اللواء: تجدّد المساعي عشية الإضرابات لمنع الإنزلاق إلى الهاوية

تتجمع عند نقطة الفراغ السياسي والحكومي مجموعة من الاحداث، بعضها يتصل بتداعيات الازمة الاقتصادية التي تضرب لبنان والمنطقة (اضرابات القطاعات المهنية)، وبعضها ناجم عن تمدد <الازمة السورية> الى لبنان، عبر المنافذ الحدودية، لا سيما احداث تلكلخ، التي شكلت نموذجاً مصغراً او <بروفة دامية> لسيناريو <التشرذم المذهبي>، وتبعات الانقسام اللبناني حول التعامل مع تداعيات هذه الازمة، والتي كادت في لحظة سكرى من الزمن ان تنقل التوتر الى قلب العاصمة، لو لم تدارك الموقف باقفال باب على لقاء ولقاء مضاد للتضامن مع الشعب ضد النظام او للتضامن مع النظام·

على هذه الخلفية تجددت المساعي ليل امس على خط عين التينة – فردان لاستئناف البحث الذي كان توقف عند لوائح الاسماء والشروط العونية غير القابلة للصرف، بعدما تم ضبط النائب ميشال عون والتفاهم معه على عدم <كسر الجرة> مع الرئيس نجيب ميقاتي، على الرغم من تحميله الرئيسين ميشال سليمان وميقاتي مسؤولية تعطيل الحكم·

وقال مصدر نيابي مطلع ان النائب علي حسن خليل والحاج حسين الخليل تحركا في اتجاه الرئيس المكلف في محاولة ترمي الى محاصرة مهمة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط السفير جيفري فيلتمان الذي يصل الى بيروت نهاية الاسبوع او الاسبوع المقبل في زيارة تستمر ثلاثة ايام ويقابل خلالها مسؤولين كباراً وقيادات سياسية من دون ان يتوضح عما اذا الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط (الموجود حالياً خارج لبنان) سيجتمعان بالدبلوماسي الاميركي الذي شغل سفير الولايات المتحدة في لبنان، ابان فترة الانسحاب السوري وما بعدها·

واشار دبلوماسي غربي رفض الكشف عن هويته الى ان زيارة فيلتمان المقررة مسبقاً، تأتي عشية مبادرة اميركية جديدة تجاه المنطقة وعملية السلام، وفي غمرة ثلاث تطورات تهم الادارة الاميركية وهي:

– الاحداث في سوريا وانعكاساتها على لبنان·

– التظاهرات التي حدثت عند الحدود في مارون الراس وسقوط قتلى (شهداء) وجرحى·

– تعثر تشكيل الحكومة اللبنانية، وموقع لبنان في خريطة الاحداث الجارية·

وفيما جدد الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ثوابته الخمسة لتشكيل الحكومة رافضاً المزاعم العونية عن الانصياع الى اجندة خارجية، انتقل الاستقطاب الداخلي، بصفتيه النيابية والسياسية الى المجلس حيث من المتوقع ان يظهر في اجتماع هيئة مكتب المجلس اليوم، بين مؤيد لخطوة الرئيس نبيه بري التشريع في غياب الحكومة ومن يرفض مثل هذه الخطوة التي تمس الميثاقية اللبنانية وتشكل في الوقت نفسه تجاوزاً لاحدى مرتكزات الممارسة السياسية والنيابية منذ الاستقلال الى اليوم·

وإذا كانت خطوة الرئيس برّي ترمي إلى تحريك العمل المؤسساتي في ظل الفراغ الحكومي المرشح للاستمرار إلى فترة غير محسوبة، فانها في المقابل قوبلت بتناقض نيابي حاد في الانقسام السياسي الموجود حول إمكانية عقد جلسة عامة تخصص لعدد من المواضيع الملحة وفي طليعتها التمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وتخفيض السنة السجنية والعفو عن جرائم الجنح وليس الجنايات·

