السياسة: حزب الله” يحاول الهروب إلى الأمام بخلط الأوراق الداخلية

لعلها المصادفة وحدها هي التي جمعت في يوم واحد أحداث الحدود الشمالية والجنوبية للبنان, إلا أن التمعن جيداً في ما جرى يظهر خطا سياسيا يربط بين المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المتظاهرين في الجنوب, وبين مجزرة أخرى أقل حدة ترتكبها قوى الأمن السوري منذ أيام على مقربة من الحدود مع لبنان.

وفي هذا الخصوص, رأى مصدر واسع الاطلاع أن الحشد الشعبي الفلسطيني على الحدود مع إسرائيل مبرر ومشروع في ذكرى النكبة إذا كان بهدف التذكير بحق العودة للشعب الفلسطيني وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية ككل بما هي قضية شعب في الداخل وفي الشتات, إلا أن ما جرى في جنوب لبنان وفي الجولان كان استغلالاً للمناسبة لتوجيه رسائل متعددة يمكن فهمها بسهولة إذا أخذنا بالاعتبار أحداث الحدود الأخرى, أي في شمال لبنان.
أظهرت الوقائع أن "حزب الله" تولى تنظيم مسيرة العودة وتمويلها بدلاً من القوى الفلسطينية, ودفع بالآلاف من أنصاره للمشاركة فيها. وعندما وصل المتظاهرون إلى منطقة الحدود ساهم عناصر "انضباط" الحزب في خرق صفوف الجيش اللبناني الذي حاول منع وصول المشاركين إلى الشريط الشائك حرصاً على سلامتهم, ولتجنب مواجهة كبيرة غير محسوبة مع الإسرائيليين, في استعادة جزئية لمشهد الثمانينات, محاولاً تحقيق مجموعة من الأمور وحقق بعضها.
أولاً: أثبت انه هو الذي يضبط الحدود مع إسرائيل وليس الجيش اللبناني, ولو وقعت مواجهة عسكرية مفتوحة لكان الجيش تعرض لمجزرة كبيرة لأن عناصره كانت مكشوفة للجانب الإسرائيلي, لأنها في الأساس لم تكن مستعدة لحرب, وإنما كانت في مهمة ضبط الأمن.

ثانياً: نجح "حزب الله" في إثارة قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان, بوصفهم قنبلة بشرية يمكن تفجيرها في الجنوب في إطار الصراع الإقليمي تماما كما تم تفجيرها سابقا في إطار الصراع الداخلي في مخيم نهر البارد. وبالتالي أحيا الحزب آمال بعض الفصائل الفلسطينية الخارجة عن منظمة التحرير الفلسطينية والتي رفضت بعد اتفاق أوسلو إقفال الصراع من الخارج, والعودة إلى الداخل الفلسطيني وثمة تساؤلات جدية في لبنان عن احتمال وجود قواعد عسكرية سرية للجبهة الشعبية القيادة العامة مثلاً في الجنوب.

ثالثاً: خلط "حزب الله" الأوراق اللبنانية الداخلية, وأعاد تركيز الأنظار على الحدود الجنوبية بعد أن اخفق وحلفاؤه في إدارة البلاد من خلال تشكيل حكومة جديدة كتتمة للانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري.
رابعاً: يعتبر أي تصعيد في الموقف جنوباً في مواجهة إسرائيل الوسيلة المثلى للتغطية على قضية المحكمة الدولية التي عادت إلى دائرة الضوء الأسبوع الماضي مع تحديث القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
خامساً: بات اللبنانيون معنيين بالثورة السورية التي اقتربت من حدودهم بحيث نزحت آلاف العائلات السورية إلى الداخل اللبناني وتعرضت مناطق لبنانية لإطلاق نار كثيف من الجانب السوري. ولكن التصعيد المتعمد للموقف في الجنوب غطى على كل شيء. إلا أن الأخطر هو تسريب معلومات عن خطف جنود سوريين وإدخالهم إلى لبنان, وكأنها دعوة للجيش السوري لملاحقة الخاطفين في الداخل اللبناني, وقد يتبعه لاحقاً "مطالبة" قد تأتي من مكان ما في لبنان, ببقاء الجيش السوري في حزام امني داخل الشمال والبقاع, فيتمكن مقاتلو القواعد العسكرية الفلسطينية من الانتقال إلى الجنوب.

سادساً: التقت أهداف التصعيد في الجنوب مع أهداف التصعيد في الجولان, في إعادة فتح نوع من "الحرب الباردة" مع إسرائيل, تصرف الأنظار عما يرتكبه النظام السوري من أعمال قمع لشعبه, وتعطيه بعض المشروعية القومية والوطنية عندما يلوح بمواجهة ما مع إسرائيل. فإلى أين يمكن أن تصل دمشق في هذه المواجهة? هذا ما يحتاج إلى بحث وتحليل في الأيام المقبلة.

السابق
الردّ على الانتفاضات بـ “القضيّة الفلسطينيّة”
التالي
الحسن: نعوّل على جزء من إيرادات الاتصالات لتعزيز السيولة