رسالة الى اللاجئين

في كل ما يتعلق بالعلاقات العامة تنجح أموركم على نحو خاص. فخلال عقدين، تحت سيطرة مصر والاردن، لم يعرف العالم عن "النكبة". كان في الاردن حظر تذكارها. وفي مصر نسوها. وتغيرت الصورة في العقد الأخير. فقد أصبحت "النكبة" رأس الحربة في الحملة الاعلامية لشيطنة دولة اسرائيل.

يسألوننا نحن الاسرائيليين كيف لا نستطيع إبداء عطف على الشعب الفلسطيني الذي يتذكر كارثته؟ هذا سؤال ممتاز. لو أن أحداث "النكبة" كانت من اجل تذكر المأساة لكان هناك مكان للعطف. بيد أن الامر ليس كذلك. لان عند جميع المحتفلين والمشاركين في الأحداث من حدود لبنان وسوريا الى المتظاهرين داخل يافا هدفا مشتركا واحدا هو خراب دولة اسرائيل.

وقعت كارثة عرب فلسطين الانتدابية لان المؤامرة فشلت. كان فوزي القاوقجي، والمفتي الحاج أمين الحسيني وعزام باشا الأمين العام للجامعة العربية – وهم ثلاثة من كثيرين – متحدين على أمر واحد هو القضاء على دولة اسرائيل التي كانت قد نشأت من قريب. الاثنان الأولان القاوقجي والمفتي شايعا العقيدة النازية تماما. فقد قضى كلاهما وقتا في برلين وكانا من أنصار هتلر. هُزمت المانيا النازية لكنهما استمرا في تنمية فكرة القضاء على اليهود.

ويطلبون الآن منا المشاركة في أساهم. يا لهم من مساكين. لم يتحقق حلم الابادة ويفترض أن نذرف دمعة. لم يحظ خراب المانيا النازية وملايين المقتلعين الذين طُردوا اليها بأي مهرجان أسى. كانت احتفالات العالم الحر الديمقراطي تذكارا بالنصر على المانيا النازية. ليس هناك أي مهرجان لتذكر "النكبة" التي أوقعتها قوات الحلفاء بالمانيا.

ليس جميع عرب فلسطين الانتدابية شايعوا القاوقجي أو المفتي. لكن عرب فلسطين الانتدابية مثل ملايين الالمان الذين جربوا الخراب والاقتلاع بالضبط، جرت عليهم تجربة شعورية مشابهة. فهؤلاء واولئك ضحايا قيادة مجنونة تمسكت بعقيدة عنصرية ونازية. وقد اعتقد هؤلاء واولئك ان اليهود لا حق لهم في الوجود، لا أفرادا ولا شعبا. وقد دفع هؤلاء واولئك ثمنا فظيعا رهيبا.

غير أنه يوجد فرق عظيم. فالهوامش المجنونة فقط في اوروبا تتذكر الهزيمة النازية باعتبارها يوم حداد. اولئك هم النازيون الجدد. وليس الامر كذلك في العالم العربي. فقد أصبحت الهزيمة المسماة "نكبة" قوة صائغة دافعة. لا من اجل استنتاج الاستنتاجات ولا من اجل ان يقولوا "اخطأنا". ولا ليعبروا عن أسف لدعوات الابادة. ولا ليفتحوا صفحة جديدة من المصالحة والسلام. بالعكس. إن "النكبة" هي القاسم المشترك بين اولئك الذين يريدون الاستمرار من النقطة التي فشل عندها المفتي والقاوقجي، بالضبط. يُسمون ذلك احيانا "حق العودة"، لانهم سيجدون دائما أغبياء من معسكر خطاب الحقوق. لكن يبدو ان اليد المنظمة تشهد على ما حدث أول أمس: فقد جند أنصار الاسد وخالد مشعل واحمدي نجاد ونصر الله أنفسهم لتحقيق الحلم القديم.

دولة اسرائيل مؤلفة كلها من لاجئين. يجب على كل اسرائيلي ان يشعر بعطف على اولئك الذين أصبحوا لاجئين، حتى لو كانوا لاجئين بسبب قادتهم. غير أنه يوجد فرق عميق جدا بين العطف على المعاناة واللجوء وبين العطف على حملة دعائية مبنية كلها على القضاء على دولة اسرائيل. لم يكن في الحملة الدعائية كلها التي تُجرى حول عِجْل "النكبة" تعبير واحد فيه قطرة واحدة من الندم على الرفض ولا ملليمتر واحد من انتقاد الذات، ولا تنديد واحد بالقادة الذين أيدوا القضاء على اليهود. لا شيء. لا شيء ببساطة. هل عندكم الوقاحة ان تطلبوا الى الاسرائيليين "العطف على المعاناة".

برغم الجنون الذي شاهدناه، في المظاهرة داخل يافا وعلى حدود سوريا ولبنان، يجب أن نُبين للفلسطينيين قائلين: اذا كنتم تتجهون الى السلام فستجدون في اسرائيل شركاء كثيرين. واذا كنتم تتجهون الى انشاء دولة الى جانب اسرائيل لا مكان اسرائيل، فيوجد ما يُتحدث فيه. لكن اذا كنتم تتجهون الى وهم "حق العودة"، فستجدون بيننا قلة قليلة من المجانين الذين يؤيدونكم. لكن أكثرية مطلقة من الاسرائيليين، من اليسار واليمين، سيقومون مثل سور حصين ليصدوا هذه الحملة الدعائية المجنونة. جربتم مرة واحدة فأصبحتم لاجئين. فمن أجلكم ومن أجلنا لا تحاولوا مرة اخرى.

السابق
الثورة تدق الابواب
التالي
حاخامات يهود: على اوباما تصفية مساعى اقامة الدولة الفلسطينية