مؤتمر وطني ينقذ لبنان

ما كان مجرَّد مخاوف واحتمالات، تحول بين ليلة وضحاها واقعاً متأجّجاً. ليس على الحدود الجنوبيَّة أو الشماليّة، بل في حضن الوضع الداخلي.
وها هي الأخطار السياسيَّة والأمنيّة، والتي تقلق وتشغل البال، تدهم لبنان المفكّك، الضائع، المبلبل في خواء من الفراغ الشامل، المتروك بلا سلطة ولا قانون ولا حسيب أو رقيب، وتدفعه الى واجهة ملتهبة قد تسحبه من حال المراوحة الحكوميّة الى حال لا حوْل له فيها ولا طوْل، ولا قرار.

لقد عادت حليمة الى عادتها القديمة.
ومن جديد فُتحت الجبهة الاساسيَّة، حيث الوجع الحقيقي والخطر الحقيقي والخوف الحقيقي، والتي من شأن تحركها وتأجّجها وضع المنطقة العربيّة، ومعها لبنان، تحت مجهر كبير.
وعلى حافة شتى الاحتمالات الصعبة والقاسية. والتي ليس من المستبعد أن تخطف لبنان، في حال اشتعالها، ونقله من استراحة المحارب المهزوزة الى المربع الأكثر سخونة وخطورة.
وان قالت التحليلات الاولى أن ما حدث وحصل ليس أكثر من عملية "ربط نزاع" خاطفة.

وقد يكون بمجمله مجرَّد رسالة برسم القوى الاقليميّة والدوليَّة المتابعة للتطورات داخل سوريا: خذوا علماً، نستطيع اشعالها. لكنّ الجواب السليم والواقعي لن يتبلور سريعاً.
في كل حال هذا أمر آخر، لا يُلهي لبنان عن أزمته السياسيَّة. ولا يؤدّي الى تشكيل حكومة "يأبى" وكلاء التعطيل ووكلاء التفليسة تخلية سبيلها ما لم يحصلوا على مجمل الحقائب السياديّة، وتلك التي تبيض ذهباً ودولارات…
عدا أنَّ "المرجعيّة الاقليميّة" لا تزال غير مستعجلة. وغير منزعجة كون لبنان يتأرجح منذ زمن في فراغ نهايته وخيمة.

لا بأس بالكلام الممجوج الكثير. ولا بالشروط المضحكة المبكية. ولا بالمطالب التي تثير الشفقة. ولا بالالاعيب التي يمترس خلفها المكلفون وضع العصي في الدواليب.
فالمطلوب لبنانيّاً الآن، وعلى جناح السرعة، تشكيل حكومة. أيّ حكومة. من خارج، من داخل، من تكنوقراط، من خبراء، من سياسيّين، من أقطاب لم يعد لهم اثر، لا فارق.
المهم أن تكون هناك هيئة، لجنة، فرقة، أي شيء، أي شكل، أي "تعاونيّة" تبادر الى استدراك المستجدات الطارئة، قبل ان يندفع "الوباء" الى الانتشار والتوسّع… وعلى غرار ما حصل في بدايات الانهيار الكبير، بعد السقوط المريع في جحيم الحروب القذرة.
الوضع المهترئ على كل الصعد، والتفكّك الذي ضرب الدولة، فضلاً عن النزف الاقتصادي الصاعق، كل ذلك يتطلَّع الى رئيس الجمهورية ليتقدّم الصفوف ويدعو الى مؤتمر وطني جامع، يتخذ قرارات انقاذية وعاجلة.
وبعيداً من كل هذه الثرثرة.

السابق
الجمهورية: الخريطة العربيّة الجديدة ترتسم على وقع المتغيّرات
التالي
“الشرق الأوسط” عند الحدود اللبنانية ـ السورية: أهالي تلكلخ في مواجهة “الشبيحة”