عين الحلوة يحتفي بشهداء العودة.. ومخيمات الجنوب تزف أبطالها

للمرة الأولى في مخيم عين الحلوة استطاع صوت زغاريد النسوة والأمهات من أن يتفوق على أزيز الرصاص في استقبال جثامين الشهداء الذين سقطوا في مواجهات مارون الراس البطولية في مسيرة العودة إلى فلسطين.
مَهرٌ من الدم

على وقع أغنية «رجع الخي ياعين لاتدمعي فوق كتاف رفقاته ومحبينه» التي تصدح من مكبر صوت إحدى السيارات، تحاول والدة الشهيد محمد أبو شليح أن تمسح الدمع الذي يسيل على وجهها لتطلق «زغرودة» الشهداء مع نسوة آخرين لتزفه عريساً «لعروسة مهرها الدماء وهي فلسطين» كما تقول.

برباطة جأش الأم الفلسطينية تهم لاستقبال جثمان فلذة كبدها قبل دخوله إلى مسجد «الفاروق» عمر بن الخطاب للصلاة عليه، بعد أن حمل على أكف محبيه ورفاقه من مخيم المية ومية سيراً على الأقدام إلى مخيم عين الحلوة لينضم إلى أخوة له رووا أرض الجنوب اللبناني بدمائهم على بعد أمتار قليلة من فلسطين الذين كانوا يمنون النفس بأن يطأوا أرضها.
وحدة الفرحة والمعاناة
ولم يختلف المشهد مع وصول جثماني الشهيدين عماد أبو شقرا إلى مسجد الفاروق عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن سعيد صبحة إلى مسجد الشهداء «الصفصاف»، وهما من أبناء عاصمة الشتات الفلسطيني الذين تشاركا الأمنية بالعودة إلى فلسطين وتحريرها كما يروي عنهما الأصدقاء والأقارب.

بعد أن انتهت من الصلاة على الجثامين الثلاثة إختلطت زغاريد النسوة مع أصوات الرصاص التي أطلق تحيةً إلى أرواح الشهداء، «وتأكيداً على أن طريق فلسطين يمر من فوهة البندقية، وليس من أقلام معاهدات الصلح والمفاوضات» كما يقول أبو محمد وهو أحد أقرباء الشهيد صبحة.

الوداع الأخير
انطلق موكب تشييع موحد من أمام مسجد الفاروق باتجاه مقبرة درب السيم، وفي الجولة الأخيرة للشهداء الأبطال في مخيم عين الحلوة الذين ترعرعوا وتربوا فيه على حب فلسطين هب المخيم بكل أبنائه لإلقاء نظرة الوداع عليهم، فاصطفوا على جنبات الطريق وعلى شرفات المنازل لينثروا على جثامينهم الورود وليروا فيهم جسر العودة الذي يعبرون من خلاله إلى فلسطين في القريب العاجل على حد قول الشاب أحمد المجذوب وهو أحد أصدقاء الشهيد أبو شقرا.
«ياريت كل الشباب الفلسطيني بيسقطوا شهداء في سبيل تحرير فلسطين … تيتوحدوا المسؤولين والقيادات»، بهذه العبارة يشير صبري رباح إلى صورة المشهد الذي تعانقت فيه الرايات الصفراء والخضراء والحمراء والبيضاء والسوداء مع بعضها البعض وتلاصقت فيها أكتاف مسؤولي الفصائل الفلسطينية بكل مشاربها في المستوى نفسه وهتفوا بصوت واحد الشعب يريد إنهاء «إسرائيل».

غضب والتزام
أما المشيعون وتحديداً منهم جيل الشباب والذي عايش معظمه الشهداء الثلاثة فكانت هتافاتهم غاضبة ضد الأنظمة العربية المتآمرة على قضيتهم والمتعاملة مع العدو «الإسرائيلي» وأبرزها «حطوا الكاس على الكاس حكام العرب أنجاس» . وعدد من الهتافات كانت تؤكد على حق العودة والشهادة على طريق تحرير فلسطين ومنها «بدنا نقاتل بدنا نموت ع فلسطين بدنا نعود» و»يا سليمان افتح الحدود … بدنا نقاتل اليهود» و «عالقدس رايحين شهداء بالملايين» وهتافات أخرى.
عبدالله طه وهو أحد الشباب ممن تعرضوا للإصابة في مارون الراس أبى إلا أن يشارك في عرس الشهداء الثلاثة، مستذكرا الشهداء الذين سقطوا أمامه فيصف المشهد بالأسطوري وكيف كانوا يواجهون الرصاص بالصدور العارية لتحقيق حلم حياتهم. ويروي كيف أن أحد الشهداء الذي سقط برصاص القناصة الصهاينة المختبئين والمحصنين في مراكزهم القتالية استطاع أن يزرع علم فلسطين في أعلى السلك الشائك الحدودي بين فلسطين المحتلة ولبنان.
ويقول طه «في مارون الراس حكاية جديدة من حكايات المجد والبطولة التي يسطرها الشعب الفلسطيني الصامد على الرغم من التآمر الدولي والعربي عليه»، لافتاً إلى أنه على استعداد لأن يكون أول من يقدم كفنه قرباناً لعودة فلسطين.

