شباب لبنان للسياسيّين: العلاقة بيننا

تعدّدت الوثائق وتنوّعت الروايات، والنتيجة واحدة: يحظى مسلسل ويكيليكس باهتمام خاص من قِبل الشباب اللبناني، منهم من يتابعه على أحرّ من الجمر، وآخرون يحاولون كبت فضولهم، ولكن سرعان ما تفضحهم أسئلتهم: ماذا بعد؟ مَن التالي؟ وغيرها من التساؤلات.

بدافع الفضول، حرصا على متابعة كلّ "شاردة وواردة"، حبّا بكشف المستور، طمعا بمعرفة الوجه الآخر للسياسيّين، ولمَ لا؟ تفاوتت الأسباب الكامنة وراء اندفاع الشباب الذين التقتهم "الجمهورية" في متابعتهم الوثائق السرّية، إلّا أنّ معظمهم أكّد أنّ العلاقة مع السياسيّين لن تكون كما كانت عليه قبل "ويكيليكس".

"أضاءت ويكيليكس ظلمة كواليس السياسة اللبنانية، ولفتت انتباهنا إلى قضايا كثيرة لم تخطر في بالنا قط، فأضعف الإيمان أن نتابعها بشغف". هذا ما عبّر عنه الطالب في كلّية الإعلام روي بوزيد، موضحا: "ما نسمعه من فضائح بحق القادة أقرب إلى طاولة حوار حيث تسقط الأقنعة". روي ومجموعة من أصدقائه وجدوا من الطبيعيّ أن تلقى أخبار ويكيليكس هذا الاهتمام، فعلى حدّ تعبير أحدهم "لكلّ جديد رهجته".

في ضوء متابعته الحثيثة للوثائق، يستنتج روي أنّ "من المعيب أن يستثمر أيّ شاب قدراته في مشاريع حزبيّة سياسية ضيّقة، فمن المجدي أكثر أن نتبنّى مشاريع تخدم الوطن".

متابعة انتقائيّة

يعتبر محمود فقيه أنه لا يمكن التنكّر للاهتمام البارز الذي حصده نشر أخبار ويكيليكس، منتقدا في الوقت عينه سرعة لبننة هذه الظاهرة. "المضحك المبكي كيف أنّ وسائل الإعلام اللبنانيّة تعاملت مع هذه الهرطقات السياسيّة، إذ لم يكن الهدف منها تنوير الرأي العام، إنّما توجيه اللوم إلى بعض السياسيّين، على نحو بدا واضحا في مَيل إحدى وسائل الإعلام إلى التصويب فقط على قادة 14 آذار، متعمّدة التعتيم على ما قد ارتكبته قوى 8 آذار". ويضيف متأسّفا: "استغرب تعامل الشباب مع هذا الكمّ من الفضائح على نحو انتقائي، فمن يدعم 14 آذار شكّك في مصداقيّة الحقائق التي تطاول قادته، في حين أخذ الوثائق التي تدين أخصامه على محمل الجدّ".

يعتبر محمود أنّ حال الانقسام مستشرية في لبنان، والوثائق السرّية عزّزت هذا الانقسام، مشيرا في الوقت عينه، إلى "انغماس الشباب حتى أقصى حدود في انتمائهم السياسي، إلى حدّ يصعب عليهم استيعاب أيّ حقيقة مغايرة لما هو مرسّخ في عقولهم"، لذا استبعد أيّ محاسبة قد يجرؤ الشباب على تحقيقها. ويضيف: "ما يؤكّد صعوبة لجوء هؤلاء إلى محاسبة قادتهم هي التبريرات والتأويلات التي يلجأ إليها كلّ سياسي طاوَلَته الوثائق السرّية، فينجح في إقناع قاعدته الشعبية ومحبّيه كافة، بأنّ للضرورة أحكامها". ويوضح: "هذا لا يلغي أنّ فئة كبيرة من الشباب ستكون حذرة أكثر في علاقتها مع القضايا السياسيّة".

مسألة تجاريّة بامتياز

من جهتها، تجد فانيسّا باسيل نفسها "مجبرة" على متابعة مختلف الأحداث، كونها تتابع دراستها في العلوم السياسيّة. وتضيف: "من الواضح أنّ أخبار ويكيليكس نجحت في استقطاب فئة كبيرة من الشباب، إلّا أنّ الضجيج الذي رافقها كان مبالغا فيه".

