صادق جلال العظم: حزب الله وحماس بقية حركات التحرر

رسم المفكر صادق جلال العظم من على تلة «سيدة البلمند» أمس، وبحضور سياسي وثقافي متنوع في «فوروم عصام فارس» في حرم «جامعة البلمند»، لوحة للحكم الاسلامي في العالم ضمّنها نماذج مختلفة عن الاسلام، بعقائد الدستور القرآني، وولاية الفقيه، والتكفير والتفجير، والاعتدال، وإسلام «البزنس»، مطعّماً لوحته بنموذجي «حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية»، معتبرا أنهما «يشكلان البقية الباقية من حركات التحرر العربي»، من دون أن ينفي «صلة القرابة بينهما، وبين الإسلام التكفيري والتفجيري، انطلاقا من تاريخهما في العمليات الاستشهادية وخطف الرهائن الأجانب».

ونظر المفكر العظم من بعيد، وعبر لوحته إلى الإسلام التركي من خلال «حزب العدالة والتنمية»، معتبراً أنه «اسلام يعرف من أين تؤكل الكتف، وهو حافظ على مكونات المجتمع التركي كلها». وقال العظم في مداخلته: «هناك الإسلام الرسمي للدولة، وهو الإسلام القوي المدعوم بالأجهزة وبالبترودولار. ونجد نموذجاً منه في السعودية وعقيدته الأساسية هي أن القرآن دستور. وهناك نموذج آخر نجده في إيران وعقيدته الأساسية هي ولاية الفقيه. ويمكن القول إنه منذ ما يقارب ربع قرن كل دولة من دول العالمين العربي والإسلامي طوّرت لنفسها نسخة مناسبة وطبعة ملائمة «لإسلام الدولة» تستعملها في خدمة مصالحها، وفي تعطيل مصالح دول منافسة أو مهاجمتها، وهذا ينطبق على مصر وسوريا والسودان والجزائر».

أما الجانب الثاني، فهو الإسلام على الطرف البعيد من إسلام الدولة الرسمي، وهو «إسلام التكفير والتفجير، أو كما يسمونه الإسلام الإرهابي، أو الأصولي الطالباني العنيف. وقد ترجم ذلك الإسلام في العام 1979، عندما قدم جهيمان العتيبي ومجموعته عملاً مشهدياً هائلاً تمثل باحتلال الكعبة. ومن ثم بما عرف بالطليعة المقاتلة في سوريا في أوائل الثمانينيات، فضلا عن إسلام بن لادن والقاعدة». وأضاف العظم إليها «في المنتصف إسلام الطبقات الوسطى، أي إسلام الأسواق المعولمة أو إسلام «البزنس» وهو إسلام المجتمع المدني، وهو الذي يطفو على السطح في حالات الأمن والاستقرار، وهذا الاسلام يكون معتدلا ومحافظا وله مصلحة حيوية بالاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي، وهو غير الإسلام المهووس بالمشركين، والكفار، والمرتدين، والمجوس، والزنادقة، والمنافقين، والروافض، والنواصب، وأحفاد القردة والخنازير. وهو لا يهتم كثيرا بأمور تطبيق الشريعة لا سيما لجهة قانون العقوبات، ويميل في الوقت نفسه الى التسامح بالشكل العام».

وسأل المفكر العظم: «ما هو موقع حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية من هذه اللوحة؟ إن العمليات الاستشهادية لحماس وعمليات خطف الرهائن التي كان ينفذها حزب الله في بدايته تربطها صلات قربى بالاسلام التكفيري والتفجيري». ثم قدم العظم اجتهاده في المسألة، فأشار إلى أن «حزب الله وحماس يشكلان اليوم البقية الباقية من حركات التحرر الوطني، التي عرفها القرن العشرين في العالم عموماً، وفي العالم العربي تحديدا. لكن مع انحدار مذهبي ضيق الى مستوى أدنى بكثير من المستوى الوطني الرحب، وبنزول طائفي متزمت تحت خط كل معنى من معاني التحرر المعروف، بما فيها تحرر اجتماعي واقتصادي وثقافي وغيره، لكن في الوقت نفسه يناضل التنظيمان من أجل أهداف رسمية محددة جيدة وقابلة من حيث المبدأ للتحقيق وعلى رأسها تحرير أرض محتلة، واعتراف العالم أجمع كما يحصر التنظيمان بدقة كفاحهما المسلح في الساحتين المحليتين المعنيتين ولا يهاجمان عنفياً سوى دولة الاحتلال على عكس الاسلام التكفيري. فكما تربط بينهما صلات قربى هناك الكثير من الفوارق والتحفظات في توصيف حالة حماس وحزب الله اللذين يتمتعان بقاعدة جماهيرية كبيرة ومنظمة كثيراً. وذلك لا ينطبق بتاتا على إسلام التكفير والتفجير».

وأكد العظم أن «حزب الله وحماس لا يمكن أن يرتقيا إلى مستوى حركة تحرر وطني، بسبب انتمائهما المذهبي الصافي، والايديولوجيا الطائفية الخالصة لكل منهما، بينما حركات التحرر الوطني تتطلب نسبة عالية من العلمانية المحايدة دينيا، وطائفيا، وطبقيا، بحيث تكون حركة لكل شعبها تمهيدا لمجتمع ودولة وبلد تكون هي أيضا لكل مواطن من مواطنيها». ورأى العظم أنه «تم اختراق المشهد الاسلامي اليوم من جانب عنصرين أساسيين، أولا، الانتفاضات الحاصلة حاليا في عدد من الدول العربية، والتي يصعب معرفة مآلها وآثارها على أشكال الاسلام، وثانيا الاسلام السياسي التركي الذي نجده في حكم حزب العدالة والتنمية». ونظر العظم من خلال لوحته الاسلامية إلى المشهد التركي، فأشار إلى «حزب العدالة والتنمية يصف عقيدته بالديموقراطية المحافظة»، لافتا إلى أنه «من علامات النجاح البارزة التي تسجل لإسلام حزب العدالة والتنمية، أن النزعة المحافظة عنده لم تبدد نفسها كما جرت العادة مع حركات كهذه في أمور سطحية مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولم تبدد طاقاتها في مسائل مثل الملبس، والمأكل، والمشرب، والمذهب، والمسبح، والمسلك اليومي للناس، بل اهتمت بشيء آخر، وهو المحافظة الايجابية المتأنية على مؤسسات الدولة التركية الكمالية والعلمانية».
وعرض العظم «للمميزات التركية التي عمل إسلام حزب العدالة والتنمية على المحافظة عليها، وذلك لجهة الحفاظ على المجتمع المدني التركي بكل مكوناته، وعلى المستوى المتقدم نسبيا الذي بلغته تركيا في ممارسة ديموقراطية المواطنين وتطبيق إجراءاتها وإن كان بنسبة لا تتعدى الـ60 بالمئة، وذلك بدلا من ديموقراطية المذاهب والعشائر وديموقراطيات الـ99 بالمئة».

السابق
افتتاح المعرض الحرفي التراثي اللبناني الفلسطيني
التالي
الراي: الأزمة الحكومية… مفتوحة في لبنان