فضيحة العصر

بشغف شديد، يتابع العالم كله أخبار فضيحة رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس ـ كان، التي يمكن أن تصبح يوما ما رواية القرن التي تجمع مختلف عناصر الاثارة والتشويق: الجنس، السياسة، الدين، المال، العرق.. وتقدمها معا في المدينة الحرام بالذات، نيويورك.

التدقيق في الصور الاولى التي نشرت لستروس – كان غداة اعتقاله بتهمة الاعتداء على خادمة فندق، يثير بعض الشفقة على الرجل المحطم الذي كان يحمل احد مفاتيح النظام المالي العالمي، وكان يملك فرصة تغيير مسار السياسة الفرنسية والاوروبية وربما الدولية، فصار مكبلا، مرميا في السجن مع اللصوص والمجرمين.. لكنه شعور سرعان ما يزول ويفسح المجال للتشفي بعد التثبت من أنها صورة لمريض نفسي، تسلل من دون استحقاق الى المواقع الاولى في صناعة القرار الاقتصادي والسياسي في العالم كله.

في الرموز وهي مستمدة من الوقائع الثابتة، ثمة رجل ستيني يعتدي على امرأة ثلاثينية، مستغلا موقعه وثروته، منتهزا مكانتها الضعيفة ووظيفتها المتدنية. هو رجل ابيض ينتهك امرأة سوداء. ولعل القاضية الاميركية التي رفضت إخلاءه بكفالة مالية ضخمة بلغت مليون دولار، أخذت في الاعتبار هذه العناصر الاجتماعية للجريمة، وقررت أن تنتصر لبنات جنسها وربما ايضا لذوات البشرة السوداء المعرضات للخطر في كل مكان.
وفي الرموز التي لا يخطئها أحد، ثمة رجل يتحكم بمصير شعوب كاملة، ويستطيع ان يحدد لها نوع غذائها وشكل ثيابها وطبيعة سلوكها، ولعله ايضا يتمتع بهذا الدور المتسلط الذي يمكن ان يؤدي الى إشعال الاضطرابات في الكثير من الدول الفقيرة أو النامية، الى إطلاق التظاهرات الشعبية وإسقاط الانظمة السياسية. وهناك أكثر من دولة، أهمها اليونان والبرتغال وايرلندا، تنتظر توقيعه لكي تحصل على قرض مالي عاجل يجنبها الانهيار والافلاس. وليس من الصعب التكهن بمشاعر شعوب تلك الدول وحكوماتها إزاء الفضيحة، وبما يروج عن مؤامرات تستهدفها، أو تهدف الى تعطيل المؤسسة الاهم في ضمان الاستقرار النقدي العالمي.

وفي آخر الرموز، وربما أقلها شأنا، ثمة رجل يهودي الاصل يعبر عن صلفه على كل من هم دونه شأنا، وقد بلغ الحد الاقصى الذي لم يعد يحتمله أحد. كان اختياره نيويورك بالذات آخر أخطائه. جرأة الخادمة في التصدي له ثم في رفع الدعوى عليه، التقت مع شجاعة القاضية التي رفضت التماسه الخروج بكفالة، وأطلقت كل ما في تاريخه من قضايا عالقة لنساء تعرضن للاعتداء من مهووس جنسي، مزواج مطلاق، يهوى الاساءة الى أي امرأة تقترب منه.
لعلها مجرد مبالغات، لكنها لا تنفي حقيقة ان فرنسا كلها شعرت بالصدمة والمهانة لرؤية ممثلها الابرز في النظام العالمي ومرشحها الاهم لخلافة الرئيس نيكولا ساركوزي في قصر الاليزيه، يساق الى السجن بهذه الطريقة، ويعامل كمجرم حرم حتى من قرينة البراءة، التي يفترض ان تشفع له أو على الاقل ان تحول دون إذلاله على هذا النحو.
لعلها ليست أكثر من مؤامرة حيكت في عدد من قصور الرئاسة وبيوت المال. لكن الضحية لا تستحق العطف، والفضيحة لا تستدعي سوى المتابعة المشوقة.

السابق
سوريا:المؤامرة اختارت “الشعب الخطأ والبلد الخطأ”
التالي
الممانعة الصفوية انتظرت زحفاً “فاطمياً” فأتاها ما لم يكن بالحسبان!