كلمات في المناسبة
ووريت الجثامين الثرى في المقبرة وارتفعت الهتافات المعاهدة باستكمال ما حققه الشهداء على وقع إطلاق الرصاص، واختتم التشييع بإلقاء كلمات لكل من عضو قيادة حزب الله الشيخ عبد المجيد عمار والسفير الفلسطيني الدكتور عبد الله عبد الله، رئيس التنظيم الشعبي الناصري الدكتور اسامة سعد والناطق الإعلامي باسم عصبة الأنصار أبو شريف عقل، حيث أجمعت الكلمات على أن ماجرى في مارون الراس يؤكد تمسك الشعب الفلسطيني بكل أجياله في حق العودة مهما طال الزمان. وأثبتت الدماء التي سالت أن طريق فلسطين يمر بالمقاومة والنضال ضد العدو حتى تحرير الارض من رجسه.
وكان اللافت في التشييع مشاركة جميع ألوان الطيف اللبناني والفلسطيني الوطني والإسلامي لاسيما لبنانياً مشاركة وفد قيادي رفيع المستوى من حزب الله ضم بالإضافة إلى النائب علي عمار، حسن حدرج، محمود قماطي، غالب أبو زينب والشيخ زيد ضاهر»، إلى جانب ممثل الحزب السوري القومي الإجتماعي الأمين قاسم صالح. أما فلسطينياً فقد حضرت جميع ألوان الطيف الفلسطيني ورموزه.
وكان مخيم عين الحلوة قد شهد ومنذ فترة بعيدة إضراب عام حيث احتلت الرايات السوداء والأعلام الفلسطينية وصور الشهداء شوارع المخيم، وأقفلت مدارس «الأنروا» ومؤسساتها أبوابها كما هي حال المؤسسات والمحال التجارية. وعم الغضب أبناء المخيم الذين فضلوا عدم الذهاب إلى أعمالهم للمشاركة في التشييع.

جرحى في المستشفيات
غصت مستشفيات مدينة صيدا بالعديد من المصابين في مواجهة مارون الراس، ففي مركز لبيب الطبي الذي يستقبل القسم الأكبر منهم، فإن الحديث عما جرى يوم الأحد على التلة المشرفة على الأرض المغتصبة يسمع في العديد من غرف المركز وباحاته.
ويتحدث المرضى والممرضات عن الحال المعنوية المرتفعة عند المصابين وعزمهم على معاودة الكرة مرة ثانية وكيف أن الحديث عن تفاصيل ماجرى في مارون راس استطاع أن يتغلب على آلام المصابين وينسيهم الوجع .
في غرفة العناية المركزة ينتظر رامي قدورة إخضاعه للعملية الثانية بعد أن أجريت له الأولى مساء يوم الأحد في وريد قدمه الذي أصيب مع كسر في العظم، وهو يستذكر ماجرى معه فيقول أن ماجرى هو أمر طبيعي لأن فلسطين هي أرضنا وقبلتنا وما قمنا به هو أقل الواجب وهو تعبير رمزي عن رفض الظلم والاحتلال.
قبل أن يضيف «بعفوية ووسط الألغام وحقول الموت تقدمنا إلى الشريط الشائك لنرفع علم فلسطين».
يؤكد رامي لن أتوانى في تلبية النداء في المرة المقبلة على الرغم من إصابتي، لأن فلسطين تستحق منا أكثر من ذلك وأننا كشباب فلسطيني لم ولن ننسى حقنا في الأرض المسلوبة.

إلى ذلك، ووسط هتافات التنديد بالاحتلال واجرامه، والعهد بأخذ الثأر وبمواصلة النضال على درب التحرير والعودة الى أرض الوطن مهما غلت التضحيات، شيعت جماهير القوى والفصائل والأحزاب الوطنية والاسلامية الفلسطينية في المخيمات الجنوبية شهيدي الانتفاضة الشعبية الثالثة محمد محمد سالم (17عاما) من مخيم البص، ومحمد سمير فندي (17عاما)من مخيم البرج الشمالي في منطقة صور اللذين استشهدا برصاص العدو في بلدة مارون الراس الحدودية على بعد امتار من الوطن السليب فلسطين.

مراسم التشييع
في مخيم البص شيع الشهيد سالم (17 عاما) الى مثواه الأخير في موكب مهيب انطلق من منزل العائلة في المخيم الي جبانة الخراب في مدينة صور، محمولا في نعش ملفوفٍ بالعلم الفلسطيني، على اكف رفاقه يتقدمه حملة الأكاليل والرايات الفلسطينية واللبنانية والفرقة الموسيقية التراثية الفلسطينية، التي عزفت اناشيد النصر والشهادة، كما شارك في المراسم حشد من الشخصيات النيابية اللبنانية الجنوبية وممثلين عن القوى والاحزاب الوطنية والاسلامية اللبنانية والفلسطينية والفاعليات الاجتماعية والثقافية والنقابية يتقدمهم النائب عبد المجيد صالح، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح سلطان ابو العينين، ممثل الرئيس سليم الحص عضو الامانة العامة لمنبر الوحدة الوطنية محمد نديم الملاح.

فندي
وفي مخيم البرج الشمالي اقامت المنظمات الفلسطينية وجماهيرها مراسم تشييع مماثلة للشهيد فندي الذي ووري في الثرى في جبانة المخيم، بمشاركة النائب نواف الموسوي وممثلين عن القوى والأحزاب الفلسطينية واللبنانية.

السابق
الإيطالية تنظّم دورة تدريبية للجيش
التالي
مسؤول بريطاني: المحكمة الجنائية الدولية قد تصدر أمراً باعتقال الأسد