المندوبة الدائمة في الأمم المتحدة: إسرائيل في أسوأ وضع في تاريخها على الساحة الدولية

«وضع إسرائيل في المجتمع الدولي بلغ الحضيض. فمنذ الحرب على غزة (2008 – 2009)، تتدهور مكانتها، وأحداث أمس زادت الطين بلة. فإسرائيل باتت في أسوأ وضع دولي في تاريخها»، بهذا اعتراف خرجت المندوبة الدائمة لإسرائيل في الأمم المتحدة، جبرئيلا شليف، أمس، خلال البحث الذي جرى في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، والذي خصص لمناقشة استعدادات إسرائيل للإعلان المرتقب في الأمم المتحدة عن دولة فلسطينية في سبتمبر (أيلول) القادم والذي تطرق فيه الحاضرون إلى مسيرات اللاجئين الفلسطينيين من سوريا ولبنان وقطاع غزة باتجاه الحدود الإسرائيلية.

وقالت شاليف إن الإعلان من جانب واحدة عن الدولة الفلسطينية ليس هدفا بحد ذاته، وإنما مرحلة وهدف مؤقت للفلسطينيين لدهورة مكانة إسرائيل في العالم، وعلى إسرائيل أن «تبذل جهودا دبلوماسية وسياسية لإقناع الدول بأن الاعتراف من جانب واحد هو خطوة لا ينجم عنها أي فائدة للفلسطينيين ولـ(عملية السلام)».

وقال البروفسور شمعون شمير، وهو دبلوماسي قديم خدم سفيرا في الأردن والقاهرة ويعتبر من أبرز الخبراء في قضايا الشرق الأوسط، إن العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين تدخل مرحلة جديدة، وإنه على إسرائيل المبادرة وعدم انتظار التطورات. ونصح بأن تطرح إسرائيل مبادرات خاصة بها تكون مقنعة للفلسطينيين والعالم العربي وأن «تكون فاعلة في الساحة السياسية كمبادرة، وليس كمراقبة تكتفي بالقول إن كل التطورات تثبت ما كنا نقوله دائما».

وكانت الحكومة الإسرائيلية، قد اعتبرت مسيرات اللاجئين المذكورة بمثابة قضية أمنية، ولم تفهم أو قررت أن لا تفهم رسالتها الحقيقية. فانشغلت في تحليل أسباب المفاجأة في قدوم ألوف الفلسطينيين نحو الحدود الإسرائيلية. ومن المسؤول عن الفشل، هل هي الاستخبارات العسكرية أم جهاز «الموساد» (المخابرات الخارجية) أو قيادة الجيش في الميدان. وانطلقت بذلك من القناعة بأنه لو كان هناك تحضير إسرائيلي عسكري جيد لما وصلت الحشود الفلسطينية إلى الحدود. وعلى الصعيد السياسي الخارجي، تقدمت إسرائيل بشكوى ضد سوريا ولبنان بسبب «اجتياز مواطنين منهم الحدود معها». وقالت في الشكوى إنها سبق وحذرت الأمم المتحدة من تطورات كهذه، ولكن حكومتي سوريا ولبنان تجاهلتا التحذير.

وبهذه الروح، أعلن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل ترى في التحرك الفلسطيني اعتداء تتحمل مسؤوليته كل من الحكومة السورية والحكومة اللبنانية والسلطة الفلسطينية (كونها أصبحت بعد المصالحة مسؤولة أيضا عن قطاع غزة). وقال إن إسرائيل مصرة على الدفاع عن أمنها وسيادتها. وذكرت مصادر سياسية مقربة منه أنه ينوي تخصيص خطابه أمام الكونغرس الأميركي، يوم الاثنين القادم، لهذه القضية ليقول إن «إسرائيل، الدولة المستقرة الوحيدة في الشرق الأوسط تتعرض لهجوم عدواني يدل على أن الفلسطينيين مدعومين بقوى التطرف العربية والإسلامية في إيران ولبنان وسوريا قرروا سلوك طريق العنف».

وأصدرت وزارة الخارجية رسالة تعميم على دبلوماسييها أن يشرحوا لدول العالم أن نظام الأسد في سوريا يقف وراء انطلاق مسيرات اللاجئين، «فالجميع يعرف أن أحدا لا يستطيع الاقتراب من الحدود من دون معرفة وتشجيع القيادات السياسية والعسكرية العليا في دمشق». واعتبرت هذه المسيرات محاولة من الأسد لحرف أنظار العالم عما يجري من قمع للمواطنين في المظاهرات المطالبة بتغيير النظام.

