إزاء التأخير المستمر في تشكيل الحكومة، تقدمت الى الضوء الهموم والملفات المعيشية التي تتفاقم يوما بعد يوم، في ظل غياب «المرجعية» الرسمية المعنية بالمعالجة، وضياع المسؤوليات بين حكومة تصريف الأعمال وحكومة تصريف الوقت التي لم تتألف بعد.
وبينما استؤنفت الاتصالات السياسية، على أكثر من خط، في محاولة لإعادة ضخ الدم في عروق مشاورات التأليف، من دون تسجيل تقدم بارز، بدا ان القطاعات النقابية لم تعد تحتمل المزيد من الانتظار والنزف، فقررت ان تطلق صرخة مدوية في وجه الوضع القائم والمسؤولين عنه، من خلال إضراب شامل ينفذه اليوم معلمو المدارس الرسمية وأساتذة التعليم المهني والتقني والجامعة اللبنانية، إضافة الى عدد من المدارس الخاصة، «استنكاراً ورفضاً لحالة الجمود والفراغ السياسي»، على ان يلاقيهم غدا السائقون العموميون الذين سيتوقفون عن العمل في مختلف الاراضي اللبنانية بالتزامن مع تظاهرة سيّارة في بيروت، «احتجاجا على ارتفاع أسعارالمحروقات، ومطالبة بتثبيت سعر صفيحتي البنزين والمازوت».
ومن المتوقع ان تخيم ظلال هذا الواقع على مجلس النواب، حيث يترأس الرئيس نبيه بري اليوم اجتماعا لهيئة مكتب مجلس النواب ولجنة الادارة والعدل، لاستمزاج آراء أعضائهما في عقد جلسة تشريعية تتصدى لبعض القضايا الملحة، تعويضا عن غياب السلطة التنفيذية، علما ان قرار عقدها او عدمه يعود في نهاية المطاف الى رئيس المجلس.
ونقل زوار بري عنه استغرابه لبعض المواقف التي تعترض على إمكانية مبادرته الى الدعوة لعقد جلسة عامة، في حين ان أصحابها أنفسهم كانوا يتهمونه بإقفال أبواب المجلس وبتعطيل دوره، ويحثونه على ان يفعل شيئا ما، في مواجهة الفراغ الحكومي الحاصل.
وأشار بري الى وجود العديد من مشاريع واقتراحات القوانين الحيوية التي أقرتها اللجان النيابية وباتت تحتاج الى مناقشتها والبت بها في الهيئة العامة، وبينها ما يتصل بوضع المساجين على سبيل المثال، إضافة الى أمر هام يتعلق بالتجديد لحاكم مصرف لبنان، مشيرا الى ان هناك فتوى دستورية تتيح عقد جلسة تشريعية، في مثل الوضع الذي يمر فيه لبنان حاليا.
بري.. و«طحن» الأفكار
وكان بري قد عقد لقاء أمس مع الوزير جبران باسيل، بحضور معاونه
السياسي علي حسن خليل، وجرى خلاله البحث في سبل دفع عملية تأليف الحكومة الى الأمام.
وردا على سؤال حول ما إذا كانت هناك أفكار جديدة قد نوقشت، قال بري لـ«السفير»: يمكن القول ان هناك طحنا مستمرا لأفكار مطروحة.
وعما إذا كانت مساعي تشكيل الحكومة قد تداعت، أجاب: المشاورات مستمرة، وليس صحيحا أن مساعي التأليف انهارت.
أما باسيل، فأبلغ «السفير» انه حصل «تعانق أفكار» خلال لقائه مع بري، لافتا الانتباه الى انها تشمل بعاطفتها كل من يريد.
وفيما عقد ليل أمس لقاء بين الرئيس المكلف والخليلين، لاستكمال البحث في المخارج الممكنة لأزمة التشكيل، أكد مصدر بارز في الاكثرية الجديدة لـ«السفير» أن لا بديل في الوقت الحاضر لدى الاكثرية عن خيار الرئيس ميقاتي، لتشكيل الحكومة، ونبه المصدر الى ان ميقاتي يمكن ان يجعل من كل حقيبة «عقدة» إذا استمر على المنوال ذاته، موضحا ان تمثيل المعارضة السنية ومطلب الوزير طلال إرسلان والتوزيع المذهبي للحقائب هي أمور لم تحسم حتى الآن، وتضاف اليها محاولة للتلاعب بالحقائب الاساسية التي كان يفترض ان التفاهم تم عليها.
عون: تواطؤ بين ميقاتي وسليمان
في هذه الاثناء، اعتبر العماد ميشال عون بعد اجتماع تكتل التغيير والاصلاح ان «لا إرادة للتشكيل، كما يبدو، ونحن ما زلنا في المربع الأول، بعدما حللنا مسألة وزارة الداخلية». وحمّل رئيس الجهورية والرئيس المكلف مسؤولية عدم تشكيل الحكومة وشلّ البلد «لان السلطة بيدهما، ولا معايير لديهما». وقال: أنا أتّهمهما بالتّواطؤ حتى يظلّ البلدُ مشلولاً، لأنّ من قامَ بالتّظاهرات في طرابلس عندما سقطَ في التّكليف، هو نفسُه يوقِفُ تأليفَ الحكومة بالتّواطؤ مع أشخاص مسؤولين عن التأليف. وتابع: نحن أعطيناهم رأينا، فإذا أعجبهم كان به، وإذا لم يعجبهم ليؤلفوا الحكومة.
