رسالة نصيّة تهدّد عشرات قضاة الجزاء بالقتل

لم ينم عشرات القضاة ليل أول من أمس، برغم أن كثيرين منهم آبوا إلى أسرّتهم باكراً بسبب كثافة الشغل والملفّات الجنائية المحالة عليهم، حيث يكون كيل قوس المحاكم ممتلئاً، إلا أن سبب القلق والأرق أتى من رسالة نصيّة موحّدة الكلمات، ومرسلة من رقم هاتفي واحد، تهدّدهم بالقتل وتنذرهم بالويل والثبور وعظائم الأمور. وإنْ أسعفتهم العناية الإلهية بالبقاء أحياء، فالتهديد لا يوفّر عائلاتهم، لا الزوجة ولا الأبناء والبنات، وكأنّ الفاعل يعرف تفاصيل حياتهم ومعيشتهم وليس أرقام هواتفهم التي بدت للوهلة الأولى مشاعاً في زمن التعدي على الأملاك العامة والمشاعات.
كلّ قاض ظنّ أنّ الرسالة خاصة به وموجّهة إليه وحده، لكنّ صاحبها أرادها جماعية بحيث لا تقتصر على قاض واحد من محكمة الجنايات، ولا على قاض واحد من المدعين العامين ومساعديهم المحامين العامين، كما أنّ مخزون ذاكرته استخرج قضاة لم تعد لهم أيّة علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالقضايا ذات الصبغة الجنائية والتي تكون عادة دسمة وتحرّك فضولية الناس، بل صاروا في مراكز أخرى بعيدة كلّياً عن محاكم الجنايات والهيئات الاتهامية، كما هي حال رئيس هيئة التفتيش القضائي أكرم بعاصيري، ورئيس مجلس شورى الدولة شكري صادر على ما انتشر الخبر في العدلية.
والغريب أنّ مرتكب هذا الجرم الجديد، أرسل رسالته الواضحة من رقم هاتفي واحد، بحيث ظهر رقمه بشكل عادي على الشاشة، وكأنّه يتحدّى ولا يخاف، فيما التزمت السلطة الثالثة، بدءاً من وزيرها المحكوم بتصريف الأعمال إبراهيم نجّار، الصمت المطبق ولم تحرّك ساكناً. فالأمر جرم جنائي، وله تداعيات مستقبلية مخيفة، ولا تنحصر نيرانه بتعطيل جلسات ومحاكمات.. فالأخيرة تصبح ثانوية أمام التهديد، خصوصاً أنّ هناك شهية مفتوحة على إرجاء الجلسات لأسباب مختلفة بعضها للقضاة علاقة به، وبعضها الآخر للمحامين ضلع فيه، وبعضها الآخر لأصحاب الملفات أنفسهم، لأنّ لا مصلحة لهم في نيل الحكم أو الخروج من السجن حيث المنامة والطعام والماء والكهرباء مؤمّنة طوال ساعات اليوم.
وفي تفاصيل ما حصل، أنّه قرابة الساعة الواحدة من بعد منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء، انهمرت رسائل نصيّة بنكهة تهديدية وكلمات موحّدة على عشرات هواتف قضاة محاكم الجنايات والهيئات الاتهامية والمدعين العامين في بيروت وجبل لبنان تحمل العبارة التالية: «أولادنا حياتهم بالسجن، انتو وخارجين من العدلية واحد واحد لنقتلكم اذا بتنفتح جلسة من هلأ ورايح، اعتبروا انتو وعيلكم رح تنقتلوا، حيلا جلسة بتنفتح بتكون عربون لحياتكم».
وطبعاً، حمل القضاة الرسالة على محمل الجدّ، وانتظروا طلوع الضوء وتباشير الصباح حتّى يبنوا على الشيء مقتضاه الحقيقي، فأبلغوا أهل السلطة الثالثة الموجودين منهم في لبنان والمسافرين إلى الخارج، وأرجئت معظم الجلسات المدرجة على جداول المحاكم المعنية ليس نزولاً عند طلب المهدّد أو المهدّدين، سواء أكان فرداً أو جماعة، بل لبحث المسألة بعقل وبعيداً عن لغة التحدّي، خصوصاً أنّ السياسيين غير قادرين على حماية أنفسهم فكيف الحال بالقضاة..
وبسبب وجود مدعي عام التمييز سعيد ميرزا خارج البلاد، وهو يرأس مجلس القضاء الأعلى بالوكالة مؤقتاً بانتظار اكتمال حكومة نجيب ميقاتي وتعيين رئيس أصيل، تعذّر على هذا المجلس الالتئام وبحث خطورة ما تعرّض له القضاة بجدّية.
وتطرح الرسالة النصية أسئلة كثيرة، إذ كيف يمكن لأرقام القضاة أن تكون مباحة؟ وهل صحيح أنّ صاحب الرقم الذي ترك رقمه يظهر بوضوح على الشاشات، هو نزيل في سجن رومية المركزي؟ ولماذا لم تتمكّن القوى الأمنية من ملاحقة صاحب الرقم واكتشافه بالسرعة القصوى التي اعتادت فيها على تفكيك شبكات التجسّس الإسرائيلية؟
أمّا قضاة لبنان فيأملون أن يبقوا بخير.. ولكن قبل كلّ شيء، أن يبقى وطنهم بخير وألاّ يتوسّع بيكار الانفلات الأمني بهذا الشكل المرعب.

السابق
لقاء الأيوبي ـ سرتي: لا جريمة منظمة في الجنوب
التالي
هيفاء وهبي “تكشف” فساد مصر قبل الثورة