الانباء: إذا قررت الأكثرية الجديدة سحب الثقة من ميقاتي

بعدما حلت «عقدة» وزارة الداخلية وصار هناك توافق على اسم العميد مروان شربل، اعتقد كثيرون ان حل هذه العقدة سيفتح الطريق أمام تشكيل الحكومة كونها العقدة الأساس والباقي تفاصيل يسهل حلها، ولكن هذا الانطباع سرعان ما تبدد وتحولت الأجواء مرة واحدة من التفاؤل المفرط الى أقصى التشاؤم. وما حدث ان عملية التأليف عادت الى نقطة الصفر وان التوافق حول وزارة الداخلية صار مهددا بالانهيار وبأن لا يظل قائما لأنه توافق مبدئي يرتبط بتوافق على مجمل التشكيلة الحكومية كي يصبح نهائيا، وأكثر من ذلك، لم يعد الحديث يدور حول عقد وعقبات في الأسماء والحقائب وانما حول «أزمة تأليف» مستحكمة ومستعصية على الحل لأسباب تتجاوز ما هو معلن من عقد وزارية الى ما هو أبعد وأعمق. فمن جهة هناك التغييرات والأحداث العربية وما أنتجته من وقائع وتوازنات جديدة في المنطقة أرخت بظلال كثيفة على الوضع في لبنان وجعلت ما كان ممكنا ومتيسرا قبل أشهر صعبا ومتعذرا اليوم، ومن جهة ثانية، هناك الاختلاف الجوهري في النظرة بين الجهات المعنية بالتأليف الى الحكومة ومهامها ووظيفتها السياسية في هذه المرحلة، وهذا يؤدي الى خلافات حول تركيبتها وطبيعتها. فريق 14 آذار ليس معنيا بأزمة التأليف ويقف متفرجا عليها وعلى التخبط السياسي داخل الأكثرية الجديدة. فالمأزق مأزقها والخروج منه «مشكلتها». وفي تفصيل هذا المأزق ان الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بالتفاهم والتنسيق مع الرئيس ميشال سليمان لم يكن من الأساس مقتنعا، وهو الوسطي الآتي لتهدئة اللعبة وتبريد الرؤوس الحامية وتدوير الزوايا، بحكومة الفريق أو اللون الواحد التي عرفت بـ «حكومة 8 آذار» وسماها الأميركيون «حكومة حزب الله». وهو الآن يعتبر ان الأحداث والتطورات في المنطقة تجاوزت نهائيا مثل هذه الحكومة التي لم يعد من الممكن تغطيتها وتسويقها عربيا ودوليا وتحمل تبعاتها السياسية والاقتصادية. ولذلك عمل الرئيس ميقاتي جاهدا لتشكيل حكومة مشتركة ومختلطة من قوى 8 و14 آذار، ولما لم ينجح في مسعاه تحول الى حكومة مختلطة من نوع آخر، سياسيين وتكنوقراط. وأما حكومة التكنوقراط المستقلة والحيادية، أو ما سمي «حكومة الأمر الواقع»، فإنها لم تكن أكثر من ورقة سياسية جرى التلويح بها لتعزيز الموقع التفاوضي. في هذا الوقت كانت قناعة تتكون تدريجيا عند قوى 8 آذار لتصبح قناعة راسخة عند بعضها، بأن حكومة كالتي ترغب بها هذه القوى وتطمح اليها، حكومة مواجهة أو حكومة الأكثرية الجديدة، لم يعد تشكيلها ممكنا مع الرئيس ميقاتي وبرئاسته، وان على فريق 8 آذار ان يبدأ بالتفكير في «البدائل» لأن الاستمرار في هذا الوضع لم يعد ممكنا ويأكل من رصيد هذا الفريق وصدقيته أمام جمهوره ويصوره عاجزا ومتخبطا ويحمله مسؤولية التأخير في تشكيل الحكومة وما يترتب على ذلك من أعباء وانعكاسات اقتصادية واجتماعية. كما انه يتيح لفريق 14 آذار استعادة زمام المبادرة السياسية والانتقال الى موقع الهجوم. وبعدما شن هذا الفريق حملات تحت عنواني «المحكمة الدولية» و«سلاح حزب الله» بدأ باستخدام «الملف الاقتصادي» عنوانا لحملته وضغوطه وبات هذا الملف يحسب له بعدما كان يحسب عليه. ما بدأ همسا وفي الغرف المغلقة، خرج الى العلن وهو التلويح بسحب الثقة من ميقاتي والبحث عن مخرج قانوني لذلك وعن بديل سياسي. ولكن هذا أمر صعب وجزء من المأزق.

المخرج «القانوني الدستوري» غير متوافر، فالرئيس المكلف غير مقيد دستوريا بأي مهلة للتأليف أو للاعتذار، ورئيس الجمهورية لا يمكنه الدعوة الى استشارات تكليف جديدة طالما الرئيس المكلف لم يعتذر ويواصل مهمته. أما من الناحية السياسية، فالأمور لا تقل تعقيدا. فإذا كان بعض فريق 8 آذار راغبا بتغيير ميقاتي لم يعد أمامه الا ممارسة ضغوط قوية عليه لدفعه الى الاعتذار، ولكن ميقاتي ليس في هذا الوارد في مطلق الأحوال لأن مجيئه كان لاحتواء الفتنة وخروجه الآن سيكون سببا للفتنة. اضافة الى انه واثق من ان لابديل آخر له في هذه المرحلة الا اذا ارتضى فريق 8 آذار هزيمة سياسية واختار ان يكون البديل سعد الحريري أو فؤاد السنيورة.

ثمة مشكلة داخل الأكثرية الجديدة المختلفة فيما بينها حول الموقف من ميقاتي: المشهد الحكومي وفق مشاريع ومسودات التأليف موزع بين محورين: 8 آذار (حزب الله وبري وعون وفرنجية) والوسطية (سليمان، ميقاتي، جنبلاط). أما المشهد السياسي فهو موزع الى 3 محاور: (سليمان – ميقاتي) (بري – جنبلاط) (حزب الله – عون).

وواضح حتى الآن ان بري وجنبلاط لا يريان بديلا مقنعا عن ميقاتي ولا ينصحان بالسير في اتجاه تغييره لأن ذلك ينطوي على مغامرة سياسية ويهدد بإفقاد الأكثرية الجديدة تماسكها وربما أكثريتها.

أما حزب الله فإنه في ظل ظروف اقليمية ضاغطة وحسابات دقيقة، ليس حتى الآن في وارد التخلي عن ميقاتي لا بل مازال متمسكا به ولا يجاري حليفه عون في نزعته المتزايدة الى سحب الثقة من ميقاتي.

ولكن مشكلة حزب الله ان قدراته السياسية ليست في كامل طاقتها وليس في وضع يتيح له دفع عملية التأليف الى الأمام لأنه يتفادى الضغط على ميقاتي حتى لا يخسره كرئيس حكومة لا بديل عنه، ويتفادى الضغط على عون حتى لا يخسره كحليف مسيحي لا بديل عنه. ولماذا ينزل حزب الله بكل ثقله ورصيده لملء «فراغ حكومي» لا يضيره كثيرا وليس متضررا منه أكثر من سواه، ولاستكمال انقلاب سياسي بدأ في ظروف وأصبح في ظروف مختلفة وغامضة الاتجاهات؟!

السابق
طلاب اللبنانية يسوّقون شهاداتهم في معرض فرص العمل 5
التالي
شموع حداداً على شهداء مسيرة العودة