ولكن مواقف نتنياهو وحكومته هذه تلقى رد فعل غاضبا في وسائل الإعلام الإسرائيلية وحتى من بعض الوزراء في الحكومة. وقد كتب المحرر السياسي في صحيفة «هآرتس»، ألوف بن، أمس، «إن الثورة العربية قرعت أبواب إسرائيل يوم أمس في المظاهرات التي نظمها اللاجئون الفلسطينيون من سوريا ولبنان في مجدل شمس ومارون الراس لإحياء ذكرى النكبة. وإن دخول المتظاهرين إلى بلدة مجدل شمس نسف الأوهام حول أن إسرائيل تعيش في نعيم في فيلا في الغابة وأنها منفصلة عن الأحداث الدرامية حولها».

وأضاف أن الانتفاضة السورية تهدد بالوصول إلى إسرائيل أكثر من الثورات في الدول العربية الأخرى، كما أشار إلى المخاوف من إمكانية وصول نظام جديد إلى السلطة في سوريا يعمل على تصعيد الصراع مع إسرائيل لكي يحصل على شرعية وسط الشعب السوري والعالم العربي كله. وقال إن «السيناريو المرعب» الذي تخشاه إسرائيل منذ إقامتها قد تحقق يوم أمس، وهو أن يتحرك اللاجئون الفلسطينيون من المخيمات باتجاه الحدود، ويحاولوا تحقيق حق العودة سيرا على الأقدام. وبحسبه فإن «إسرائيل استعدت لإحياء ذكرى النكبة في الضفة الغربية والقدس والجليل والمثلث، إلا أنها تجاهلت الشتات الفلسطيني. وهذا أكثر بكثير من مجرد خطأ استخباري، لا بل هو تأكيد على محدودية القوة، حيث لا يمكن السيطرة على كل ساحة ونشر القوات في كل مكان، وبالتالي ستظل هناك ثغرات يستغلها العدو». وكتب إيتان هابر، المحرر السياسي في «يديعوت أحرونوت»، أن أحداث يوم النكبة، هي بداية عصر جديد في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. ولفت النظر إلى أن صور ميدان التحرير في القاهرة والصور القادمة من ليبيا وسوريا شجعت الفلسطينيين على تفعيل سلاح «الكم» إلى جانب النشاط السياسي المكثف في كافة أنحاء العالم. وبحسبه فإن استخدام الفلسطينيين والدول العربية لـ«سلاح الكمّ» يتحول إلى «سلاح نوعي»، وهو ما لم يكن في السابق. ويضيف أن هذا السلاح الجديد نسبيا يضع الجيش الإسرائيلي والشرطة أمام معضلات جديدة، بشأن كيفية التصرف مع عشرات ومئات الآلاف ومليون من المتظاهرين، وليس لأنه لا يوجد حل، وإنما لكون كل حل يتطلب استخدام القوة وهو ما يعني ثمنا دوليا صعبا.

وكان وزير الدفاع، إيهود باراك، قد صرح في أعقاب مسيرات اللاجئين الليلة قبل الماضية، بأن «الجمود في عملية السلام وغياب مبادرة إسرائيلية لاستئناف المفاوضات يفتح آفاق الطرف الآخر لتنفيذ مختلف النشاطات التي تحرج إسرائيل وتحشرها في ضائقة العزلة الدولية». ولذلك – تابع باراك – نسعى في الحكومة للخروج بمبادرة كهذه في أقرب وقت ممكن.

ولكن في اليمين الإسرائيلي، الذي يقوده نتنياهو، فزعوا من كلام باراك، فعقدوا ظهر أمس اجتماعا طارئا لنواب الليكود دعوا إليه قيادات المستوطنين وخرجوا بموقف لتكبيل يدي نتنياهو. فأعلنوا أن مسيرات اللاجئين والمصالحة الفلسطينية التي سبقتها، تؤكد أن اتفاقيات أوسلو قد انتهت وأن العرب اختاروا طريق المواجهة. وقال رئيس كتل الائتلاف الحاكم، زئيف الكين، إن «فكرة الدولة الفلسطينية قد ماتت بهذه الأحداث (المصالحة والمسيرات) وهذا هو الوقت لموجة استيطان يهودي في الضفة الغربية تضاعف عدد المستوطنين اليهود فيها مرتين». وقال داني دنون، رئيس الفرع العالمي لحزب الليكود، إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يريد إحضار رجال بن لادن من حماس إلى الضفة الغربية على بعد 30 كيلومترا من تل أبيب ويريد أن يفرض على إسرائيل هجوما للاجئين على الجليل. ويجب على إسرائيل أن تسحب البساط من تحت قدميه وتبين له الطريق إلى باب الخروج من هنا

السابق
“الشرق الأوسط” عند الحدود اللبنانية ـ السورية: أهالي تلكلخ في مواجهة “الشبيحة”
التالي
“حزب الله” مربَك بين الأزمتين السورية والإيرانية