حوادث الشمال والجنوب في ميزان الجيش

"بقدر ما تتطور الاحداث الامنية سلبا في سوريا يصبح الوضع في شمال لبنان خطرا وحساسا، وكلّما تراجعت حدتها، خف التوتر شمالا". تختصر هذه العبارة العسكرية الوضع في شمال لبنان، لانه ليس امنيا بالمعنى المتعارف عليه بل هو انعكاس سياسي للتطورات السورية. والكلام يأتي بعدما تحولت منطقة عكار قبلة الاهتمام الاعلامي، لكونها تمثل خطًا ساخنا في ضوء التطورات الامنية التي حولت الجانب السوري في تلكلخ "ساحة حرب" حقيقية.
وحساسية المنطقة تكمن في انها نقطة الالتقاء الاقليمية والمحلية، وتترجم التقاطعات السياسية والطائفية.

والشمال يعكس بجغرافيته والموزاييك الطائفي فيه خطورة يتلمسها ابناؤه، ويتخوف منها المراقبون الذين يخشون توترا متصاعدا نتيجة حسابات خارجية، بعد سلسلة تصريحات معبّرة لسياسيين معارضين لسوريا وردود الموالين لها عليهم. ويخشى الجيش ان يتسبب السجال السياسي بتطورات سلبية على الارض، مع العلم ان طرابلس لا تزال بفضل التقاطعات السياسية بعيدة عن اجواء التوتر، وكذلك البقاع وبيروت.
وقد اتّخذ الجيش تدابير امنية مواكبة للتطورات الميدانية في عكار، بعدما اقتربت الاحداث السورية من القرى اللبنانية وبدأ لجوء السكان السوريين اليها. وكذلك جهز نفسه لتدخل القطع الامنية الخاصة اذا استلزمت الاوضاع ذلك. لكن حتى الآن لا يزال الوضع مضبوطا، ويقتصر الامر على استقبال اللاجئين الذين بلغت اعدادهم في الايام الثلاثة الأخيرة نحو 500 عائلة، ويقوم الجيش باحصائهم وتسجيل أمكنة اقاماتهم. وبالنسبة الى الجيش، التعليمات واضحة وتقضي باستقبال جميع اللاجئين لاسباب انسانية. وتسهل القوى الامنية مرور العائلات، مع العلم ان على السلطات السياسية متابعة موضوع اللجوء من النواحي الاجتماعية والانسانية، وهذه ليست مهمة الجيش.
لكن الجيش لن يسمح قطعا بمرور المسلحين من الجهتين. وحتى الان لم يرصد اي تسلل لمسلحين من لبنان الى سوريا، على رغم وجود شكوك في ان بعض المسلحين السوريين يرمون اسلحتهم عند النهر الكبير قبيل السواتر الترابية اللبنانية لدى عبورهم الى لبنان.

لا طلبات سورية عسكرية من الجيش اللبناني، فالامور حتى الآن تسير وفق وتيرة امنية تلقائية، بمعنى ان كلا الطرفين يقوم بعمله الامني في ارضه. اما بالنسبة الى الجنديين السوريين اللذين لجأا الى لبنان (احدهما سني والآخر علوي) فهما من الهجانة السورية وقد علقا بين ناري السلطات السورية والمسلحين في تلكلخ وهربا الى الجانب اللبناني من الحدود، واعيدا الى سوريا بموجب المعاهدة الامنية المشتركة بين البلدين.
وفي موازاة الوضع الشمالي، فرض التطور الجنوبي نفسه في ذكرى النكبة، بسقوط قتلى وجرحى في اطلاق النار الاسرائيلي على المتظاهرين عند مارون الراس. وعلى رغم استنكار ما قامت به اسرائيل، سجّلت قوى سياسية تحفظها عن الجيش لسماحه بالتظاهرة، بسبب توقيتها بعد تهديد ابن خال الرئيس السوري رامي مخلوف اسرائيل، والخشية ان تحول سوريا الجنوب، ساحة لتنفيس التوتر لديها، والخوف بحسب معلومات موثوق بها ان تتجدد التظاهرات " السلمية " جنوبا.
لكن المعطيات تختلف بالنسبة الى الجيش. اولاً، ان منظمي التظاهرة اعطوا "العلم والخبر" لوزارة الداخلية، والسلطة السياسية المتمثلة بحكومة تصريف الاعمال كانت على بينة منها. ثانيا، لا علاقة للجيش وتدابيره الامنية بأي رسائل سياسية متبادلة، فالجيش اتخذ تدابير امنية في المناطق التي كان يخشى ان يقترب منها المتظاهرون كبوابة فاطمة مثلا. ولم يكن احد يتصور ان يتم الاقتراب من منطقة مارون الراس المزروعة بالالغام. وحين اندفعت مجموعات من المتظاهرين الى البقع القريبة من الخط الازرق، استخدم الجيش المغاوير لردعهم، وخرق احيانا الخط الازرق من اجل مواجهتهم من الجهة المقابلة لهم. وكذلك اعطيت الاوامر للجيش باطلاق النار في الهواء مع عدم التعرض لهم، وهو ما اثار ارتياح القيادة العسكرية بعدم سقوط قتلى برصاص الجيش اللبناني.

ثالثا ظلت قيادة الجيش على تواصل مع قيادة القوة الدولية من اجل وقف النار الاسرائيلي، وابلغتها امس ان الحادث الامني على رغم اهميته محصور في زمانه ومكانه، ولا تداعيات له. ورشح من القوة الدولية ان اسرائيل ايضا تعيش الاجواء نفسها، وان لا خوف حاليا من اي توتير يتطور الى ما لا يحمد عقباه.

السابق
الانوار: حملة عون على رئيس الجمهورية وميقاتي تقترب من ذروتها
التالي
اللواء: تجدّد المساعي عشية الإضرابات لمنع الإنزلاق إلى الهاوية