وتبرّر فانيساعدم اهتمامها لويكيليكس، قائلة: "حجم المعلومات التي ضُخّت على نحو متزايد يثير الرّيبة والشكّ في نفوس القرّاء والمشاهدين، فالمسألة تجاريّة بامتياز، والهدف منها اللعب على غرائزنا".

وتعتبر فانيسّا أنّ ويكيليكس قدّمت خدمة مجانيّة تحديدا إلى الشباب المحازبين: "لقد تحوّلت متابعة الأخبار في ما بين المحازبين سباقا محموما، ومبارزة في احتساب نقاط "الفولات" التي سجّلها زعيم كلّ حزب، وذلك من أجل توظيف هذه المعلومات في مرحلة لاحقة، ودعم كلّ فريق موقفه". من هنا تعتبر فانيسا أنّ محاسبة الشباب للسياسيّين ستكون "انتقائيّة، وكلّ جهة ستوجّه إصبع اللوم إلى القوى السياسية الأخرى، متجاهلة ما ارتكبته".

دأب الشاب جو حموّرة على متابعة أخبار ويكيليكس في أدقّ تفاصيلها، فلم يدع أيّ وسيلة تعتب عليه، "من مواقع إلكترونية، فايسبوك، التلفاز، الصحف. ويقول: "تابعتها بدافع الفضول بالدرجة الأولى، اللافت في الأمر أنّ هذه الوثائق السرّية وضعت معظم السياسيّين في كفّة واحدة من الميزان".

يعتبر جو أنّ من الطبيعي "أن يستمرّ اللبنانيّون بمتابعة الأخبار باهتمام بالغ"، مشيرا إلى "أنّ الوثائق السرّية العالميّة تحظى باهتمام أكبر كونها أكثر تأثيرا على المنطقة من مواقف بعض السياسيّين المحلّيين". ويرى جو أنّ "تعاطي الشباب مع ما ينشر من وثائق محكوم بانتقائيّة واستنسابيّة تمنعهم من الانتقال إلى ممارسة دورهم المحاسب والمدقّق لأداء السياسيين".

رأي علم الاجتماع

حيال ما تثيره وثائق ويكيليكس في صفوف الشباب، توضح المتخصصة في علم الاجتماع الدكتورة منى فيّاض، "أنّ الإنسان في طبيعته فضوليّ، يميل إلى التقصّي عن حياة الآخرين سواء الخاصة أو العامّة، واكتشاف خصوصيّاتهم خصوصا المشاهير منهم. والدليل على ذلك أنّ الكثير من الوثائق لم تأتِ بما هو جديد، ولم تتجاوز "القيل والقال"، إلّا أنّها نجحت في كسب اهتمام الناس".

وردّا على سؤال، هل سنشهد علاقة جديدة بين الشباب والسياسيّين إثر أخبار ويكيليكس؟ تجيب: "لا شكّ في أنّ التسريبات ستكشف الأوهام التي كوّنها الشباب عن السياسيّين. كما أنّ الأسماء التي لم تأتِ التسريبات السياسية على ذكرها بعد، لا يعني أنّها بريئة أو غير مدانة، قد تكون منغمسة في قضايا أسوأ وأخطر، إلّا أنّ أمرها لم ينكشف، ربّما لأنها تتعامل مع جهة غير أميركيّة، يصعب الوصول حتى الآن إلى أرشيفها". وتضيف: "ما يحدث في الآونة الأخيرة يظهر للشباب حقيقة العمل الدبلوماسي، ولطالما لعبت أرشيفات الدول دورا بارزا عبر التاريخ".

ولم تستبعد فيّاض انتقال الشباب في مرحلة لاحقة إلى محاسبة السياسيّين: "صحيح أنّنا لم نشهد حتى الآن أيّ تحرّك شبابي نحو محاسبة الطبقة السياسيّة، على عكس ما تشهده الدول العربية، ولكن تدريجيّا سيستقي الشباب العبر المناسبة من هذه التسريبات، وينتقلون إلى ممارسة دورهم بصرامة أكثر".

قبل أن تمتحن وثائق ويكيليكس العلاقة بين الشباب والطبقة السياسيّة الحاكمة، يبدو أنّ السياسيّين أمام اختبار مع أنفسهم، هل سيستمرّون في التحدث والتصرّف على النحو ذاته؟ أم سيعتمدون أسلوب الرقابة الذاتيّة؟

السابق
قاضية فرنسية تستمع الى السيد غداً
التالي
الإيطالية تنظّم دورة تدريبية للجيش