من سوريا إلى لبنان.. الرسالة: أنقذونا

مفارقة في المشهد.. على الحدود اللبنانية والسورية مع إسرائيل في رأس مارون والجولان حافلات تنقل شبانا فلسطينيين محتجين في الذكرى الـ63 للنكبة ليحاولوا اجتياز الحدود، وتحدث معركة يسقط فيها قتلى وجرحي على الحدود الهادئة منذ 37 عاما التي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها إلا بإذن السلطات، فما بال سكان يقيمون في مخيمات بدمشق أو في مخيمات بعيدة عن الجنوب اللبناني الواقع تحت سيطرة حزب الله حليف «البعث».
وعلى الحدود السورية – اللبنانية سكان بلدة تلكلخ السوريون يهربون إلى الأراضي اللبنانية من الحملة القاسية التي تشنها منذ 8 أسابيع القوات السورية على المعارضين المصرين على المطالبة بالحريات، وسط تقارير عن اشتباكات بالسلاح بين جنود سوريين منشقين رفضوا إطلاق النار وآخرين في البلدة الحدودية.

مشهد عبثي تظهر فيه حالة نموذجية لسياسات عربية قديمة جديدة؛ هي الهروب إلى الأمام في مواجهة الأزمات الداخلية لإلهاء الناس حتى ولو تسبب ذلك في إشعال حرب خسارتها مضمونة، فالمهم المحافظة على السلطة والكرسي وليذهب الباقي إلى الجحيم؛ فـ«إما أنا أو الخراب».. قالها سيف الإسلام القذافي في ليبيا حينما خاطب الليبيين قائلا: انسوا النفط، وانسوا الاستقرار، واستعدوا للحرب الأهلية، ونراها الآن في سوريا حينما قال رامي مخلوف، أحد أعمدة النظام: «لا استقرار لإسرائيل طالما لا استقرار في سوريا»، والاستقرار في مفهومه يعني بقاء النظام.

لقد خرجت مظاهرات في الأراضي الفلسطينية في ذكرى النكبة، وهو تاريخ مؤلم للفلسطينيين من حقهم أن يبلغوا فيه العالم غضبهم من المراوغة والإهمال الدولي لقضيتهم التي لا تجد حلا منذ عقود طويلة، وجاءت مظاهرات هذا العام مختلفة، فالشبان متحمسون بما حصل في دول عربية مجاورة لهم من تغييرات أحدثتها ثورات شعبية، وكان رد الفعل الإسرائيلي مفرطا في استخدام القوة، والموقف الفلسطيني الرسمي مسؤولا على جانبيه سواء من السلطة في الضفة أو حماس في غزة التي سعت شرطتها إلى منع المتحمسين من عبور الحواجز؛ فالسلطة المسؤولة لا تسمح بإراقة دماء شعبها بأفعال متهورة أو دون ثمن لمجرد الحصول على دعاية إعلامية.

الموقف في سوريا ولبنان مختلف؛ فالتحرك من المخيمات بحافلات بإذن، وهي أصلا مخيمات مسيطر عليها من فصائل تعودت على تجيير القضية الفلسطينية لصالح آخرين، وهو أشبه بشوشرة لتشتيت الانتباه واستغلال قضية عادلة للتغطية على أزمة داخلية، فنحن أمام حالة غضب داخلية دخلت أسبوعها التاسع، وأثبت منظموها، أيّا تكن هويتهم، أن لديهم تصميما عاليا، رغم أنهم لم يجدوا من يقف معهم مثلما حدث في مصر وتونس حينما رفض الجيش إطلاق النار على الناس ووقف معهم. في المقابل، أدى اللجوء إلى الخيار الأمني في مواجهتها إلى رفع السقف من مطالب بسيطة تتلخص في الحرية والكرامة والعدالة، إلى تغيير كامل النظام، ولم ينجح استخدام القوة المفرط في إسكات الناس؛ بل على العكس، أزال الخوف من قلوبهم.

وخلال الأسابيع الثمانية الماضية، استخدم الكثير من الأوراق في مواجهة الانتفاضة الشعبية السورية.. الوعود السياسية، مع إطلاق الرصاص واقتحام المدن بالدبابات والاعتقالات الواسعة والحصار الإعلامي الذي نجح المنتفضون إلى حد ما في اختراقه، ويبدو أن بين الأوراق أو الكروت الأخيرة التلويح بإشعال حرب، وهذه هي الرسالة التي جرى توصيلها إلى الإسرائيليين أول من أمس عبر الحدود السورية واللبنانية ليمارسوا ضغوطهم على الإدارة الأميركية قبل خطاب أوباما الخميس المقبل حتى لا تصل إلى نقطة المطالبة بتغيير النظام، أي إنها رسالة مفادها: تحركوا مع واشنطن وأنقذونا.

السابق
أوساط ميقاتي لـ”السياسة”: عون لا يمثل كل الموارنة وإصراره على مطالبه خطأ كبير
التالي
النهار: الأكثرية في مواجهة انهيار تفاهماتها