خطوة لليمين، خطوة لليسار

مسرحية الحماسة التي تحبس الانفاس لبنيامين نتنياهو سجلت أمس فصلا اضافيا في مقر الكنيست. فقد نجح رئيس الوزراء في أن يغمز اليسار ويلوح الى اليمين دفعة واحدة. من اليسار، يمكن لدان مريدور، ايهود باراك وشمعون بيرس أن يكونوا راضين. فها هو نتنياهو لاول مرة في تاريخه يفصل صيغته للسلام، خريطة الدولة الفلسطينية المستقلة التي يبدي الاستعداد لاقامتها. فكيف وصلوا الى ذلك؟ ببساطة، عن طريق الاستبعاد: في اللحظة التي يقول فيها نتنياهو ان الكتل الاستيطانية ستبقى بيد اسرائيل في التسوية المستقبلية، فانه في واقع الامر يقول، كما يعتقدون، بان كل ما ليس في الكتل، سيذهب.

ولكن، وهنا تأتي لكن كبرى، سارع نتنياهو الى التعديل. عندما توجهت اليه تسيبي حوتوبيلي، فور الخطاب، شرح لها بانه لم يقصد، لم يقل انه سيخلي المستوطنات وانه بالاجمال عرض المواقف التي يستعد الجمهور الى رص الصفوف حولها. هذا ليس أنا، يقول نتنياهو، هذا هم (الشعب). انا لست مذنبا. لا تفككوا لي الائتلاف، ارفعوا شكواكم الى الجمهور.

وبتعبير آخر: قفز نتنياهو مرة اخرى الى الروبيكون، ومرة اخرى سارع الى التنكر والى تسلق الضفة التي وصل منها بسرعة. إذن صحيح. الصيغة التي عرضها أمس في الكنيست تشكل سابقة. قول هام مع آثار غير بسيطة. ولكن عندما قرر ارئيل شارون اخلاء مستوطنات كان يجلس في كتلة الليكود، وجه نظره الى النواب، قال لهم الحقيقة في وجههم وتلقى ما كان ينبغي له أن يتلقاه. في دور تسيبي حوتوبيلي كانت في حينه غيلا غمليئيل التي شتمت وسبت شارون، عن حق حسب فهمها، ولكنه لم ينزل نظرته. اما نتنياهو، خلافا لشارون، فغير قادر على أن يوجه نظرته باستقامة. غير قادر على ان يتحدث ببساطة وبشكل غير مباشر. هو لا يتحدث بشارونية، بل ببيبية. انه يريد أن يقول والا يقول في آن واحد. ان يوافق وان يرفض. ان يرضي البراكيين (اوباما وايهود) ولكن الصاخبين (ليبرمان وبيغن) ايضا. من جهة ها هي دولتي الفلسطينية، تعيش الى جانب اسرائيل ومن جهة اخرى لا يوجد مع من يمكن الحديث. هم يريدون عكا ويافا. وهكذا فان الجميع، كما يأمل، سيواصلون كونهم راضين.

إذن هذا هو، لا. في الاونة الاخيرة يتحدث الفلسطينيون عن اقتراح جديد. وهذا لا يزال غير رسمي ولكنه يهمس به في اروقة عديدة، في اوروبا وفي واشنطن على حد سواء. حسب الفلسطينيين، اذا وافق نتنياهو على تجميد البناء في المستوطنة لثلاثة اشهر، والتوجه الى المفاوضات على اساس اراضي 67، فانهم، من جهتهم، مستعدون لتأجيل "مبادرة الاعلان في ايلول" بثلاثة اشهر. مفاوضات الان، ايلول، اذا كانت حاجة، فلاحقا. اذا كانت المفاوضات حقيقية وتحقق فيها تقدم، إذن لا يكون ايلول. لا اعتراف احادي الجانب من الامم المتحدة، لا مسيرة مئات الالاف الى الاقصى (حالا سنعود الى ذلك)، وتوجد محادثات سلام.

