… ولماذا لا تُلغوا وزارة الداخلية؟

لا. الأمر ليس سماجة صافية، بل اقتراح عاقل وجادّ مبني على وقائع حياتية يومية لا يصحّ تجاهلها لمجرّد أنها لا تُعجبنا، كما لم يعد "التتييس" على التجاهل كافياً لإلغائها فتصبح كأنها غير كائنة البتّة.
نعم، السادة فرسان الأزمة المتواصلة، يُعطّلون الحكومة وكل شيء لأنهم مختلفون على الداخلية، كُلٌ يُريدها من حصّته، على الرغم من أنف الدستور الذي يظنّها من حصة الشعب اللبناني.
وبالطبع، فالسادة المذكورون كلّهم على حق، وكلّهم على خُلُق، وكلّهم ميسورون ويستفيدون من حسابات التوفير التي فتحوها في مصارفهم ليضعوا فيها ما "يستطيعون" توفيره من معاش كل شهر. وبالتالي فهم (كلهم) ليسوا مزنوقين، ولا مصالحهم واقفة، ولا معاملاتهم في الإدارات مجمّدة، ولا تفرق معهم إذا كان فيه وزارة داخلية أم لم يكن، وأغنيتهم المفضلة كلّما دقّ الكوز بالجرّة تبدأ بموّال "الأمن ممسوك".
لكن، وأمام هذا الإصرار الوطني الآسن على وجود وزارة داخلية، يسأل المرء نفسه: لماذا وزارة داخلية في بلد كلبنان؟؟
لتثبيت الأمن الداخلي أولاً؟

لا حاجة إلى وزارة، فالأمن كما يؤكد الموّال البلدي "ممسوك".
لضمان نزاهة الانتخابات على أنواعها؟
للإشارة فقط، فإن الانتخابات الأخيرة جرت في أحضان وزارة داخلية اعتبروها "سوبر"، لكنها وعلى الرغم من الأوكتان العالي، جاءت مسخاً إدارياً وتنظيمياً عجيباً على ما نعلم وتعلمون… ومن عجيباتها التي لا تُنسى أن كامل الأجهزة المنعوتة بالأمنية نجحت في غضّ النظر ولم تتهاون إلى درك أن تضبط أيّ ورقة من فئة المائة دولار، من أصل المليار دولار التي تجوّلت بين الناقورة والنهر الكبير، والتي جرى رشّها رِشى أو رشاوى (حسب المذيع).
ثم إن الإنتخابات الدسمة المقصودة ما زالت بعيدة، فلماذا الاستعجال، والعَجَلة ليست من شِيم المؤمنين.
لتوقيف عمل االكسّارات؟
هذه ليست مسؤولية الداخلية… ولا الخارجية.. ولا البيئة.. ولا الأوقاف.. ولا غيرها. فالكسارات قَدّر من الله…
لتنظيم السير؟
"ليك وين بعدو"!
لعدم نقل النفوس كما ينقل "المعّاز" قطعانه موسمياً من صقيع الجبال إلى دفء السواحل؟
وهل نترك القطعان لينهشها برد الأعدقاء؟
لوقف عمليات البناء على المشاعات؟
بالله عليكم، لماذا يتوجّب منع البناء على الأراضي المفتوحة وعلى الشطآن، هل إن منع الناس (العادي) يكون بهدف ترك تلك الأراضي ومثلها "فقش الموج"، لتكون من نصيب من يشاء من الفرسان (فوق العادي) إياهم، كلّما "توحّم" واحدهم على فيللا هنا أو مشروع سياحي هناك؟
ثم، أهَل هم عميان وصُمٌ وبُكمٌ أنبياء الداخلية وقدّيسوها على تنوّعهم منذ "فجر" الاستقلال، حتى جرى كل ما جرى، من أعالي الجبال حتى انبساطات السواحل، ومن يارين وعدلون والأوزاعي حتى عمشيت وتنّورين وحلبا وكفرشخنا، مروراً بالوسط البيروتي والبقاع والجبل و"وين ما كان"… وهم "لا من شاف ولا من دري"؟
لمكافحة الغلاء؟
وما دخل وزارة الداخلية، بل ما دخل كلّ الوزارات والسُلطات والإدارات والجمعيات مجتمعة بمكافحة الغلاء؟
لمنع التوطين؟
شو يعني منع؟؟
لمنع زعران الأزقة وأهلهم وأقاربهم ورفاقهم وأشباههم عن ترويع البشر والبسينات بمفرقعات الأعياد والمناسبات والطلاّت؟
ومتى أقدمت الداخلية وقوى أمنها على منع المفرقعات التي نستوردها خصّيصاً من الصين لأعراس أولادنا وأحفادنا البواسل؟ ثم، هل ضاقت بعينكن الفتّيشة وتركتم رصاص الكلاشنات!
لتنظيم السجون؟
على "فوأة": من أين جاءت لفظة "رومية"؟

اللبناني الشاطر يعرف جيداً أنه بالإمكان متابعة هذا السرد إلى ما لا نهاية. لكن ما نودّ تثبيت البوصلة عليه (بلا شمال –جنوب بلا بلّوط) هو جدوى إلغاء وزارة الداخلية، الذي يبدو لنا مشروعاً إصلاحياً بُنيوياً عظيماً، حيث أن المذكورة، ولا سيما هذه الأيام، لا تقوم بأيّ عمل مثمر لنا من أيّ نوع كان، إلا إذا أخذنا بنظر الاعتبار قيامها بتعطيل قيام الحكومة.
أليس أن إلغاءها أشرف…
لنتفرّغ لأمورنا الداخلية.

السابق
صالح: لحكومة قوية تقي البلاد من المخاطر
التالي
ابنة بن لادن في بيروت