..وميقاتي يتمسك بالدستور
من ناحيتها، رفضت أوساط الرئيس ميقاتي الدخول في سجال مع اي طرف حول أسباب تعثر تشكيل الحكومة، لكنها علقت على كلام العماد عون الذي اتهم الرئيسين ميشال سليمان وميقاتي بالتعطيل، بالقول ان الرئيس المكلف يقرأ في كتاب الدستور، وهو واضح وله اصول ومعايير لا يجوز ان تتحول الى لعبة.
وأوضحت اوساط ميقاتي ردا عل سؤال حول جمود الاتصالات بشأن تشكيل الحكومة، ان الرئيس المكلف طلب من كل الكتل النيابية تزويده بلائحة اسماء للشخصيات التي ترغب في توزيرها للاستئناس برأيها، ولكن حتى الان لم يأتِ الجواب.
قطوع الـ«بريستول»
في هذا الوقت، تفاعلت امس محاولة بعض القوى والشخصيات في 14 آذار الدخول على خط الاحداث في سوريا تحت شعار التضامن مع شعبها، وكاد فندق الـ«بريستول»ومحيطه يتحولان الى ساحة مواجهة بين هذه المجموعة وبــين جهات في 8 آذار أرادت ان تنظم تحركا مضادا تضــامنا مع النــظام السوري، ما استدعى استنفارا كبيرا للجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي، قبل ان يؤدي «توازن الرعب» الى إلغاء النشاطين معا.
وبعد الالتباس الذي أثارته مواقف النائب محمد كبارة ومدى علاقتها بتيار المستقبل، أكد كبارة ان ما أدلى به يعبر عن قناعاته الشخصية وليس عن أي تجمع سياسي ينتمي إليه، مشددا على ان «تيار المستقبل» لا علاقة له بما يجري في سوريا، «ولا بما أصرح به وموقف رئيسه الرئيس سعد الحريري واضح في هذا الاطار»، مكررا في الوقت ذاته دعوته الى التضامن مع الشعب السوري «الذي يدافع عن نفسه وعن حقه بالتعبير عن رأيه».
إضراب المعلمين
إلى ذلك، يعم الإضراب اليوم المدارس الرسمية ومعظم الخاصة والجامعة اللبنانية، وتتعطل الامتحانات في التعليم المهني والتقني الرسمي، تلبية لدعوة هيئة التنسيق النقابية، استنكاراً لحالة الجمود والفراغ السياسي الحاصل في البلاد، ورفضاً لعجز السلطتين التنفيذية والتشريعية والمرجعيات كافة عن معالجة هذا الواقع، وتحذيراً من تفاقم الأوضاع المعيشية، وتشديدا على ضرورة تصحيح الأجور وإقرار غلاء المعيشة بما يوازي نسبة التضخم.
وفي حين سيكون الالتزام بالإضراب تاما في الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية والتعليم المهني والتقني، يُتوقع ان يتفاوت الالتزام به في المدارس الخاصة، خصوصا مع اعتبار أمين عام المدارس الكاثوليكية الأب مروان ثابت أن اليوم هو يوم إضراب للمعلمين وليس للمدارس .
إضراب السائقين
وفي سياق متصل، ينفذ قطاع النقل البري غدا الخميس إضراباً شاملاً في مختلف المناطق، وينظم تظاهرة سيارة في بيروت، احتجاجا على ارتفاع أسعار المحروقات، ومطالبة بتثبيت سعر صفيحتي البنزين والمازوت.
وفيما أجرى وزير العمل في حكومة تصريف الاعمال بطرس حرب اتصالا بوزيرة المال ريا الحسن، وبحث معها في ضرورة عقد اجتماع عاجل بدعوة من الرئيس ميشال سليمان، لاتخاذ القرار المناسب في شأن معالجة ارتفاع اسعار المحروقات، تصر اتحادات ونقابات قطاع النقل البري على السير في تحركها، بعدما توقف الحوار مع الحسن وانسحاب وزير الاشغال العامة غازي العريضي من المفاوضات المشتركة.
وقد حددت الاتحادات والنقابات نقاط التجمع في بيروت الادارية، واتجاه المسيرة من الكولا حتى البربير مرورا بالبسطة، نزولا الى ساحة رياض الصلح حيث يلتقي السائقون من مناطق بيروت الادارية. ومن المتوقع ان يؤدي الاضراب الى شل حركة المطار والمرافق الاخرى مثل المصارف والمدارس والجامعات، لان نقاط التجمع في المناطق المختلفة من بيروت ستشهد تجمعات في المناطق الحساسة، ما يؤدي الى اعاقة حركة السيارات الخاصة.