واللافت أن هذا التناقض سحب نفسه إلى داخل الصف الواحد، ولا سيما داخل كتلة <المستقبل> النيابية التي ناقشت الموضوع في اجتماعها الأسبوعي أمس وأرجأت اتخاذ قرارها إلى اليوم، أي قبل اجتماع هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل، لاستكمال الاتصالات التي سيجريها رئيس الكتلة الرئيس فؤاد السنيورة مع بعض المراجع الدستورية، من أجل أن يكون القرار واحداً لكل مكونات قوى 14 آذار، حيث تميل كتلة <القوات اللبنانية> إلى معارضة خطوة الرئيس بري، فيما لم يعرف موقف كتلة نواب حزب الكتائب، بينما يميل الوزير بطرس حرب ورئيس لجنة الإدارة النائب روبير غانم إلى تأييدها، انطلاقاً من التمييز بين الموقف السياسي والموقف الدستوري·

في هذه الاثناء، لم تشأ المصادر المطلعة أن تعطي لاجتماع الرئيس ميقاتي مع <الخليلين> أهمية كبيرة باستثناء انه كسر حلقة الجمود وأعاد التواطل مجدداً بين الأطراف المعنية، انطلاقاً من معلومات أفادت أن الاجتماع لم ينتج عنه شيء أساسي غير استمرار التشاور·

وبحسب هذه المعلومات، فان الرئيس ميقاتي تبلغ من الخليلين أن العماد عون ما زال متشبثاً بمطالبه بالحصول على تسع حقائب وزارية من بينها الشؤون الاجتماعية المرشح لها الوزير وائل أبو فاعور من كتلة النائب وليد جنبلاط، على أن تكون له حصة 5 وزراء من الطائفة المارونية، ليس من بينهم طبعاً المرشح لحقيبة الداخلية العميد المتقاعد مروان شربل·

وأكّد الخليلان انهما ما زالا مستعدين لمساعدة الرئيس المكلف في تجاوز العقد الموجودة، لكن الأمر يحتاج إلى المزيد من المشاورات والوقت·

اما الرئيس ميقاتي، فقد كرّر، بحسب المعلومات، ثوابته المعروفة، وهو انه يقرأ في كتاب واحد وهو الدستور، والذي لا يحتمل تفسيرات، وانه تحت هذا السقف منفتح على كل الآراء، لافتاً النظر إلى انه سبق أن طلب من الخليلين، وفي حضور الوزير جبران باسيل خمس نقاط تكتمت المصادر حولها، باستثناء طلبه سلة بأسماء المرشحين لتولي الحقائب الوزارية، والتي لم تصله بعد، بعدما رفض ممثل عون ترشيح ثلاثة أسماء لكل حقيبة، متمسكاً بترشيح إسم واحد لكل حقيبة·

وأوضحت المصادر أن الاجتماع مع الخليلين، والذي استغرق أكثر من ساعة من الثامنة والربع إلى التاسعة والنصف، كان جيداً وإيجابياً، خصوصاً وأنهما وعدا الرئيس المكلّف ببذل مسعى أخير مع العماد عون في غضون الساعات الثماني والأربعين المقبلة، إلا أن مصدراً قريباً من الرئيس ميقاتي لاحظ أن موقف عون الأخير أعاد الأمور الى الوراء، خصوصاً قوله أمس، بعد اجتماع تكتل التغيير والاصلاح أنه غير مستعد لطرح أي مبادرة جديدة بعد مبادرته بخصوص حقيبة الداخلية، معتبراً أنه لا توجد إرادة لتأليف الحكومة، وإن كان قد اعترف بأنه لا يوجد مخرج قانوني لسحب الثقة من الرئيس المكلّف·

في غضون ذلك، وفيما بدا أن لبنان يقترب شيئاً فشيئاً من أن يكون جزءاً من الملف السوري بالرغم من محاولات الجيش لفك هذا الارتباط عبر إجراءاته على الحدود الشمالية إلا أن ما جرى أمس كاد أن يؤسس لمشروع احتكاك في جوار فندق <البريستول> لولا أن تدارك المعنيون الأمر بالإعلان عن تأجيل اللقاء التضامني مع الشعب السوري ونقله إلى مكان آخر يبقى أمر تحديده رهن الاتصالات الجارية، مما أدى الى إلغاء التظاهرة المضادة التي كانت الأحزاب الوطنية تنوي تنظيمها أمام الفندق الذي قررت إدارته الاعتذار عن استضافة المؤتمرين داخل قاعاته، إلا أن منسق اللجنة المؤسسة <للقاء لبنانيين من أجل حرية وكرامة الشعب السوري> المحامي صالح المشنوق أكد ان الفندق تعرض للتهديد من مجموعة احزاب حليفة لسوريا ابرزها حزب البعث والقومي الاجتماعي اللذين نفيا ذلك·

