“حزب الله” مربَك بين الأزمتين السورية والإيرانية

"حزب الله" مربك. "عاصفة الربيع" العربية، حشرته حيث لا يحب، كما حشرت قوى أخرى على خلاف معه، تبعاً لاختلاف الدوائر والمواقع على مساحة الوطن العربي، لذلك يبدو مؤخراً "الصمت من ذهب ان لم يكن من الايمان". نادراً ما سمع أحد تصريحاً أو تعليقاً أو خطاباً من الذين يكلفون لينطقوا بمواقف الحزب خلال الأسابيع القليلة الماضية، حتى الأزمة الحكومية وعدم النجاح في تشكيلها بعد مرور أكثر من مئة يوم على التكليف، تبدو وكأنها خارج "صحن" الحزب مع أنه هو ولا أحد غيره يشكل "العمود" الذي تقوم عليه "خيمة" الأكثرية الجديدة.

عندما يكون الافق رمادياً، ولا مؤشرات على شكل تحولاته ومضامينها، فإن لكل كلمة حساباتها ولكل موقف نتائجه على المدى الطويل.
بداية، "حزب الله" "غرق حتى اذنيه" في مستنقع الأزمة الحكومية. مهما كابر وأكد أن أسبابها ليست عنده وانما عند الرئيس ميشال سليمان والرئيس المكلف نجيب ميقاتي. العماد ميشال عون مهما غالى بمطالبه فإنه شكل ويشكل "ورقة التوت" التي تخفي موقف "الحزب" من تركيبة الحكومة كلها. المشكلة أكبر من اسم وزير الداخلية. بعد الاتفاق، إذا حصل، على الاسم، تحل الخلافات حول 29 وزارة، ومن ثم وهو الأهم حول البيان الوزاري والموقف من المحكمة الدولية. مشكلة "الحزب" الحقيقية تكمن على جبهتين:

الأولى داخلية تقوم على أن فشل الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة، يشكل فشلاً ذريعاً للحزب لانه هو الذي خطط ونفذ "الانقلاب الدستوري" على الرئيس سعد الحريري وحكومته. والأهم له أن الأكثرية الجديدة ستعود أقلية، بذلك سيجد نفسه مضطراً للتعامل مع الواقع الجديد الذي يبدأ مع سعد الحريري وينتهي بقوى 14 آذار، وهو ما لا يريد تحمل ارتداداته.

الثانية خارجية، ذلك انه لا يمكن فصل الداخل عن الخارج. التطورات اليومية والسريعة التي تجري في منطقة الشرق الأوسط، تجبره كما غيره على الترقب والحذر وان كان بنسبة أكبر لأن الحلقة الأساسية تعنيه مباشرة. "حزب الله" واقع بين أزمتين تطالانه مباشرة، على ميمنته وميسرته في وقت واحد. خيارات الحزب صعبة ودقيقة. ما يحصل في سوريا يعنيه مباشرة.

العلاقة مع دمشق ليست تحالفاً استراتيجياً فقط، انها مسألة حياة أو موت بالنسبة له. دمشق هي "الوريد" الذي يمده بكل أسباب القوة والمواجهة. الغموض الذي يسود الوضع في سوريا، يجعل "الحزب" يحسب ألف حساب. بلا شك أنه يقف عقلاً وقلباً مع دمشق، لكن في الوقت نفسه لا يمكنه التنكر للمطالب المشروعة لشرائح واسعة من السوريين. أي خلل في مواقفه مما يحدث في المنطقة وما تعيشه شعوبها يفقده مصداقيته مستقبلاً. ليس أخطر على "الحزب"، وهو الذي يقود المقاومة، أن يخرج من عمقه الشعبي لأنه عندئذ يلقى "مصير السمكة التي تخرج من الماء".

لو بقيت أزمة الحزب محصورة بميمنته لامكنه التحرك وعدم التموضع في موقع دفاعي وهو الذي اعتاد الهجوم وأيضاً الدفاع الوقائي.
يواجه "الحزب" في ميسرته الإيرانية أزمة صامتة لكنها خانقة مهما قلل من أهميتها. الأزمة بين المرشد آية الله علي خامنئي والرئيس أحمدي نجاد تصيبه في الصميم. ليست الأزمة بين مراكز قوى على السلطة فقط، وانما حول الجمهورية ومستقبلها ونهجها والتزامها الفكري والسياسي. "الحزب" ملتزم "بالولاية المطلقة" للمرشد وفي الوقت نفسه له علاقات قوية وعميقة مع الرئيس أحمدي نجاد. لو بقي الخلاف محصوراً بين المرشد والرئيس ولم يأخذ أبعاداً فكرية وعقائدية لكان بقدرته التملص من القيود المفروضة عليه. المشكلة أن التزام الحزب بالولاية المطلقة يواجه اليوم بتزايد الكلام "النجادي" عن "الخط المهدوي" المؤمن بأن عودة الإمام المهدي اقتربت وان مؤشرات هذه العودة عديدة. من أبرز مؤشراتها ودلائلها وجود أحمدي نجاد في القيادة.
أحمدي نجاد ما كان ليجرؤ على تحدي ومواجهة المرشد ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني في وقت واحد لو لم يكن يستند الى تيار شعبي واسع عمل على تشكيله وبنائه طوال السنوات الست الماضية، ولو لم يكن يمسك بأوراق قوية على طاولة المواجهة. أحمدي نجاد ليس غبياً ولا بسيطاً كما جرى تصويره في الحملة الغربية الساذجة ضده. لذلك كلما ارتفع منسوب التحدي والمواجهة بين نجاد والمرشد وباقي خصومه ومنافسيه تضخم حجم احراج "حزب الله" لان الاختيار صعب جداً. أبعد من ذلك، ان الأزمة في إيران تبدو طويلة لا حلول سريعة لها في الأفق القريب.

أكثر ما يؤكد إرباك موقف "حزب الله" وحراجته ان أحد نوابه رد هامساً عندما سأله الزميل الياس الفرزلي في "السفير" عما يجري في سوريا وفلسطين والمغرب العربي والخليج العربي وإيران: "لقد بات ظهور الإمام المهدي قريباً جداً إن شاء الله".
المشكلة أن ضجر اللبنانيين وخوفهم على يومياتهم المعيشية وحتى المصيرية قائم. اللبنانيون لا يستطيعون الانتظار أكثر مما انتظروا لرؤية حلول تخفف من حالتهم التي تضعهم على حافة الهاوية، خصوصاً أن الانهيار هذه المرة سيكون مدوياً ومصيرياً.

السابق
المندوبة الدائمة في الأمم المتحدة: إسرائيل في أسوأ وضع في تاريخها على الساحة الدولية
التالي
الصايغ: الأغلبية البرلمانية لا تزال لـ14 آذار