فتح الجبهة المشتركة

ليست ذكرى النكبة هي الخيط الوحيد الذي كان يربط بين ما جرى على الحدود اللبنانية والسورية مع اسرائيل، وكان يتسم بدرجات متفاوتة من العفوية، وبمعدلات مختلفة من الضحايا الفلسطينيين الذين عرضت عليهم فرصة مناسبة للاستشهاد بنيران العدو فاغتنموها من دون تردد… ومن دون التمييز بين ما يعزز رصيدهم السياسي الخاص وبين ما يوضع في الحساب اللبناني السوري المشترك.

كانت المسيرة التي اتجهت صوب الحدود اللبنانية والتي انتهت برشق الجنود الاسرائيليين بالحجارة عبر الاسلاك الشائكة، تلقائية الى حد مخيف، مثلما كانت المسيرة التي خرقت خط الجبهة السورية وانتهت في بلدة مجدل شمس في الجولان، منظمة الى حد مقلق. والقياس هنا يستثني التوتر الاسرائيلي الذي نجم عن المفاجأة نفسها اكثر مما نتج عن حقيقة أن فلسطينيين وسوريين ولبنانيين سمح لهم بالوصول الى هذا المستوى من التحدي.

في مارون الراس كانت لحظة انفعال عادية، يمكن ان يشعر بها اي فلسطيني او عربي يشاهد الارض المحتلة والمسيّجة. وكانت الحجارة تعبيرا عن الغضب اكثر مما كانت محاولة للاستفزاز او مناورة للاشتباك. لم يكن المشهد في دقائقه الاولى يخلو من الطرافة: على تلك الحدود بالذات، لم يسبق لأحد ان اكتفى باقل من الصاروخ والمدفع والقنبلة والعبوة الناسفة… وهو ما كان يمكن ان يدخل التاريخ، لولا أن الاسرئيليين تعمدوا ارتكاب تلك المذبحة المروعة التي راح ضحيتها 11 شهيدا واكثر من 130 جريحا… والتي كان يمكن ان تشعل حربا اقليمية كبرى، لولا أن اللبنانيين والسوريين طبعا التزموا بقدر غير عادي من ضبط النفس، ورأوا أن الأمر هو مجرد قربان فلسطيني على مذبح النكبة.

في الجولان كانت لحظة اختراق مدروسة ومتعمّدة أذهلت الاسرائيليين الذين كانوا يتلقون التحذيرات من دمشق من دون أن يصدّقوها، او ربما من دون ان يفهموها. وهي أصبحت من الان فصاعدا أمرا واقعا وخيارا ثابتا، ينهي تفاهمات أمنية وسياسية على خطوط الجبهة السورية الاسرائيلية ترجع الى ما بعد حرب تشرين العام 1973… ويرسي قواعد جديدة للعبة، ليس فيها محرّمات ولا حدود للمفاجآت التي تحتملها والتي تتعدى خطوط الفصل العسكرية التي تميزت في العقود الاربعة الماضية بهدوء استثنائي.

جبهة الجولان فتحت، او هي تفتح تدريجيا، ردا على فتح جبهة الداخل السوري او مدا لها الى أحد أهم الابعاد التي تختزلها الجغرافيا السياسية لسوريا ونظامها. وفي هذه الحالة لا يمكن لأي عاقل أن يستثني جبهة الجنوب اللبناني التي كانت وستبقى عنوانا رئيسيا لا يخطئه أحد لوحدة المسار والمصير التي يمكن أن تترحم على الشهداء الفلسطينيين الـ11، لكنها تعد بارسال المزيد منهم الى الحدود اللبنانية الجنوبية، من دون الحاجة الى أي مناسبة فلسطينية خاصة، ومن دون الرغبة اللبنانية او السورية في اشعال حرب واسعة، صارت تعتمد على التوقيت المناسب للاسرائيليين، او على تقديرهم المحدد لما يجري في دمشق وبيروت.

السابق
اللواء: خطوة للتعايش مع الأزمة: المجلس يقوم مقام الحكومة!
التالي
الجمهورية: الخريطة العربيّة الجديدة ترتسم على وقع المتغيّرات