وفيما نفى المشنوق اي علاقة لقوى 14 آذار باللقاء الذي كان مقررا امس، واصدرت كتلة <المستقبل> النيابية بيانا استنكرت فيه ما وصفته <قيام قوىالامر الواقع باستكمال التهديد والوعيد لمنع مجموعة من اللبنانيين الشباب وقوى المجتمع المدني من حق وحرية التعبير عن رأيهم في اجتماع كان مقررا اليوم (امس) بغض النظر عن هدف الاجتماع·

وحضت الكتلة اللبنانيين على فتح ابوابهم لاخوانهم السوريين الذين يطلبون العون والمساعدة الانسانية، مثمنة تحرك الوزارات المختصة والهيئة العليا للاغاثة من اجل مساعدة النازحين والوقوف على حاجاتهم، معتبرة ذلك بأنه عمل انساني ووطني وقومي لا علاقة له للموقف السياسي به، مكررة الموقف الذي سبق ان اعلنته وهو انها لا تؤمن بالتدخل في الشأن الداخلي لأي بلد عربي بما في ذلك سوريا وهي ترفضه رفضا قاطعا·

يذكر انه لم تسجل امس اي حرة نزوح من منطقة تل كلخ والعريضة السوريتين في اتجاه البقعية ووادي خالد في عكار، فيما لا تزال قضية المهجرين ماثلة للعيان، وهم يخافون من العودة الى بلداتهم المتاخمة للنهر الكبير الجنوبي، اضافة الى عدم حل قضية الجنديين السوريين اللذين ما زال في عهدة الجيش اللبناني، فيما سلمت الى السلطات السورية جثة الجندي الثالث·

وقالت القوى الامنية بضبط متشدد للحدود عبر تسيير دوريات مؤللة ورجلة اضافة الى الحواجز الثابتة والاشراف على المعابر الشرعية وغير الشرعية·

اضراب القطاع التربوي تزامناً مع هذه التطورات، ينفذ قطاع التعليم الرسمي والخاص اضرابا عاماً تحذيريا اليوم في جميع معاهد وكليات وفروع الجامعة اللبنانية والثانويات والمدارس الرسمية الابتدائية والمتوسطة في القطاعين الرسمي والخاص ومعاهد التعليم المهني والتقني الرسمي في جميع الادارات العامة، تلبية لدعوة هيئة التنسيق النقابية وذلك استنكارا لحال الجمود والفراغ السياسي الحاصل في البلاد، وتحذيرا من تفاقم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وارتفاع الاسعار وتأكيدا على ضرورة تصحيح الاجور واقرار غلاء المعيشة بما يوازي نسبة التضخم ،هواضراب يوحد الاساتذة والمعلمين ومتخريجي معهد الادارة من طرفي المعادلة السياسية في ظل غياب حكومة اصيلة يمكن تحميلها مسؤولية تحقيق المطالب،وسيبقى اكثر500 الف طالب خارج اسوار مدارسهم وجامعتهم·

وكانت مؤسسات تعليمية اعلنت اقفال مدارسها التزاماً بالاضراب فيما تركت اخرى الخيار للاساتذة ،الا ان المدارس والثانويات الرسمية فانها ستقفل ابوابها في وجه الطلاب تلبية لدعوة الهيئة وكذلك الجامعة اللبنانية،كما تؤجل الامتحانات الشفهية للتعليم المهني المقررة اليوم لموعد لاحق·

ورأى وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال حسن منيمنة ، ان التحرك الذي دعت اليه النقابة واضح من عنوانه وهو ذو طابع وطني وليس مطلبيا، ويمثل صرخة نتيجة لحالة الفراغ التي يعيشها البلد جراء العجز عن تأليف الحكومة·

السابق
حوادث الشمال والجنوب في ميزان الجيش
التالي
السفير: مساعي التأليف تتجدّد في أجواء ملبّدة