الثورة تدق الابواب

الثورة العربية دقت أمس باب اسرائيل، في المظاهرات التي عقدها فلسطينيون من سوريا ولبنان في مجدل شمس ومارون الراس احياء ليوم النكبة. تسلل المتظاهرين الى البلدة الدرزية التي على سفوح جبل الشيخ حطم الوهم في أن اسرائيل تعيش بنعيم في "الفيلا في الغابة" ومنقطعة تماما عن الاحداث الدراماتيكية من حولها.

الانتفاضة ضد نظام الاسد في سوريا هددت بالانتقال الى اسرائيل – اكثر من الثورات في الدول العربية الاخرى. فالرئيس بشار الاسد أمل في ان وقوفه على رأس "المقاومة" لاسرائيل ستنجيه من مصير نظيريه في تونس وفي مصر. وعندما اهتز كرسيه، ثار التخوف من أن الاسد، او من سيحل محله، سيحاول احتدام النزاع مع اسرائيل كي يحصل على الشرعية بين الجمهور السوري وفي العالم العربي بشكل عام.
ولكن رغم الخطر في أن يضعضع الاسد الهدوء والاستقرار في الحدود الشمالية، يبدو سقوطه في اسرائيل كخطر أكبر. وعليه، فقد امتنعت اسرائيل عن التدخل الى جانب المنتفضين ضده. الجيش الاسرائيلي يمكنه أن ينشر قوة كبيرة في هضبة الجولان "خوفا من التصعيد" وهكذا يشل الجيش السوري فيبقيه في الطرف الاخر من الحدود، بدلا من أن يذبح المتظاهرين في درعا وفي حمص. ولكن السياسة كانت معاكسة – الجلوس بهدوء، وترك الاسد يقمع التمرد والامل في أن الردع والاستقرار سيبقيان.

أمس تضعضع الهدوء وتجسد سيناريو الرعب الذي تخافه اسرائيل منذ قيامها: ان يبدأ اللاجئون الفلسطينيون ببساطة السير من مخيماتهم خلف الحدود، في محاولة لان يحققوا باقدامهم "حق العودة". اسرائيل استعدت لمظاهرات يوم النكبة في الضفة الغربية، في شرقي القدس، في الجليل وفي المثلث – وحصلت بدلا منها على أبناء الشتات الفلسطيني على الاسيجة. اكثر مما كان هنا خطأ استخباري، كان هنا تجسيد لقيود القوة. فلا يمكن السيطرة في كل الساحة وتوزيع القوات على كل مكان. دوما ستبقى ثغرة أقل تحصينا، والخصم سيكتشفها.

سارعت اسرائيل الى اتهام الاسد وكالمعتاد ايران ايضا بارسال "خارقي النظام السوريين واللبنانيين"، على حد تعبير الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي، وذلك "لصرف الانتباه عن قمع المظاهرات في سوريا". ولكن من الصعب الافتراض بان تتغير السياسة في الشمال فتحاول اسرائيل تسخين الحدود ردا على ذلك، كي تساعد على اسقاط الاسد وتغييره بنظام اكثر راحة. الجهد الاسرائيلي سيكون نحو عزل الحادثة وتهدئة المنطقة من جديد.

رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، حاول استغلال الاحداث في الشمال كي يعزز حملته الاعلامية لواشنطن. وحسب نهجه، فها هو برهان آخر على أن اسرائيل تتعاطى مع قوات تسعى الى ابادتها. "هذا ليس كفاحا في سبيل خطوط 1967"، عقب نتنياهو على اقتحام الحدود في الجولان، "بل هو تشكيك بمجرد وجود دولة اسرائيل، الذي يسمونه مصيبة يجب اصلاحها". اذا كان نتنياهو بحث عن تعزيز حديث العهد لخطاباته عن الكارثة الثانية، فان متظاهري الحدود من سوريا ولبنان وفروه له أمس.

سجل نتنياهو أمس انجازا صغيرا آخر، مع قرار الرئيس الامريكي براك اوباما القاء الخطاب امام مؤتمر ايباك. فاوباما لن يقف في معقل التأييد لاسرائيل في امريكا كي يشتم المستوطنات والاحتلال ويطلب من نتنياهو الخروج من المناطق. كلمته في المؤتمر، بدلا من ارسال نائبه أو موظف كبير آخر، تدل على أن اوباما لا يعتزم الصدام مع نتنياهو في اللقاء القريب بينهما. الرئيس سيتحدث عن أهمية دولة فلسطينية، ولكنه سيحذر من طرح مطالب ملموسة، وسيغلف دعوته لتقسيم البلاد بالكثير من الهذر ضد النظام الايراني والالتزام بتعزيز أمن اسرائيل. تأييد جمهور مؤتمر ايباك لانتخابه لولاية ثانية أهم له بكثير من مستقبل الفلسطينيين.

وبالتالي فان لنتنياهو احتمالا طيبا لان يجتاز بنجاح رحلته الحالية الى واشنطن دون ان يتنازل عن ملمتر واحد من المناطق. ولكن لتمترسه في موقع الضحية المهددة يوجد ثمن. فهو يحرم نفسه من حرية العمل، ويترك كل المبادرة الى الطرف العربي. هذا ما حصل في يوم النكبة للعام 2011. ويوجد خطر آخر: الا يرى الرأي العام في الغرب بالمظاهرات على الجدار "اعمال شغب" لـ "متسللين"، بل احتجاج مشروع لشعب مقموع بطرده واهانته. اذا كان هذا ما سيحصل، فان معركة نتنياهو الاعلامية ستكون أصعب واكثر تعقيدا بكثير منها اليوم.

السابق
خطوة لليمين، خطوة لليسار
التالي
رسالة الى اللاجئين