هذه هي الفرصة الاخيرة لبنيامين نتنياهو، لترميم مصداقيته ولاعادة نفسه الى الساحة الدولية. اذا ما شرع في مفاوضات حقيقية، اذا ما انكشفت هناك مبادرة اسرائيلية حقيقية، فالدولاب يمكن ان يتحول. الفلسطينيون سيفجرون ذلك في سياق الطريق بسبب حق العودة وسيفقدون عالمهم والعالم. فهل نتنياهو مستعد لذلك؟ هو لا. من أجل هذا يحتاج المرء الى خصيتين، ليستا عنده. ولكن حقيقة أن لديه امكانية لتأجيل ايلول ولا يتجرأ على أن يستغلها ستنزع منه امكانية أن يقول بعد ذلك انه لم يكن بديل. وان العالم كله اتحد خلف الفلسطينيين لانه لم يكن ممكنا منع ذلك. إذ يمكن منع ذلك بجهد طفيف نسبيا. صيغة نتنياهو، كما عرضت امس في الكنيست، ليست بعيدة كثيرا عن "اراضي 67".

في موضوع غور الاردن، يقول الدان مريدوريون، نتنياهو لم يتحدث عن سيادة اسرائيلية، بل عن "تواجد عسكري بعيد المدى". هذا موضوع يمكن ترتيبه مع الفلسطينيين، مضاف الى ذلك ضمانات دولية. الكتل الاستيطانية؟ هي تندرج في اسرائيل حتى حسب اولمرت وتسيبي لفني. إذن اين المشكلة؟ قل "دولة فلسطينية في المناطق تساوي مساحة 67، بما في ذلك تبادل الاراضي، في ظل ابقاء الكتل الاستيطانية الكبرى في اراضينا"، وانزل الجميع (وبالاساس انزلنا نحن) عن الشجرة. هذا، هو غير قادر على ان ينتجه. رعب بيني بيغن، رعب حوتوبيلي، وبالاساس الظل الثقيل المعيق لافيغدور ليبرمان يشل نتنياهو بخوف مميت. وهو يفضل مواصلة السير في مسار ذبح العجول من أن يقف امام المقصلة.
المعركة لا تزال تدور. يجب قول كلمة طيبة لدان مريدور، الذي لا يخفف الضغط. من ناحيته قول نتنياهو امس هو خطوة ذات مغزى في الاتجاه الصحيح. المشكلة هي أنه اذا لم تأتي بعد هذه الخطوة خطوات اضافية، فاننا لا نكون فعلنا شيئا. بقينا في ذات المكان، مع قدر أقل من الاوراق في اليد. والساعة تواصل التكتكة. "مشروع النكبة" الذي وقع اول امس يجسد كم هو الوضع حساس. لم يولد بعد رجل الاستخبارات الذي يمكنه أن يتنبأ من أين ستأتي مسيرة الجماهير القادمة. في السلطة الفلسطينية يتسلون بفكرة الخروج، فور الاعتراف في الامم المتحدة، في مسيرة سلام جماهيرية. مائة، مائتا الف مشارك، من رام الله الى الاقصى. وهم سيأتون باياد مكشوفة، مع باقات ورد. ماذا سنفعل؟ سنطلق النار عليهم؟ لا يدور الحديث عن وضع يأتي فيه جموع من سوريا او من لبنان فيمسون بسيادة اسرائيل. هنا يدور الحديث عن دولة تم للتو الاعتراف بها في الجمعية العمومية للامم المتحدة، بالضبط مثلما اعترفت بنا في 29 تشرين الثاني. السيادة، في هذه الحالة، هي فلسطينية. وعليه، فان ضباطنا وجنودنا سيعرفون بان فتح النار سيكون جريمة حرب حسب كل قانون.

هذه السيناريوهات تطرح تقريبا في كل المداولات الامنية التي تجري مؤخرا بين القيادة السياسية والعسكرية. ولماذا فقط الاقصى؟ غداة الاعلان في الامم المتحدة يمكن ان ينهض عشرة الاف فلسطيني في نابلس وينطلقون برئاسة سلام فياض، مثلا، الى مسيرة باتجاه ايتمار. بدون سلاح. فما العمل؟ هيا نصلي لان يعرف نتنياهو ما العمل. المؤكد هو أن بعد ذلك باراك سيقول ان الجيش سيدرس الخلل وسيستخلص الدروس.

السابق
مهرجان رياضي تراثي في دير قانون النهر
التالي
الثورة تدق الابواب