم المسجلين لدى الوزارة أو "الأونروا"، أما غير ذلك فتكون الرسوم على نفقتهم الخاصة، إضافة الى القرطاسية والكتب وكل الاحتياجات الأخرى"·

وختم المكاوي: المدرسة غير مجانية، صحيح أن أوضاع الناس الإقتصادية والمالية صعبة، ولكن من يريد التسجيل عليه تأمين المبلغ، وفي بعض الأحيان يقصدون فاعلي خير ليدفعوا لهم التبرعات، أما إذا كان فلسطينياً، فإن "الأونروا" تتكفل بالرسوم، ولكن لديها عدد معين من الأولاد فقط، إذا أتى ولد في نصف السنة لا تستطيع "الأونروا" أن تقدم كتاباً للإدارة من أجل قبوله، لذلك يترك إلى أول العام الدراسي، من أجل ذلك يكون هناك وقت لكي تقبله "الأونروا" مرة أخرى، وذات الأمر مع الوزارة·

السابق
القنصل خليفة كرّم لجنة الطوارىء اللبنانية
التالي
نحو “جمعة زحف” مستمرة لفلسطينيّي الشتات